قبل نهاية نونبر
أرى في تعلقي بالبلدة سرُا لا يعرفه أحد، تركت الباب مواربا للحكي، للكآبة، للحزن والفرح انكتم وطار من زمان، وكلما التقيته هزني من كتفي وسلمني وصلا دون توقيع بفعل الرغبة الآسرة مع الحاجة الى الدفء والموت على الخط و»إلا تعمل ليك الجرّه..!» كما يقول المذيع بسخرية لاذعة في ليلة باردة ممطرة قبل منتصف الليل .
نجحت في إقناع صديقي بأني كائن متوحش، لا يشكو.. لأتقوى شيئا فشيئا على الكتابة وأكون عصيا عليهم وعليها، ولكي لا أنهار مثلا قبل الفجر بقليل. أخطئ في التصورالبطيئ وأصوب أهدافي غير المحددة طبعا، أجدد مصطلحات غير مسكوكة وتحليلا بيزنطيا عريض المنكبين .. وراء كل حفرة هوة وكل سطر جناح، كم هو محزن أن تسخر مني يدي ولا تكتب عن المطر..
بداية نونبر
أن ترى مواطنا عاديا يمشي في شوارع «المركز» مثقلا كأنه خرج لتوه من معركة حرب ضروس قبل أن تصطدم قدماه بأطنان الوحل من برك ماء ممزوج بغبار رقيق «حريرة» متبقاة من ورش أشغال مشروع على قارعة الطريق في شارع الزاوية الأعرج، تغبطك اللحظة بالتفاصيل وتنحني إجلالا للحظة مسروقة من ظل شجرة غير وارفة، يتكرر المشهد كل الفصول وكل فصل شتاء في ناحية وحيدة واحدة من المغرب العزيز الذي يحكمه ويسيره للأسف «الأعضاء» في منطقة متحجرة لا تكاد تمحوها الممحاة وتتكرر المأساة بتكرر التراجيديا وموعد الترجمة هي « كارثة» بلسان أهل الحال مكررة أهل نتف اللحى.
حرب تبدأ فجرا فجأة مع أول لمسة سيجارة من مقهى صغير الى تركيب شخصيات روائية من معطف غوغل وتحيكهم كما لولب نولي بغزارة لذيذة تعبهم من انجراف تربة وتوقف أوجه نسوة وشباب بحثا عن عمل في موقف موشور، معطوب بانعراجات مع أول طلة للصباح للدفاع عن المحبة وأنف مزكوم يحذرك من بياض، استمع..
إنه يكتب عنا …
بوصفها ترجمة حرفية لكي ينكمش المواطن المغلوب على أمره ويدعي خوفا ووجلا أنه لا يعرف شيئا ويقسم برأس أمه والشريف الذي رآه ووقف عليه في المنام..أن الوقت زين، وأن الأعطاب ضرورية وأن الحل في أيدي ..نتف اللحى وأننا لا نريد .. وعدي بللي كاين كأمر منه.
9 نونبر
نجحت في إقناع صديقي أن نمرّ من المكان الذي مشى فيه الآخر، حاولنا وحاولنا دون جدوى أن نقفز، أن نبتعد قدر الإمكان عما وقع للرجل الأول السابق، لا جدوى
امتلأت أحذيتنا، ملابسنا بالوحل … سمعت بشكل مفاجئ تذمر صديقي، حياة كاملة يا للخسارة من يعيش هنا في هذه البلدة، القسوة في كل شيئ.. تسبب الانهيار العصبي والموت البطيئ والاندفاع للهرب، رقم صعب أن تظل هنا خارج الزمن وكأنك في بداية القرن العصر الحجري . معجم من الألفاظ يخرج من فمه كله سب وقذف في/ على المسؤولين الذين تركوا الشارع والأزقة موحلة بعد عمليات حفر متكررة كما قيل والله أعلم، أن هناك كنزا كما أُشيع عن منتخبي كرة القدم، كنز تحت أرض البلدة، كارثة من يجده الأول يربح المليون.. أو أنهم وجدوه وأوهموا الآخرين بالبحث عنه .
أوهمني أحدهم في مقهى يوما أن لديه ياقوتة من النوع الرفيع وأنه في طريقه لإخبار أهل البلدة الكرام وسيتربص بهم لكي يبيعها إياهم بثمن خيالي … بجدية أرى ملامح الحلم أمامي وكأني ذاك الرجل الذي سيشتريها أو سيعلن عنها في الأخبار ..
13 نونبر
وأنت تقطع الشارع الوحيد تفكر في الحفر، وتفكر أن تنغمس قدمك الوحيدة في «حريرة جارية» أو معقدة ، المهم أن تتلطخ وتثير زبدة الأرض بشهية تقف عليها شعيرات رأسك المتبقية شاهدا على زمان لا ينفلت من بين رجليك لتبرز أهمية الموقع والتلذذ..
لا تسلْ قدمك الاولى بل ادفعها.. إن تبقت لك لتستمتع أكثر وتتملّى بترجمان الأحرف اللصيقة مع هيمنة الصورة على المشهد العام وتكون حريصا على التقدم أكثر .
احرص مثلا أن تتجنب الوحل هذه المرة وتغمسها في بركة ماء طازجة بالخضر والحصى والحجر المفتت ولا تندم فالقضية فيها وفيها وليس من فعل كمن شاهد ورآى، فالمجالس المنتخبة لا تكون هنا بالضبط.. تختار المقاهي العالية، والسكنى خارج البلدة ..
تضع لها البيض وتمضي مهرولة الى العاصمة أو تلجأ الى الجبال لتتحصن ، أما أنت وأنا فحصانك دراجتك الهوائية والنارية إن شئت لا تتمرغ أكثر عجلاتها في طيبوبة المكان فخليط من الوحل والماء كفيل بإصدار صرير ضفاف المنطقة «بوابة الزاوية» التي لا تلين، تدخل إليها ولا تخرج أبدا .