فتح الله ولعلو: الاقتصاد هو القادر على بناء الاتحاد المغاربي والمجتمعات التي لن تتحكم في الثورة الرقمية مجتمعات أمية
عبد العالي بنشقرون : 200000 منصب شغل تضيع سنويا وخسائر اقليمية كبرى بسبب البلوكاج السياسي للوضع المغاربي
هل يمكن بعث الروح من جديد في اتحاد المغرب العربي الذي سيخلد هذه السنة الذكرى الثلاثين لولادته ميتا؟ هل ستتغلب الدول المغاربية على حالة القطيعة وتسعى لفتح الحدود وتقليص كلفة الجمود التي أدت المنطقة ثمنها باهظا؟ وهل يستطيع الفاعل الاقتصادي أن يصلح ما أفسده الجيو سياسي ويلعب دورا في استعادة الحلم المغاربي من جديد ؟
خبراء ،باحثون اقتصاديون وأساتذة جامعيون من تونس ،الجزائر ، ليبيا ،موريتانيا والمغرب التأموا في مراكش لمناقشة موضوع «البناء المغربي ..أي دور للفاعل الاقتصادي» الذي دعت اليه منظمة العمل المغاربي بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل يومي 1و2 دجنبر 2018 ،والتي اوضح لنا رئيسها ادريس لكريني ،أن الهدف من اختيار تدارس دور الفاعل الاقتصادي بالخصوص في اعادة البناء المغاربي، هو الإيمان بأن عالم اليوم هو عالم التكتلات الاقتصادية بامتياز وأن الفاعل الاقتصادي يمكنه أن يدعم كسب هذا الرهان، عبر تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بما يسمح بتشبيك المصالح، أسوة بالتجربة التي راكمتها الدول الأوربية في هذا الصدد بعد منتصف القرن العشرين..
الجيوسياسي يبعد
والاقتصاد يوحد
المنطقة المغاربية أضاعت 60 عاما من عمرها وستؤدي ذلك في المستقبل، يقول فتح الله ولعلو في معرض مداخلته عن «غياب المشروع المغاربي ،الكلفة والآفاق» والذي ارتأى ان يستعرض من خلالها الارهاصات الاولى لظهور الفكرة المغاربية في القرن العشرين بين الأوساط الطلابية في باريس، التي كانت آنذاك نقطة التقاء الحركة الطلابية ، كما ظهرت أيضا في القاهرة مع عبد الكريم الخطابي. عندما نستعرض هذه الفترة ـ يقول ولعلو- نجد أن سنوات التلاقي دامت فقط 11 سنة و سنوات القطيعة دامت أربعين سنة. التلاقي في الحقيقة كان قبل الاستقلال وكانت تونس سباقة لاحتضان هذا المشروع سنة 1956 لولا اختطاف الطائرة الذي حال دون ذلك، فجاء خطاب طنجة حاملا لمشروع الوحدة من خلال رسائل ثلاث: التضامن مع الثورة الجزائرية ، الالتزام بخلق مشروع مغاربي وثالثا الجواب على مشروع الوحدة الاوربية حتى يكون الاتحاد المغاربي قوة قادرة للتحدث مع الاوربيين آنذاك .
لكن الحلم لم يتحقق وتبعته محاولات عديدة منها اتفاقية وجدة ـ اتحاد العمل المغاربي ليبيا وايضا العمل المشترك بين المغرب والجزائر بعد استقلالها من 64 الى 70 وما تلا ذلك من اتفاقيات عديدة في هذا الباب إلى أن جاء لقاء القمة بمراكش1987 حيث تم الاعلان عن ميلاد اتحاد المغرب العربي الذي ولد ميتا.
ستون سنة من القطيعة كانت كلفتها كبيرة جداعلى دول المغرب العربي، من الناحية الاقتصادية والعاطفية (القطيعة بين العائلات) والكلفة الامنية وكلفة تدبير الهوية ، كلفة الهجرة ،العلاقة بين السياسة والأمن وكلفة تدبير البحر الابيض المتوسط الذي هو طريق مروري من قناة السويس الى المضيق والذي لم يبق له اشعاع،لأن العالم طيلة هذه الفترة تغير وبقي حلم المشروع المغاربي يراوح مكانه .
القطيعة أيضا أضاعت فرصا عديدة على المنطقة،حيث أننا لم نكن في الموعد-يقول ولعلو- أثناء المحطات الكبرى التي شهدتها المنطقة المتوسطية منها مؤتمر برشلونة وتأسيس المجموعة الاروبية ، ابتعدنا أيضا عن الاستراتيجيات الاقتصادية العالمية و لم يكن لنا رأي في الاحداث الجيو سياسية ، كنا غائبين كاتحاد مغاربي في الهزيمة العربية 1676 كنا ايضا غائبين في احداث نيويورك ولم نعط رأينا، و جاءت سنوات التطرف والاصولية ولم يكن لبلداننا جواب مشترك، جاءت الازمة الاقتصادية العالمية 2008 وكان لها تأثير علينا ولم يكن لنا جواب مشترك أيضا وجاء الربيع العربي وكان الغياب حتى أمام الوضع المأساوي الذي يعيشه العالم العربي اليوم .
مع التحولات التي عرفها العالم يبدو لنا وكأن القرن العشرين قرن بعيد ،كنا نقول ساعتها العولمة تتطلب الاقلمة ، كل الشعوب رأيناها تتوحد وتتأقلم، أي تتحد في مجموعات اقليمية ،فرضت وجودها إلا نحن ، تغير العالم إذن ولم نتقدم.
واليوم يجب تدارك مافات بأسرع ما يمكن وأن نلحق بالركب العالمي، يجب أن نأخذ بالاعتبار أن مواقع الاشعاع في القرن 21 اصبحت في المحيط الهادي ولم تعد في اروبا ، كل الدراسات تؤكد ان المواجهة ستكون بين قطبين، القطب الامريكي والصيني بعدما كانت ثنائية القطبين تجمع روسيا وأمريكا.الآن التضامن سيكون بين الصين والولايات المتحدة وعلى أوروبا ان تستوعب ذلك وأن تتوحد. انا اتحدث عن أروبا لأنها قريبة من دول البحر المتوسط و على دول العالم المتوسطي أن يوحدوا انفسهم . وهذا التحول يحيلنا على الثورة الرقمية،المجتمعات التي لن تتحكم في الثورة الرقمية مجتمعات أمية، ونحن في دولنا نستعملها كمستهلكين لا كمنتجين.
في رأيي يقول- الباحث الاقتصادي ووزير المالية السابق فتح الله ولعلو – إذا أردنا النهوض والتقدم لابد أن نشتغل على اجندات ثلاث :
الاجندة المغاربية و الاجندة الافريقية ،لأن المستقبل في افريقيا،ففي سنة 2100 سيكون 40 في المائة من سكان العالم افارقة و 44 في المائة اسيويون وبقية شعوب العالم ستشيخ. نشتغل ايضا على الاجندة المتوسطية ، فأغلب معاملاتنا مع اروبا ، مهاجرونا يمثلون اكبر نسبة باروبا ، نستعمل اللغة الأوربية ،اذن لكي نقوي موقعنا التفاوضي يجب ان نعتمد على الاجندة المتوسطية والأجندة الافريقية .
العامل الاساسي في نظري –يقول ولعلو- لبناء الاتحاد المغاربي هو الاقتصاد، لأن الاقتصاد يوحد ويصلح ما تفسده السياسة, استحضر دائما أنه سيحدث للمغرب والجزائر ما حدث لألمانيا وفرنسا ، اتفقتا بعد الحرب أن يصبحا اساس الوحدة الاروبية،لابد أيضا ان نستحضر نموذجين آخرين هما اليابان والصين ،بالرغم من الصراع السياسي بينهما إلا أنهما تغلبتا عليه بالتعامل الاقتصادي . الجيوسياسي يبعد ولكن الاقتصاد يوحد .
هناك ايضا مثال آخر ، منذ سنتين قررت اثيوبيا و اريتيريا أن يشتغلا ويتعاونا اقتصاديا بالرغم من الصراعات السياسية التي يعرفها البلدان، ونحن نلاحظ اليوم القفزة النوعية التي تشهدها اثيوبيا واريتيريا.
القوة التفاوضية في العالم مبنية على الجانب الاقتصادي، وهو الرهان الذي بواسطته تستطيع بلدان المغرب العربي الخروج من حالة الجمود والقطيعة والانطلاق نحو التقدم بتفعيل حلم الاتحاد المغاربي، في انتظار تحقيق ذلك ليس لدينا سوى ان نبقى متفائلين ونحن نناضل من اجل تحقيق هذا الحلم .فعندما يكون الانسان مناضلا يكون دائما متفائلا ، يختم فتح الله ولعلو .
أوراق المغرب الكبير الرابحة
عبد العالي بنشقرون (باحث اقتصادي وكاتب عام سابق لمنظمة العمل المغاربي) يرى أنه يصعب الجزم بأن الفاعل الاقتصادي له دور حاسم في إعادة الحياة للاتحاد المغاربي ، لأن البلوكاج السياسي هو أساس الوضع المغاربي المأزوم وأن طبيعة الانحباس المغاربي هي سياسية بالأساس ولها علاقة بملف الصحراء،لكنه مع ذلك يدعو لضرورة التفاؤل و العمل كاقتناع مبدئي في انتظار التفاهم السياسي لنزع فتيل التوتر، لأن المعيقات لا تمنع الاستمرار في مبادرات الفاعلين الاقتصاديين و المجتمع المدني المغاربي وتكثيف المبادرات المدنية في أفق التأثير على القرار السياسي.
الاستاذ بنشقرون رصد في مداخلته بعنوان «صعوبات إطلاق المغرب الكبير» كلفة الخسائر والمثبطات التي أعاقت وتعيق تحقيق الحلم المغاربي والمتمثلة في التوتر القائم بين الجارين المغرب والجزائر و المنافسات غير المجدية التي لا زالت على أشدها خاصة في المحافل و العلاقات الدولية، مما خلف تراكم الفرص الضائعة مثل تنظيم كأس العالم و الذهاب سويا لأفريقيا ،في الوقت الذي نجد أن التطورات الدولية في تسارع شديد ) Les nouvelles routes de la soie ) و الوضع في الشرق الأوسط و أمريكا ..الخ
القطيعة كانت لها كلفة كبيرة على المنطقة المغاربية جميعها، وتتمثل في ضياع 200000 منصب شغل سنويا وخسائرعظمى تتمثل في عدم تحقيق التكامل و إضعاف القوة التفاوضية الاقليمية و العالمية، التوترالمغاربي،استمرار ملف الصحراء، مخاطر حرب بيأخوية ،مخاطر دائمة بعدم الاستقرار.
في مقابل هذا الوضع المتوتر،قدم الاستاذ بنشقرون اوراق المغرب الكبير الرابحة في حال بعث الروح في المشروع المغاربي ، ومنها اقتصاد المقاس اعتبارا للعامل الديموغرافي ، تكامل الموارد الأولية والطاقة و الفوسفاط و المعادن و الكفاءات البشرية ،حركية الكفاءات، قوة التفاوض اقتصاديا و ديبلوماسيا من زاوية التحالفات و التوازنات الدولية، دورالمغرب الكبير كقاعدة خلفية للقضايا العربية و الفلسطينية ،كما انه سيلعب على هذه التوازنات للحفاظ على مصالحه و يطورها وسيساهم في اخراج ليبيا من الوضع الحالي، سيصبح التكثل المغاربي سيد توجهاته الاقتصادية و سياساته المالية، وسيكون له ثقل ووزن في التحالفات الدولية، سيستطيع تطوير طاقاته العلمية و اختيار جميع شركائه و سيخلق توازنا بجانب المجموعة الثلاثية comesa و CEDEAO التي تضم26 بلدا افريقيا انكلوفونيا والذين شقوا طريق التعاون في ظرف وجيز في القطاعات الاقتصادية و المالية و الجمركية و اللوجستيكية و الرقمية إلخ….
وفي حال تحقيق المشروع المغاربي ستصبح الدول المغاربية تتوفر على بنى تحتية و لوجيستيكية عابرة للمغرب الكبير، وتحقق التكامل و الامن الغذائي، تصنيع تكاملي، زراعة متكاملة ، بحث علمي متكامل و منسق، اقتصاد اجتماعي تضامني و تآزري، استثمار مغاربي منسق في افريقيا و تعاون صناعي و اقتصادي جنوب- جنوب مع تقديم نموذج تنموي مغاربي بديل، و امتلاك التكنولوجيا و الرقمنة و البحث العلمي وتنمية قطاع الصناعات الصحية وتعميم التعليم و الصناعات الاجتماعية، صناعة الدفاع المغاربي اعتبارا للاستراتيجية المغاربية و التحالفات المتجددة.مكافحة المخدرات، استراتيجية موحدة اتجاه الهجرة ،صياغة مبدعة للتحالفات الدولية .
الاندماج لا يتحقق إلا عبر المنطق المقاولاتي
نجيب كتاني (رئيس منظمة مغرب افريقيا للثقافة والتنمية ووزير دولة سابق بغينيا بيساو)قدم مداخلته على شكل فلاش باك تاريخي لدول المغرب العربي التي كان يوحدها اقتصاد القوافل التجارية متخطية كل الحدود الجغرافية والعراقيل السياسية، وهو مايستدعينا اليوم أيضا لاستعادة هذه العلاقات بين الدول المغاربية عن طريق التبادل الاقتصادي الذي يقوي ويوحد المصالح بين الدول.
الوزير السابق أوضح بإسهاب أن سر إنجاح الاتحاد المغاربي مبني اساسا على تحليل وتشريح الوضع السياسي مع الجزائر، والذي يعتبر السبب الرئيس في وأد بناء المغرب العربي الذي ولد ولادة قيصرية في مراكش منذ 30 سنة ولم يفعل، داعيا الجميع إلى الانخراط في إنجاح دعوة الملك محمد السادس في اعادة بناء الاتحاد المغاربي.
وهي الدعوة التي استجابت لها مداخلة الاستاذ حبيب حسن لولب من تونس،(استاذ التاريخ الحديث والمعاصر ورئيس مركز البحوث والدراسات حول الاتحاد المغاربي) بقوله
«كلنا مدعوون لتحقيق البناء المغاربي وتقديم الاقتراحات التي تدعو للوحدة» والتي لاتتحقق حسب رأيه إلا من خلال ثلاثة مراحل : الحلم ،الاستقرار وعودة الوعي.
في مداخلته بعنوان تنمية المناطق الحدودية مدخل للبناء المغاربي رجع لولب بالذاكرة لأسباب إجهاض الحلم المغاربي بعد وفاة الشاذلي بنجديد وظهور الاصولية والارهاب، حيث عرفت المنطقة الحدودية التهميش والتصفية وانعكس ذلك سلبا بإغلاق الحدود المغاربية و التي اصبحت معبرا للإرهاب والهجرة عبر قوارب الموت .
المنطقة المغاربية اليوم مطالبة بالتكثل للحد من شبح الارهاب وإحداث اقطاب صناعية واستثمارية ، وتشجيع الاستثمار الاجنبي وتحسين البنية التحتية للمناطق الحدودية .لابد ان تدخل الدول المغاربية لمشروع الصين وأن ترافع من اجل تيسير فتح الحدود المغربية الجزائرية والمصالحة بين البلدان المغاربية وشعوبها وتأسيس اقطاب صناعية كبرى.
ادريس العيساوي، (محلل سياسي واقتصادي) في معرض جوابه عن سؤال هل يستطيع المنطق الاقتصادي أن يفرج حالة الشلل التي تعيق البناء المغاربي ؟ يرى أن حلم الاندماج بين البلدان المغاربية لايمكن أن يتحقق إلا عبر المنطق المقاولاتي ، لأنه الحل الوحيد الذي يستطيع أن يخرجنا من حالة الشلل. ومربط الفرس في هذا الاندماج هو العلاقة بين المغرب والجزائر ، القلب النابض لهذه المنطقة.فالدول المغاربية الآن لا تشكل سوقا تجاريا في حد ذاته، لكنها منطقة فيها الحلم متاح وميثاق مراكش يحمل قيم ومبادئ هذا الحلم الذي لم يفعل .
العيساوي أشار في مداخلته الى أن كلفة عدم تحقيق حلم الاتحاد المغاربي لاتقدر بثمن،والمناطق المتضررة من عدم تفعيله هي المناطق الحدودية لأنها تعتمد على تجارة التهريب التي تستفيد منها العديد من الجهات ، مما يتطلب بالضرورة فتح الحدود بين الجارتين حتى تتم العمليات التجارية بشكل سليم وتنتعش مناطق الحدود ،فالمغرب والجزائر مرتبطان بشكل عضوي ولايمكن لأحد أن يغير حتمية الجغرافيا رغم تعنت التاريخ و الارادة السياسية الجزائرية التي تقف دوما بالمرصاد .
التكامل المغاربي ضرورة وجودية لا شعار مرحلة
30سنة مرت على ميلاد الاتحاد المغاربي و الحصيلة لاشئ . لاشيء تحقق على أرض الواقع غير ضياع فرص عديدة من أجل الارتقاء بالمنطقة المغاربية ، إن إعادة الحياة للاتحاد – يقول عبد العالي بوزوبع (أستاذ العلاقات الدولية في كلية الحقوق بفاس) رهين بتذويب الاحتقان بين المغرب والجزائر مادام هذا الفشل له علاقة مباشرة بإغلاق الحدود الجزائرية المغربية وقضية الصحراء.
بوزوبع ذهب فيما ذهب إليه باقي المتدخلين من أن إكراهات المغرب الكبير لا يمكن أن تتجاوز الا بالحل الاقتصادي وقضية الصحراء لم تعد تشكل عائقا امام تقدم المغرب العربي من الناحية الاقتصادية ،حيث تتكفل الامم المتحدة بالحل السياسي لقضية الصحراء .
زهير لعميم ( باحث في سلك الدكتوراه بمختبر الدراسات الدولية حول ادارة الأزمات ، كلية الحقوق مراكش) ركز في مداخلته على أن التكامل المغاربي لم يعد شعار مرحلة ،بل ضرورة وجودية ، تقع المسؤولية فيه على الجميع من أجل تحقيقه وأخذ زمام المبادرة، مستعرضا معيقات تحقيق هذا التكامل الاقتصادي والمتمثلة في جانب منها في التنافس عوض التكامل وغياب التنسيق، مشاكل الحدود و قضية الصحراء، ضعف البنية التحتية المشتركة كشروط مادية أساسية لتقوية العلاقات الاقتصادية الى غير ذلك من المعيقات العديدة والتي تتطلب ارادة حقيقة لتجاوزها,ويرى الباحث ان تفعيل مسارات التكامل الاقتصادي سيمكن من وقوف الدول المغاربية ككيان اقتصادي متلاحم أمام الأسواق الدولية الموحدة و سيعطيها قوة كبيرة في مجال المساومة و التفاوض،ويمدها بأفضل الوسائل البديلة في التنمية فليس كل محور للتنمية محورا للتكامل و لكن كل محور للتكامل هو محور للتنمية.كما سيمكن من خلق شركات اقتصادية و مجمعات صناعية مغاربية في اطار تكاملي و ليس تنافسي بهدف خلق سوق مغاربية مشتركة وتوفير جو الديمقراطية و فتح المجال لعمل مؤسسات الوساطة المدنية و السياسية و الاقتصادية و تجاوز الطابع الرسمي البيروقراطي و العمل على تطوير شبكات البنية التحتية المشتركة .
الندوة عرفت مناقشة 16 عرضا على مدى اليومين، كلها جادة ،لم يسعف حيز الصفحة للتطرق اليها جميعها في هذه التغطية, سأكتفي بالاشارة اليها إلى أن أعود لها بالتفصيل في عدد قادم. منها العرض القيم للأستاذة فاطمة عاريب استاذة اقتصاد التنمية المستدامة بكلية الحقوق مراكش حول الدور الذي سيلعبه الاقتصاد الاخضر في تنمية المنطقة المغاربية، وعرض الدكتور مصطفى الراجعي استاذ محاضر في علم اجتماع التنمية بالجزائر، حول دور طرق الصوفية في تعزيز التعاون الاقتصادي المغاربي سنعود لها بالتفصيل وأيضا عرض للاستاذ عبد الحفيظ الكرماعي، مهندس دولة ورئيس جمعية جنوب جنوب، تعرض فيه لموضوع العلاقات الاقتصادية المغربية والأمن الغذائي وعرض قيم للاستاذ ابو بكر سلامة من ليبيا، خبير وباحث في شؤون التكامل الاقتصادي والعمل العربي المشترك حول موضوع الازمة الاقتصادية في ليبيا وانعكاساتها على الدول المغاربية- والدكتور البشير المتاقي ،أستاذ بكلية الحقوق في مراكش ورئيس المركز المغربي للابحاث الاستراتيجية والسياسات حول موضوع «الاتحاد المغاربي مداخل التعاون وافاق التكامل «وعادل بوحاجة ،رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب لجهة مراكش اسفي، حول «اهمية الفاعل الاقتصادي في البناء المغاربي»وهي العروض التي سنعود اليها في عدد لاحق والتي لم يسعنا الحيز لنشرها في هذه التغطية لكثرتها.
تكريم ذ. عبد العالي بنشقرونتكريم ذ. عبد العالي بنشقرون
شهدت الجلسة الافتتاحية للندوة ،لحظة وفاء خاصة ،تم فيها تكريم قامة علمية ونضالية متميزة، الاستاذ عبد العالي بنشقرون الكاتب العام السابق للمنظمة والباحث الاقتصادي والفاعل الجمعوي، والفنان التشكيلي والمعتقل السياسي السابق ليسار السبعينيات والثمانينيات بالمغرب، ناضل في سنوات الرصاص من أجل الديمقراطية والحرية ومن أجل تنمية مجتمعية تضع الإنسان المغربي في قلب التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.قدمته في لحظة اعتراف سعيدة الوادي عضو الجمعية ،التي حاولت اختزال مسيرة حافلة من العطاء الاكاديمي والنضالي التي تميز فيها المحتفى به بانتصاره للإنسان ولقيم العدالة والحرية والكرامة اشتغل بنشقرون في مجال الدراسات الاقتصادية والقطاعية وفي مواضيع التشغيل و الطفولة والتنمية، وتحمّل مسؤولية الشراكة والتعاون، إبّان حكومة التناوب ثم رئاسة الديوان في وزارة التربية الوطنية، له اجتهادات في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وفي التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمغرب.
توصيات الندوة
أسفرت أشغال هذا اللقاء العلمي على مجموعة من التوصياتـ :
التّنويه بالدعوة الملكية إلى إرساء آلية للتشاور والحوار بين المغرب والجزائر وبأهميتها في تعزيز البناء المغاربي، كما تمت المطالبة بفتح الحدود بين الدول المغاربية والتأكيد على ضرورة تنظيم قوافل تساهم في نشر الوعي المجتمعي بأهمية الاندماج المغاربي داخل بلدان المنطقة، والحرص على استحضار أخلاقيات الجوار في التعامل بين دول المنطقة، ثم تقوية المجتمع المدني المغاربي كقوة ضاغطة كفيلة بالتأثير في القرار الرسمي، مع التأكيد على أهمية الأدوار الوحدوية التي لعبتها الزوايا في المنطقة. كما تمت الدعوة إلى الاهتمام بالشباب والنساء كقنطرة وصل بين باقي مكونات المجتمعات المغاربية، والاهتمام بالعامل الثقافي كآلية وحدوية داخل المنطقة.
كما حثّ المشاركون دول المنطقة على التنسيق في المجال الجمركي بوضع برنامج لتخفيض الرسوم تدريجيا قبل إزاحتها نهائيا، وإعادة النظر في إعادة التخصص على المستوى المغاربي بشكل يراعي الميزات التنافسية لكل بلد وإيجاد استراتيجية مشتركة لتنمية الصادرات والعمل على الاستفادة من التجارب القطرية في هذا المجال.
ونبهوا إلى ضرورة التعاون في مجالات متعددة كالزراعة والصيد البحري والمياه والغابات والمحافظة على البيئة والحد من آثار الجفاف. كما تمت الدعوة تيسير عمل المقاولات والفاعل الاقتصادي بشكل عام.. مع التأكيد على أهمية التعاون والتنسيق الاقتصاديين بين البلدان المغاربية كسبيل لتعزيز العلاقات السياسية وتجاوز الخلافات القائمة وتحقيق مصالح ورهانات مشتركة.
والى ضرورة بلورة موقف مغاربي موحد من الأزمة الليبية