لقد كانت رحلتنا إلى المحروسة في إطار ثقافي، لعرض مسرحية «الحكرة» ، ضمن الأعمال المسرحية التي دعمتها الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، وهو الدعم الاستراتيجي الذي أتاح لنا في فرقة المشهد المسرحي -ولباقي الفرق المدعمة التي دافع الوزير عبد الكريم بنعتيق على توسيع دائرتها من أجل إيصال الثقافة والفكر إلى جاليتنا في دول المهجر- أن ننفتح على كافة شركائنا في الاتحاد المسرحي العربي الذي يوجد مقره بالقاهرة، كما أتاحت لنا مساندة وزارة الثقافة والاتصال لبرنامجنا الذي عملنا على تكثيفه في القاهرة، أن نؤسس لعلاقات مدنية بيننا وبين نساء مبدعات وناشطات في العمل الجمعوي لمد الجسر الثقافي بيننا وبين مصر الشقيقة.
لقد كانت رحلتنا إلى المحروسة في إطار ثقافي، لعرض مسرحية «الحكرة» ، ضمن الأعمال المسرحية التي دعمتها الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، وهو الدعم الاستراتيجي الذي أتاح لنا في فرقة المشهد المسرحي -ولباقي الفرق المدعمة التي دافع الوزير عبد الكريم بنعتيق على توسيع دائرتها من أجل إيصال الثقافة والفكر إلى جاليتنا في دول المهجر- أن ننفتح على كافة شركائنا في الاتحاد المسرحي العربي الذي يوجد مقره بالقاهرة، كما أتاحت لنا مساندة وزارة الثقافة والاتصال لبرنامجنا الذي عملنا على تكثيفه في القاهرة، أن نؤسس لعلاقات مدنية بيننا وبين نساء مبدعات وناشطات في العمل الجمعوي لمد الجسر الثقافي بيننا وبين مصر الشقيقة.
وكان من بين ما أحرزناه في زيارتنا العملية للمحروسة أن وقعنا، « ميثاق تآخى وبروتوكول تعاون مع «الاتحاد المغربى للفنانين المسرحيين»، بتنسيق مع الفنان سعد المغربي، و مع المسرحى القدير الدكتور عمرو دوارة مؤسس «الجمعية المصرية لهواة المسرح»، والفنان عصام عبد الله (رئيس مجلس إدارة الجمعية)، وذلك بمسرح ميامى.
وهو البرتكول الذي وقع بيد كل من المخرج المغربى محمد الزيات، والمخرج الليبى سعد المغربى، وذلك بحضور رجال السلك الدبلوماسي والفنانين من دول المغرب العربى، الجزائر، تونس، ليبيا ونخبة من الفنانين والإعلاميين المصريين. كما هو الاتفاق الذي يأتي انطلاقا من الأهداف المشتركة لتنمية وتطوير وتفعيل الأنشطة المسرحية والاستفادة، وتحقيق التعاون والتشارك الإبداعي والفني والثقافي.
وتشمل هذه الاتفاقية ثمانية بنود،منطلقة من عامل الارتقاء بمستوى الوعى الفني، والمشاركة فى تنمية المجتمع بكافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وذلك عن طريق صقل وتنمية وتوظيف كافة الخبرات الفنية والمسرحية، والحرص على الاستفادة من كل التجارب المسرحية الحديثة لاكتساب متلقي جديد، والعمل على تنمية ونشر الثقافة المسرحية فى الدول الأعضاء، وتوطيد الشراكات الاستراتيجية مع المؤسسات المحلية والدولية التى تساعده على تحقيق أهدافه.
كما تنص بنود الاتفاقية على ضرورة عمل جميع الأطراف على ترويج الثقافة المسرحية ونشر ودعم قيم الإبداع بين كافة فئات المجتمع وتنظيم وتبادل الأوراش التكوينية، والدورات التدريبية، والندوات التنظيرية والتطبيقية، وكذلك تنظيم المهرجانات فى مجالات المسرح المختلفة كل وفقا لإمكاناته، كما تنص على استمرار مجلس إدارة «الاتحاد المغربي للفنانين المسرحيين» فى متابعة ورعاية ودعم المهرجانات المسرحية بالدول المغاربية، وأيضا الفرق المسرحية المعنية، ومن بينها فرقة «المشهد المسرحي” بالقنيطرة بالمملكة المغربية، على أن تقوم كل إدارة بترشيح أفضل العروض المسرحية للمشاركة فى مهرجان الطرف الآخر، ويكون له أولوية المشاركة لتمثيل دولته طالما انطبقت عليه شروط المشاركة وأهمها الجودة الفنية، وكذلك تبادل الاقتراحات بشأن ترشيح أسماء بعض الفنانين للتكريم أو للمشاركة بعضوية لجان التحكيم أو بالندوات.، وذلك مع تعهد الطرفين بإيجاد آليات عملية تدعم وتحقق الرؤى والأهداف المذكورة أعلاه بما لا يتعارض مع برامج وتطلعات أي من الطرفين، من منطلق مبدأ احترام وتطبيق حقوق الملكية الفكرية المعمول بها فى كل من «جمهورية مصر العربية» ودول «المغرب العربى”، وفى تطبيق قانون المطبوعات والنشر والرقابة على المصنفات الفنية.
وهو البرتكول الإخاء والتعاون، الذي دشنا مساره منذ 2012، عندما عرضنا مسرحية «أحفاد عمر» التي أخرجها للمسرح محمد الزيات وقدمتها فرقة المشهد المسرحي في إحدى دورات المهرجان المسرحي العربي، الذي لعب فيه الدكتور عمرو دوارة باسم الاتحاد المسرحي العربي، دورا نضاليا كبيرا في استمراره، رغم كل التحديات، وإذ نذكر دور هذا الرجل، فإننا لا نستثني كل الأسماء الفكرية والثقافية التي ساندت الفكرة ومن بينها أسماء من المغرب، تلك التي تحملت مشقة السفر، ودفعت من مالها الخاص التذاكر، كي تكون بالموعد في المهرجان المسرحي المذكور، إما مشاركة في ندوة أو تحكيم أو متابعة إعلامية، أو تحمل مصاريف فرقة مسرحية، كما نسجل في هذا الصدد أن فرقة المشهد المسرحي رغم إمكانياتها البسيطة كانت حريصة في ذلك الزمن الخريفي الذي كان، على النضال من أجل الحضور وعرض «أحفاد عمر « على ركح مسرح الهناجر بدار الأوبرا. وهو المسرح الذي، كنا ونحن في القاهرة حريصين على شرب قهوة المساء بفضائه، واللقاء بنخبة من الفنانين والمتقفين الذين يحجون إلى هذا المكان الثقافي الجميل.
ومن حسن حظنا كذلك أن الفترة التي كنا متواجدين بها في القاهرة شهدت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي أطفأ شمعته الأربعين.وهو المهرجان الذى أسسه الكاتب الكبير كمال الملاح ، وحضر دورته الأولى فنانون غادروا إلى دار البقاء أمثال عبد الحليم حافظ، ووردة ، وآخرين مازالوا على قيد الحياة كنجوى فؤاد، حيث يذكر المصريون أن الراحلين عبد حليم ووردة تبرعا للمهرجان بأجر حفل خاص لهما، وتمكنت نجوى فؤاد من إقناع مجموعة من الفنادق لاستضافة فعاليات الدورة الأولى، وبعدها تمكن الكاتب الكبير سعد الدين وهبة من إدراج المهرجان وإلحاقه بصفته الدولية، وكان بين رؤسائه حسين فهمي وماجدة واصف مرورا بالفنان عزت أبو عوف والكاتب شريف الشوباشى وغيرهم… أمهرجان القاهرة السينمائي الدولي فعالياته بعد حرب أكتوبر بثلاث سنوات، وبالتحديد في 16 أغسطس 1976 على أيدي الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة كمال الملاخ، الذي نجح في إدارة هذا المهرجان لمدة سبع سنوات حتى عام 1983، ثم شكلت لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ضمت أعضاء الجمعية واتحاد نقابات الفنانين للإشراف على المهرجان عام 1985، الذي تولى مسؤوليته الأديب والعملاق.
غادرنا القاهرة مباشرة
من حي الحسين
ونحن على بعد يوم من مغادرة المحروسة التي قضينا فيها ستة أيام ، أنجزنا فيها الكثير من الأعمال على مستوى العروض الثقافية والتنسيق المدني لعمل ثقافي مستقبلي مشترك،اقترحت على صديقتي الدكتورة فائزة مصاحبتنا إلى مقهى الفيشاوي، في حي الحسين بالقاهرة.
كان طلبي منطلقا مما يشكله لي هذا المكان من رمزية أدبية وفكرية، وهو المكان الذي كان يجلس فيه الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ ومعه أصدقاءه الذين أطلق عليهم اسم «الحرافيش»، وهم الفنان أحمد مظهر والسينمائي توفيق صالح وعادل كامل والأديب عادل العفيفي،وبهجة عصمان، وصبري شبانة، والإذاعي أديب الازهري،وأعضاء غير دائمين كما يسميهم نجيب محفوظ، ومنهم صباح جاهين ولويس عوض وثروت أباظة.
وقد قال نجيب محفوظ في أحد تصريحاته عن مقهى الفيشاوي : « في رحلتنا للحسين كنا نجلس إما في زقاق المدق أو الفيشاوي وعندما عرفت مقهى الفيشاوي أحببتها جدا».
لا أخفيكم قرائي أنه كلما ذهبت إلى هذا المكان يشدني الحنين إلى كل تلك النصوص التي قرأت للأديب الكبير نجيب محفوظ، وهي النصوص التي جعلتني أختار البحث في الرواية، بجامعة محمد الخامس بالرباط، وتشرفت في تحقيق حلمي بالتتلمذ على يد كبار رواد الفكر والنقد والكتابة الروائية ، وهم أحمد يابوري ومحمد برادة وسعيد يقطين،كما هو المكان الذي أحن إليه ، لأن كتابات نجيب محفوظ التي كنت ألتهم أوراقها وأنا طالبة خلقت مني كاتبة تخوض حد الهوس رحلة في درب هذا الجنس الأدبي، عازمة على أن أبني به عالما بمجتمعه واقتصاده وفكره وثقافته، بالتحولات التي أريد.
في الذهاب إلى الحسين، صاحبت الدكتورة فايزة معها الفنان الكبير خالد عبد السلام . كان الرجل جد مهتم بالوفد المغربي، وبالمغرب، وتشده رغبة وأمل في تقديم دروس الإلقاء للطلبة بالمعهد المسرحي المتواجد بالرباط، والحقيقة أن الرجل في محلها، باعتبار الفنان الكبير خالد عبد السلام يتوفر على تجربة كبيرة في المجال.
كانت رغبة خالد عبد السلام تهمني في نقلها للقائمين على تدبير تفاصيلها، وهي الرغبة التي تذكرني بتجربة الفنان العراقي الكبير بدري حسون بالمغرب ، والذي أعطى الكثير في فنون المسرح، إلى آخر يوم في حياته وقد تجاوز عقده السابع ، لاتجده في طريق إلا متأبطا حزمة من الورق سطر عليها دروسا جديدة لطلبته في المسرح وآليات اشتغاله في الكتابة وعلى الركح.
ويهمني في هذا الجانب أن أستحضر أن المغرب احتضن بدري حسون لعوامل تتعلق به كفنان آت من دولة العراق التي كانت تعرف ومازالت نزاعا وتوترا كبيرا أوصل البلاد إلى حد سفك دماء المثقفين ومعهم عامة الناس، كما يهمني أن صلاح القصب كان راغبا في مصاحبة بدري حسون إلى المغرب، وعبر عن ذلك برسالة رسمية ، حملتها حين ذاك شخصيا من دولة العراق في اللحظات العصيبة إلى مكتب وزير الثقافة، لكن صلاح القصب لم يكن له حظ بدري حسون، وظل الرجل ينتظر ، لكن الانتظار لم يكن متبوعا بجواب سلبي أو إيجابي، رغم أن صلاح القصب كان يعتبر من المفكرين الكبار في بلده العراق الذي أسقطته أساليب البحث عن الديمقراطية بلغة السلاح والدم .
كان خالد تلك الليلة يحكي تجربته، ويشخصها احتفاء بالوفد المغربي ، كما فضل أن يظل صحبتنا إلى وقت متأخر من الليل الذي يعتبر نهار القاهرة التي لا تنام.
بدا خالد منزعجا لكثرة تردد الباعة على طاولتنا المحاذية للمكان الذي كان يجلس فيه الأديب الكبير نجيب محفوظ ، لكني انتبهت إلى انزعاجه، لأعلق على ذلك ، بأن الأمر فيه مشترك بيننا، ودعوت الرجل إلى زيارة جامع الفناء بمراكش لتسجيل نفس المشهد .
اختارت الصديقة فايزة تلك الليلة أن تسمعنا طربا ، منادية على واحد من الفنانين المترددين بكثرة على مقهى الفيشاوي كي يسمعنا ما يحفظه من ريبرتوار أم كلثوم وعبد الحليم ووردة الجزائرية، غنت معه فايزة ورددنا نحن أيضا معها المقاطع التي نحفظها طبعا، في الوقت الذي اختار فيه خالد والزيات وغزالة وبوجمعة كيار، أعضاء فرقة المشهد المسرحي ،التسلل إلى الأسواق المجاورة بحثا عن هدايا لأسرهم.
غادرنا القاهرة في الليلة التي حكيت تفاصيلها قبلا في هذه الحلقات التي عنونتها ب «كنت في بلاد السعادة» ، لكن ظلت أشغال كثيرة معلقة في أجندتي كما في ذاكرتي ، تلك التي كنت أود القيام بها، لكن زمن الرحلة لم يتسع، وفضلت تأجيلها إلى رحلة قادمة، معتذرة لكل هؤلاء الذين لم أستطع أن ألبي دعواتهم في المشهدين السياسي والثقافي، وفي مقدمتهم الأحزاب السياسية التي تلقيت دعوات من الأصدقاء بها من أجل أن أغتنم فرصة تواجدي بالقاهرة من أجل مزيد من التنسيق بيننا.
ولأن الزمن الثقافي الذي كنت من أجله بقاهرة المعتز، آخذ مني الكثير، فإن عودتي إلى القاهرة في القادم من الأيام سأعمل فيها إنشاء الله على استدراك ما فاتني برحلتي التي سجلت فيها أني» كنت في بلاد السعادة» ، انسجاما وإعجابا مع عنوان ما كتبه الصديق وليد يوسف في عمله المسرحي الكبير»حدث في بلاد السعادة» الذي تألف فيه فنانون من العالم العربي ومن بينهم الفنانة المغاربية الكبيرة خدوجة صبري، كما أن بلاد السعادة التي أقصد، تعني لي الكثير بالمفهوم الإيحائي، لكن عمقها يذهب إلى ما قاله الفرابي، أن بلاد السعادة هي البلاد المحبة للمعرفة وطالبة للعلم، وتلك هي مصر التي نريد.