يلتئم بمدينة مراكش، التي تجسد التنوع الإنساني والثقافي والحضاري، وطالما كانت ملتقى لطرق الهجرة، ما لا يقل عن 150 بلدا عضوا في الأمم المتحدة، ناهيك عن حضور أزيد من عشرين رئيس دولة وحكومة للمشاركة في أشغال المؤتمر الدولي الحكومي حول الهجرة الذي سيشهد المصادقة الرسمية والتاريخية على ميثاق عالمي حول الهجرات الآمنة المنظمة والمنتظمة.
ويعتبر المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة بمراكش نقطة انطلاق لتنفيذ أول اتفاق عالمي بشأن مقاربة مشتركة للهجرة الدولية يشكل خطة عمل شاملة تروم التكيف مع الخصوصيات الوطنية لرفع تحديات واستثمار فرص التنقل البشري، كما يعد تكريسا لقناعة مفادها أنه لا يمكن لأي بلد أن يواجه الهجرة بشكل منفرد، إذ أن المصادقة عليه ستشكل فرصة حاسمة لإحداث نقلة في الحكامة العالمية للهجرات، وتعزيز ركائز العمل متعدد الأطراف، المتمثلة في احترام سيادة الدول وتعزيز التعاون.
وسيشكل اعتماد الميثاق العالمي حول الهجرات الآمنة المنظمة والمنتظمة، بالرغم من انسحاب بعض الدول، الذي من المتوقع أن تصوت عليه المنظمة الأممية بشكل نهائي في ال19 من شهر دجنبر المقبل في نيويورك، فرصة سانحة لتعزيز الحكامة العالمية بشأن الهجرة، وترسيخ المسؤولية المشتركة كمبدأ أساسي وتعزيز مرتكزات تعددية الأطراف والمتمثلة في احترام سيادة الدول وتعزيز التعاون.
وفي هذا الصدد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بقرار جلالة الملك محمد السادس استضافة المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة بمراكش (من 10 إلى 11 دجنبر) الذي دعت إليه الأمم المتحدة لاعتماد الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة رسميا، مؤكدا أن اعتماد الميثاق العالمي في مراكش سيكون «لبنة تاريخية للتعاون الدولي»، حيث يمثل الميثاق «فرصة فريدة لتحسين هذا التعاون في مجال الهجرة ولتعزيز مساهمة المهاجرين والهجرة في التنمية المستدامة».
الأمر ذاته، الذي سبق لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة أن أكده خلال لقاء رفيع المستوى تحت عنوان «الطريق نحو مراكش»، والذي شارك المغرب في تنظيمه على هامش الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت أشغالها بنيويورك في شتنبر الماضي، مشيرا إلى أن هذا الميثاق يشكل مكسبا ثمينا يتعين «الحفاظ عليه بحكمتنا الجماعية ومن خلال منظور واقعي لا يقف عند المدى القصير بل يمتد للمستقبل» وأن المصادقة عليه ستشكل فرصة سانحة من أجل تغيير الحكامة الدولية للهجرات، وجعل المسؤولية المشتركة مبدأ أساسيا، وتعزيز ركائز التعددية، انطلاقا من احترام سيادة الدول وتعزيز التعاون.
وحري بالذكر أن هذا الميثاق، الذي يقوم على قيم من قبيل سيادة الدول، وتقاسم المسؤوليات، وعدم التمييز وحقوق الإنسان، يقر بضرورة اعتماد مقاربة تعاونية لتمكين استفادة مثلى من مميزات الهجرة، مع الأخذ بعين الاعتبار مجموع المخاطر والتحديات بالنسبة للأفراد ومجتمعات البلدان السائرة في طريق النمو، سواء أكانت منشأ للهجرة أو بلدا للعبور أو الوجهة النهائية.
فالميثاق يعد تكريسا لقناعة مفادها أنه لا يمكن لأي بلد أن يواجه الهجرة بشكل منفرد، إذ أن المصادقة عليه ستشكل فرصة حاسمة لإحداث نقلة في الحكامة العالمية للهجرات، وتعزيز ركائز العمل متعدد الأطراف، المتمثلة في احترام سيادة الدول وتعزيز التعاون.
ومن شأن هذا الالتزام العالمي، الذي يستند إلى 23 هدفا من أجل تدبير أفضل للهجرة على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية، أن يمكن من تقليص المخاطر التي يواجهها المهاجرون على عدة مستويات، والاستجابة للانشغالات المشروعة للدول، فضلا عن توفير الشروط الملائمة التي تمكن كافة المهاجرين من إغناء مجتمعاتنا بفضل طاقاتهم الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، وتسهيل مساهماتهم في التنمية المستدامة.
وانخراطا في سياق دعم تبني الميثاق العالمي حول الهجرة، ترأس المغرب، بشكل مشترك مع ألمانيا، الدورة الحادية عشرة للمنتدى العالمي حول الهجرة التي احتضنتها مدينة مراكش ما بين يومي 5 و7 دجنبر، وعرفت هذه الدورة مشاركة فعاليات من المجتمع المدني والحكومات والنقابات والقطاع الخاص والأحزاب السياسية، بغية التبادل بشأن تدفقات الهجرة والتحضير للرهانات التي ستتم مناقشتها خلال اعتماد الميثاق العالمي.
وقد دافع المشاركون في المنتدى العالمي حول الهجرة و التنمية، الذي سجل مشاركة قياسية، بحضور 45 وزيرا ونائب وزير، وأزيد من 2000 مندوب، وثلاثين فاعلا في المجتمع المدني وأزيد من 100 ممثل للقطاع الخاص ينتمون إلى 135 دولة، بالإضافة إلى أربعين منظمة دولية، عن هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة مؤكدين على ضرورة إعمال المرجعية الحقوقية في معالجة القضايا المتعلقة بالهجرة، وشددوا على أن الهجرة جزء من التجربة الإنسانية عبر التاريخ، وأنها مصدر للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة في عالم يتسم بالعولمة، ويمكن تعزيز تلك الآثار الإيجابية من خلال تحسين إدارة الهجرة، داعين إلى وضع نهج شامل لتعزيز الاستفادة من مزاياها، مع معالجة المخاطر والتحديات للأفراد والمجتمعات في دول المنشأ والعبور والمقصد.
وأكد المشاركون على المسؤولية المشتركة للدول تجاه بعضها البعض لمعالجة الاحتياجات والمخاوف المتعلقة بالهجرة، في ظل الوفاء والالتزام باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وكفالتها لجميع المهاجرين بغض النظر عن وضعهم القانوني، مع تعزيز أمن كل المجتمعات وازدهارها.
واعتبروا أن إغلاق الحدود لا يمكن أن يكون حلا لقضية الهجرة، وإنما يحتاج ذلك إلى تضامن عالمي، لجعلها مقننة ومنتظمة، يحظى فيها المهاجر بكامل حقوقه على قدم المساواة مع غيره دون تمييز، موضحين أن التمادي في إغلاق الحدود لم يفد أبدا في الحد من التدفقات البشرية، وإنما ضاعف الأنشطة غير المشروعة التي تمثل استعبادا للبشر من قبيل أنشطة تهريب البشر والاتجار بهم.
وخلص المشاركون إلى أن الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة تفيد الجميع، عندما تتم بشكل مستنير ومخطط له وبرضا الأطراف المعنية، مشددين على ضرورة التحرك الجماعي لكل الدول من أجل الحد من الدوافع والعوامل التي تقوض قدرة الناس على بناء سبل كسب عيش دائمة في أوطانهم، مما يضطرهم إلى البحث عن مستقبل أفضل في مكان آخر.
وكان الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، عبد الكريم بنعتيق، قد أكد، خلال افتتاح أشغال الدورة ال11 للمنتدى العالمي للهجرة والتنمية المنظم على مدى ثلاثة أيام حول موضوع « الوفاء بالالتزامات الدولية لتحرير طاقات كل المهاجرين من أجل التنمية»، أن هذا المنتدى يعد فرصة مواتية لخلق تعاون جيد بين الدول، انطلاقا من وجود قناعة راسخة بكون تدبير هذا الموضوع لا يعني بلدا لوحده ولا منطقة لوحدها أو قارة بعينها، بل هو شأن كوني يستدعي مقاربة تشاركية بين كل الدول.
وأوضح الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة أن هذه الأخيرة أصبحت إحدى أهم تعقيدات القرن ال 21، مضيفا أن هناك 258 مليون مهاجر يعيشون خارج أوطانهم، ويمثلون 3 في المئة من ساكنة العالم ويساهمون في تنشيط الاقتصاد العالمي ( 9 في المئة من الناتج الداخلي الخام بالعالم) مشيرا إلى أن المغرب، بفضل الرؤية الملكية النيرة، أصبح مقتنعا بضرورة الانتقال من التدبير الوطني لملف الهجرة، إلى التدبير القاري.
وأوضح أن الرؤية الملكية التي قدمت بالقمة ال 30 للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا كانت رؤية استباقية، إذ اعتبرت أن تدبير إفريقيا للهجرة يجب أن يكون وفق منظور توافقي مبني على مرتكزات تتمثل، على الخصوص، في اعتبار هذه الظاهرة رافعة للتنمية، وأنها لن تحد إلا بتعاون جنوب- جنوب، وإفريقي -إفريقي.
وكانت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الهجرة الدولية لويز أربور، قد أكدت في تصريح لها خلال أشغال المنتدى، أن الحكومات بحاجة إلى ترسيخ نهجها في الواقع، لأن المبالغة في تصور أن المهاجرين يشكلون عبئا أو تهديدا، هو عكس الواقع تماما، وليس من المنطقي وجود سياسات لا ترتبط بالواقع، فهناك العديد والعديد من دول العالم اليوم التي ستحتاج إلى استيراد جزء من قوتها العاملة، حيث تشير التركيبة السكانية إلى أن تلك البلدان، إذا ما أرادت الحفاظ على معاييرها الاقتصادية الحالية أو حتى نمو اقتصاداتها، يتعين عليها استقبال عمال أجانب مدربين بشكل جيد لتلبية متطلبات سوق العمل في بلدانهم. لذا، فإن تعزيز ثقافة الاستبعاد في مثل هذه الحالة يؤدي إلى نتائج عكسية تماما.
وأوضحت لويرزا أربور أن اتفاق مراكش يستدعي معايير العمل اللائق، وممارسات التوظيف العادل للعمال الأجانب، ويتعامل مع جميع الجوانب، مضيفة أنه سيتمتع بالتأثير الذي ستمنحه له الدول الأعضاء، فهو وثيقة غير ملزمة قانونيا، ولكنه في الأساس مشروع عظيم للتعاون الدولي في المستقبل، إذا ما تم في الواقع تنفيذ جميع أهدافه ومبادراته على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي.