من غير المقبول أن يواصل المتعلم المغربي دراسته في أقفاص الدجاج: يجب تغيير هندسة القسم الدراسي

لما انشغل مسؤولو قطاع التربية و التكوين بتدبير الأزمة التي تعرفها المنظومة التربوية ، سواء من جانب مراجعة البرامج و المقررات الدراسية و العمل على تجديدها أومن ناحية إصلاح وتطوير الإدارة التربوية و توسيع بنيات الاستقبال وإحداث مؤسسات تعليمية جديدة ، أو من جانب تأهيل العرض التربوي و تقوية الجانب الاجتماعي لفك العزلة عن الدواوير والمساكن البعيدة عن المدرسة، و انكب الخبراء و المهتمون والفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون والإعلاميون على إيجاد الإستراتيجية الكفيلة لعلاج الإختلالات الحاصلة وتحقيق تنمية مستدامة لهذا القطاع الذي ظل يعاني الارتباك والتراجع لعقود طويلة، بقي الفصل الدراسي معزولا عن أجندة هذه الاهتمامات و الإصلاحات، وكأنه غير معني بالتقلبات والتحولات التي تعرفها الألفية الثالثة في مجال النهوض بمؤسسات التربية والتعليم . مع العلم أنه – أي الفصل الدراسي- أضحى في المعادلة العلمية و التربوية و النفسية والواقعية جزء لا يتجزأ من نجاح العملية التدريسية أو فشلها، وأحد الضرورات التاريخية التي أفرزتها ثورة العلم والمعرفة وحقوق الطفل ،حيث لا يبقى فيه مجال للشك أن العملية التعليمية تستلزم الفصل الدراسي خلال فصل الشتاء و أيام البرد القارس.
وحتى يتبوأ الفصل الدراسي مكانته التعليمية اللائقة ، وحتى يصبح آلية تربوية فعالة ومتميزة ، كضمانة للاستقرار النفسي و الوجداني للمتعلم من جهة ، و ركيزة أساسية للوصول بالعملية التدريسية إلى برالأمان ، بات من الضروري أن يحاط هذا الاخير بالاهتمام الخاص ، سواء من طرف الدوائر الداخلية او الخارجية المسؤولة عن القطاع ، أو من طرف المحسنين والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين و الفاعلين الإعلاميين ، فضلا عن المساهمات الفكرية و الاقتراحية للمهتمين بالشأن التربوي بكيفية خاصة . لذلك وجب احترام الشروط والخصائص التي يستمد منها قوته وحضوره.
من بين الخصائص الهامة التي ينبغي أن يتميز بها الفصل الدراسي هناك:
-أن يبتعد الفصل الدراسي اليوم- ولو على مستوى الشكل- عن صورة الماضي، حيث كان لا يتعدى ( مكتب المدرس و السبورة، و طاولات التلاميذ، كعناصر نهائية ) لأن مكانته اليوم صارت واضحة في الحياة المدرسية للأجيال الصاعدة. ولذلك صار الصف الدراسي يرتبط بإلحاحية: بالصباغة الملونة و التهوية الكافية والستائر والصويرات التربوية الهادفة أو بمناظر طبيعية من اختيار المتعلمين.
-أن تخضع هندسته وتصميمه للمعاييرالدولية ، باعتبار المدرسة العمومية جزء من المنظومة التربوية الكونية، لأنه من غير المقبول أن يواصل المتعلم المغربي دراسته في أقفاص الدجاج أو داخل صناديق من الو قيد كما وصف من قبل.
-أن تلائم هندسته طريقة العمل بالمجموعات، التي تحفزالتلاميذ على العطاء والمنافسة من جهة وتكسبهم الكفاية اللغوية والثقافية والقيم الإنسانية و المدنية المثلى.
-أن تتلألأ زواياه بانتاجات المتعلمين وإبداعاتهم الذاتية الأدبية منها أو العلمية. وهذا النشاط ألمبادراتي، يعد نقطة مفصلية مع ماضي الخطاب التربوي العقيم ودعاته الكلاسيكيين.
– أن تطفح رحابه بلجن و مجموعات، تدبر شؤونه التجهيزية و التنظيمية و التوثيقية و العلاجية لكل عطب أو تعثر أو نزاع …الخ
لأن التجارب والدراسات في هذا المضمار، أثبتت أن توريط المتعلم في ورش أو نشاط ما، هي الطريقة الفعالة لتمرينه على تحمل المسؤولية والاستئناس تدريجيا بالانخراط في اقتراح الحلول و إيجاد المخارج.
-أن يحتوي على مكتبة صغيرة (من إعداد التلاميذ ومشاركاتهم و مساهماتهم) ومجلة حائطية تتغير و الوقائع المستجدة ، اوتتغيرحسب طبيعة وموضوع الوحدة الديداكتيكية الجديدة.
-أن تتخلل الفضاء الدراسي عملية الاعتناء بالبستنة، لأن بواسطتها يكتسب المتعلم مفاهيم علمية مهمة : كمفهوم الزمان والمكان و مفهوم النمو ……الخ
-أن يتم تحسيس مجموعة الفصل الدراسي، بأن مدرسهم ليس مالكا للمعرفة و المعلومات، كما يروج في أذهانهم و تصورهم ، وإنما واحد منهم يقاسمهم الوصول إلى الخلاصات وبناء المعارف والمواقف العلمية، كما يشاطرهم أفراحهم و أتراحهم، ومعناه أن خاصية الفصل الدراسي الحديث، صارت مجبورة غلى الارتباط بالوظائف الجديدة للمنشط الجديد، وعلى رأسها وظيفة ( الوساطة) التي يلعب المنشط بواسطتها دور التوجيه و التوزيع و التدريب في العملية التدريسية الحديثة ، حيث يقوم المنشط اليوم بتوزيع الأنشطة و الأدوار و المعلومات على مجموعات القسم، كما يلعب دور المدرب في امداد المتعلمين بخطط التعلم و الانخراط في الأوراش المتبناة .
-أن يكون لكل فصل دراسي بالمؤسسة نائبا منتدبا ، يعرف بنشاطاته وينقل صعوباته واحتياجاته لمجلس تلاميذ المدرسة ، أو لإدارة المؤسسة قصد تسوية الوضعية المشكلة في أقرب الآجال، لأنه من غير المنطقي أن تبقى مثل هذه التدابير حكرا على الكبار فحسب ، ونطالب المدرسة الوطنية في النهاية بحصيلة المهارات والكفايات التي حققها المتعلمون . إذ لا يخفى على أحد أن أطفال المدارس الفرنسية ممثلون في المجالس الجماعية، ولكل منا أن يتخيل كيفما شاء لماذا ؟
-تري هل أدركنا أهمية الفصل الدراسي سواء في تأمين مسالك تمرير التعلمات و الموارد الداخلية أو في ضمان إثارة الشهية التعليمية/ التعلمية لمتعلم الألفية الثالثة ؟
*باحث تربوي


الكاتب : الحسين وبا*

  

بتاريخ : 20/12/2018