قال محمد القرطيطي رئيس الجامعة الوطنية للتخييم وقيدوم العمل الجمعوي المنظر للتخييم ومجالاته، إن الحديث عن البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني يحتاج إلى تدقيق موضوعي ، يأخذ بعين الاعتبار حمولة كل قطاع وتراكمات المشاكل وأثرها على الأرض ، لأنها جزء من المشكل وليست حلا له ، كما أن القول والتأكيد على مواصلة مشاريع وإصلاحات الحكومة السابقة ، يجعلنا عمليا في وضعية القبول بالإخفاقات والتراجعات، بما في ذلك الإكراهات التي صاحبت مختلف المحطات في التنزيل والتنفيذ.
قبل التعليق على التصريح الحكومي الحالي نذكر أن قطاع الطفولة والشباب فقد مع الحكومة السابقة حضوره وبريقه ،سواء على صعيد عدم استقرار الوزراء الذين تعاقبوا عليه ، أو ضياع عدد من الفضاءات التخيميية من يده نتيجة الضعف في المرافعة وصيانة الرصيد العقاري والمحافظة عليه أو السماح لوزارة الداخلية بحرمان الجمعيات المتعاقدة مع وزارة الشباب والرياضة من الدعم المالي والتحفظ دون تعليل مكتوب، أو إجراء تحويلات من مخصصات التخييم ودعم الجمعيات الى أنشطة أخرى من قبيل اختيار الرباط عاصمة الشباب العربي وتأدية جزاءات الملعب الكبير بطنجة من خلال حكم قضائي ، مما تسبب في حدوث اختناق مالي وتدبيري والتأخير في تنزيل القوانين والتشريعات ، وبطء وتيرة إتمام تأهيل المخيمات” الحوزية ، طنجة ، المحمدية ، طماريس ….الخ “وما يضاف إلى ذلك من تراجع للترسانة البشرية المؤطرة والمنشطة والمدبرة ، وإبقاء الباب موصدا أمام توظيف خريجي المعهد الملكي لتكوين الأطر وارتفاع وتيرة التقاعد بدون تعوي، الشيء الذي أثر سلبا على تأطير المؤسسات إلى درجة غلق بعضها .
قراءة لما تضمنه البرنامج الحكومي
ما استطعنا التقاطه من اشارات داخل التصريح الحكومي حول قطاع الطفولة والشباب ، ان ما جاء به يفتقر للترقيم في الزمان والمكان وتحديد سقف الجواب عن الاتنظارات بما تحمله من تراكمات واتساع الهوة والفوارق في المجالات التنشيطية والتأطيرية والتكوينية ، ذات العلاقة بالعنصر البشري وبالإمكانيات المرصودة.
ورغم أن البرنامج طرح بعض العناوين دون تدقيق أو ترقيم في الزمان والمكان من قبيل تنزيل الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب التي بقيت حديث الوزارة منذ 2011 على خلفية مناظرة الشباب الأولى وتوقيع 11 شراكة مع مجموعة وزراء تحت إشراف رئيس الحكومة ، وقيل إنها اعتمدت في 2014 ونسمع اليوم أنها ستنطلق دون معرفة الأضلع والتفاصيل والشريحة المستهدفة أو طبيعة الخدمات المقدمة للشباب ، وفي جميع الحالات إذا صحت النية في تنزيلها ، يجب الرجوع إلى ما تم إقراره وطنيا وجهويا واقليميا ، واجراء تقييم موضوعي للاستراتيجية ، خاصة على مستوى الأطراف الأخرى المرتبطة بهذا الفعل التنموي التربوي الثقافي الجمعوي ، ذلك أن رواجها قد يحدث التغيير. أما النقطة الثانية داخل البرنامج / التصريح / والتي تتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ، والذي تم الدفع به إلى التنفيذ دون الأخذ بملاحظات الجسم الجمعوي الذي يرجع اليه الفضل في تضمينه داخل دستور 2011 بدل المجلس الأعلى للشباب الذي ظهر واختفى خلال العشرية الأولى من الاستقلال ، ومن المعلوم أن النقاش حول المجلس اشتغل حول تأويل العمل الجمعوي ، أطيافه وتفرعاته ومؤسساته وتصنيفاته ، وكيف يمكن الالتقاء والتجميع والتمثيلية، ثم الشباب المنظم أو غير المنظم والمؤسسات المؤسسة له. كما أن الحديث عن تنزيل الاستراتيجية والمجلس الاستشاري لم يترافق مع طرح قانون إطار الشباب وقانون تنظيم الجمعيات ومؤسساتها الجمعوية ، وأيضا قانون التخييم والتكوين ، وقانون التطوع ، وما إلى ذلك من أدوات تشريعية نوعية يمكن الاشتغال عليها لبناء دولة الحق والقانون ، النقطة الأخرى التي تضمنها التصريح الحكومي هي تهيئ الظروف المادية واللوجستيكية والتأطيرية والتنشيطية لمائتي ألف (200 ألف) سنويا للتخييم (أي نقص نصف هذا العدد حسب برنامج الحكومة السابقة) دون أن يوضح التصريح ما يصاحب هذا العدد من بنيات تحتية مؤهلة وتأطير وخدمات ووقاية وحماية ، وهل ستبقى بقية المجالات معتمدة ومفتوحة من قبيل تداريب تكوين المنشطين والمدراء وتكوين المكونين وجامعات اليافعين الشباب ولقاءات دعم القدرات والكفاءات المعتاد تنظيمها خريفا وشتاء وربيعا وصيفا . البرنامج الحكومي أخبرنا بالعزم على تأهيل 1000 مؤسسة داخل منظومة دور الشباب وأندية المرأة والحماية والاستقبال والمخيمات ، دون أي توزيع حسب السنوات الخمس التي تشتغل فيها الحكومة ، وهل الأمر يتعلق بتوسيع الخريطة أو الشبكة حسب كل نوع ، أو شيء آخر ، وفي جميع الحالات هو رقم ضعيف، وللتذكير فقط أن مديرية الشباب والطفولة والمرأة داخل الوزارة تتوفر حسب أرقام السنة الماضية وما قبلها على 1600 مؤسسة تقريبا مؤطرة بما يقدر ب 1649 إطارا إذ لم يكن أقل حاليا مع احتساب حوالي 1600 إطار مساعد أو مؤقت في مؤسسات المرأة دون وضعية تذكر. ربما هذه الأرقام ومقارنتها بما أوردناه كافية للتدليل على وجود أزمة بدون حل .ا
لبرنامج لم يقدم خلافا لما كنا نتوقعه وننتظره ، أية بدائل أو إسعافات أو حتى مسكنات للتخفيف من الأزمة الهيكلية التي تعانيها الطفولة والشباب ، وأنه لم يبين مسألة تقاسم المسؤوليات على بقية القطاعات العامة والخاصة والجهات والجماعات الترابية ، من باب أن قضية الطفولة والشباب مسؤولية الجميع ، وأن عدم التعاطي مع مشاكلها المتناسلة قد يأتي بما لا نريده ؛ ومن هنا يأتي القول أنه لابد من فتح نقاش وطني عام للبحث عن الحلول الإصلاحية والعلاجية .
الانتظارات المشروعة
تعبر الجمعيات الجادة والحاضرة والمسؤولة على الأرض عن انتظاراتها المشروعة وفق منظور عام تشاركي يشارك فيه الجميع ، وهذا ما لمسته الجامعة الوطنية للتخييم عبر اجتماع مكتبها الجامعي مع وزير الشباب والرياضة صباح يوم 25 أبريل حيث استمع الوزير الى ما يشبه مرافعة مركزة قدمها رئيس الجامعة ، تركزت على البنيات التحتية لمؤسسات التنشيط والتكوين والتخييم ، ودعم الجمعيات وإعادة الاعتبار لها ولخدماتها وبرامجها وتسهيل الولوج إلى توظيف مراكز الاستقبال في التكوين الجمعوي ونشر ترسانة قانونية مواكبة والكف عن الالتفاف على مراكز التخييم ، وتحسين ظروف الاستقبال داخل كل مؤسسات الطفولة والشباب ، الوزير عبر عن تهانيه وشكره لعمل الجمعيات واستعداده التام لحل ما طرح من مشاكل ، لكن بعد الانتهاء من التخييم حتى لا نتعثر ونأخذ الوقت الكافي .
الجامعة لها انطباع جيد ، وأنه حان الوقت لوضع ملف الطفولة والشباب على طاولة الحكومة ، وأن التعاطي مع خصوصيته يندرج في سياق فتح حوار وطني موضوعي وتمتيع هذا الملف بالأسبقية من خلال خطة ثلاثية أو خماسية لتنميته وإخراجه من حالة الاختناق والتداوي بالشعارات ، نحن في حاجة إلى قفزة نوعية وإلى إعادة الاعتبار لوزارة الشباب من خلال الرفع من ميزانياتها وتمتيعها بترسانة بشرية للتأطير والتخطيط والتنفيذ.