في لقاء دراسي نظمه حول «تحديث الإدارة التربوية مدخل لتنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030»

الفريق الاشتراكي بمجلس النواب يقف على إشكالات وأعطاب الإدارة التربوية مدراء المؤسسات التعليمية يقومون بوظائف لا تدخل في مجال تخصصهم – يجب الاشتغال بمنطق القيادة والفريق وربط المسؤولية بالمحاسبة

 

كيف يمكن تنزيل الرؤية الاستراتيجية على مستوى المؤسسات التعليمية في غياب تواصل مع هيئة الإدارة المدرسية؟أي تكوين سيساعد على تنزيل الرؤية بالمؤسسات التعليمية ؟وماهي البدائل المطروحة للتدبير الحالي المتسم بكثرة المهام وقلة الموارد والوسائل، و بأية مقاربة تدبيرية سيتم بها وعبرها بلوغ أهداف الإصلاح؟ هي أهم الأسئلة الراهنة والملحة التي تداولها رجال ونساء الإدارة التربوية بالمغرب، الذين حضروا اللقاء الدراسي الذي نظمه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب يوم الخميس 20 دجنبر 2018 تحت عنوان “تحديث الإدارة التربوية مدخل لتنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015- 2030”.

 

اللقاء يندرج في إطار اللقاءات التواصلية التي يحرص على تنظيمها الفريق الاشتراكي لمناقشة القضايا الوطنية وقضايا الشأن العام، في إطار المقاربة التشاركية والتي “نحرص من خلالها – يقول رئيس الفريق الاشتراكي شقران أمام – أن نعطي لأنفسنا معا فرصة للوقوف على إشكالات الإدارة التربوية التي تحول دون تحقيق الطموحات التي يتوخاها المغاربة من أجل إصلاح شامل للمدرسة العمومية، وأكد شقران بأن الإدارة التربوية ركيزة أساسية لا يمكن أن نتحدث عن أي إصلاح دون أن يكون موضوعها حاضرا بقوة، داعيا الجميع لإغناء نقاش يرتبط بالواقع ويستشرف المستقبل، حتى يتسنى للفريق الاشتراكي بمجلس النواب أن يستثمره في عمل تشريعي ورقابي، وهو النقاش الذي أدارت فقراته النائبة البرلمانية وعضو المكتب السياسي حنان رحاب ـ التي أشادت بدور ومكانة رجال ونساء التعليم والأطر الإدارية وبجهودهم في بناء الإنسان المغربي.
خالد بنيشو، مدير الشؤون القانونية والمنازعات في مداخلته بعنوان “الإدارة التربوية من خلال المرجعيات المؤسساتية المؤطرة للإصلاح” تطرق للرافعات التي جاءت بها استراتيجية الإصلاح 2015-2030 من أجل النهوض بإصلاح الإدارة التربوية حتى تمتلك آليات الريادة والقيادة الناجعة، اعتمادا على اعتبار المهننة، تشجيع المبادرات كمدخل أساسي للنهوض بأداء الفاعلين وجعل التكوين إلزاميا، مع تبني حكامة ناجعة للمنظومة تنبني على تحديد واضح للسلط والأدوار والمهام ومأسسة مشروع المؤسسة  مع منح بنيات التدبير المزيد من الاستقلالية.
وفي ما يتعلق بتدبير الكفاءات البشرية توظيفا وتكوينا وتقييما وترقية، ذكر بنيشو أن رافعات الاستراتيجية تهدف إلى إرساء ريادة وقدرات تدبيرية ناجعة في مختلف مستويات المدرسة اعتمادا على مجموعة من التدابير منها  ربط المسؤولية بالمحاسبة، الاستناد إلى كفايات بشرية بمؤهلات عالية مبنية على انتقاء أفضل للقائمين على الشأن التربوي، الاشتغال بمنطق القيادة والفريق وتقديم الحساب بانتظام عن تطبيق الإصلاح وإنجازاته وتقييم نتائجه، تحيين العدة القانونية والتشريعية في أمد  زمني محدد مع  تعميم العمل بمشروع المؤسسة كآلية للتدبير والإشراك.
خالد بن يشو أشار إلى أن الاستراتيجية تنص على مجموعة من المبادئ التي أتى بها دستور 2011 مثل ربط المسؤولية بالمحاسبة والرفع من مستوى التكوين وإرساء التعاقد على جميع المستويات، لكن تفعيل ذلك يستلزم وضع ترسانة قانونية ميسرة لبلوغ هذه الأهداف، لأن تركيبة الإدارة التربوية اليوم هي محدودة، مذكرا أنه في المغرب اليوم 17844 مديرا. 7107 في الإبتدائي والإعدادي 5890 والثانوي 4850 يسيرون الإدارة التربوية المغربية. يقومون بمجموعة من الوظائف التي لا تدخل في مجال اختصاصهم، مما يتطلب معه، يقول بنيشو، تحديد المهام واتخاذ العديد من الإجراءات التي لم يأت بها القانون الإطار في هذا الباب والوزارة ستعتمد في قانونها على ماجاء في الاستراتيجية في مايتعلق بإصلاح الإدارة التربوية ولم يأت به القانون الإطار.
محمد اليعكوبي، مدير مديرية ابتدائية في مداخلته “المؤسسة التعليمية “الطريق إلى الجهوية المتقدمة” تطرق إلى ما جاءت به استراتيجية الإصلاح في ما يخص النهوض بالمؤسسة التربوية وأشار إلى أن القانون الإطار جاء متسرعا وبشكل انفرادي، مذكرا بنواقص القانون الحالي للمؤسسات والذي يجعل المدير دائما في موقف ضعف في مركز القرار، لأن القوانين التي تنظم عمله لا تعطيه قوة الفعل لممارسته. هناك عمل كثير ينتظر الوزارة والقطاعات الحكومية والشركاء، منها حل إشكالية تفويض الصلاحيات، بناء سياسات القرب، تحديد المهام، تقوية دور الإدارة بشكل قانوني. وذكر اليعكوبي في إطار الهيكلة أن الإدارة التربوية لا تحتاج لتفريخ أطر كبيرة في المكاتب، بل هي في حاجة لفاعلين ميدانيين يخدمون المدرسة العمومية.
نور الدين اسكوكو (إطار سابق بوزارة التربية الوطنية وباحث تربوي) في مداخلته بعنوان “الإدارة المدرسية بين القصور التشريعي وضغط المهام” حاول الوقوف، بإسهاب، على صعوبات تنفيذ مكونات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015- 2030 سنحاول اختصار مظاهرها في كون عدم استقلالية المؤسسات التعليمية يجعل برامجها وأنشطتها محدودة وتفتقر إلى المبادرة والابتكار،إضافة إلى إشكالية الحكامة الداخلية للمؤسسات التعليمية، إشكالية الخارج عن الميزانية.
اسكوكو وقف طويلا عند تساوي المسؤولية بين مديري المؤسسات بمختلف المراحل التعليمية، بالرغم من التفاوت الكبير بين عمل هذه الفئاتّ، مستدلا بالأرقام أن المديرين يقومون بمجموعة من المهام 30 في المئة فقط منها تربوي وحددها كالتالي: خمس مهام ذات طابع إداري = %50 ثلاث مهام ذات طابع تربوي = 30 %- مهام واحدة ذات طابع اجتماعي = 10 % مهام واحدة ذات طابع تواصلي = %10مهام واحدة عامة وتشمل كل المهام = 100 % المهام التربوية لا تمثل إلا %30.
كما أثار ايضا إشكالية عدم توفير شروط الصحة والسلامة للأشخاص والممتلكات، من قبيل: هل تتوفر المؤسسات على برامج للحماية من المخاطر وكذا الميزانيات؟ وكيف السبيل لضمان السلامة في غياب تكوين في الموضوع ودلائل للاسترشاد بها؟ عدم تحديد المقصود بالسلامة في الوسط المدرسي المتميز بمراحل نمو عمرية مختلفة. اسكوكو أثار أيضا اختلاف قيمة التعويضات المخولة لأطر الإدارة التربوية المكلفين بمهام تسيير مؤسسات التربية والتعليم العمومي رغم التساوي في المسؤوليات، القيمة الهزيلة للتعويض عن السكن المقدرة بـ 100د شهريا للإدارة التربوية، كما أشار أيضا إلى أن هناك مهاما بدون تأطير قانوني محدد: كعدم تعريف وتحديد مفهوم المدرسة الجماعاتية وتأطير تدبيرها والمهام المسندة، رئاسة وتدبير جمعية دعم مدرسة النجاح والجمعية الرياضية المدرسية، حدود المسؤولية وعلاقتها بجداول حصص أطر الإدارة التربوية، واقترح بدائل لكي ينجح الإصلاح ويساير التشريع المهام والأدوار الجديدة للإدارة المدرسية، حيث يجب إيلاء عناية خاصة بوضعية أطر الإدارة المدرسية من أجل قيادة التغيير (التكوين والمواكبة والتأطير والتحفيز) تحيين النصوص المؤطرة للإدارة المدرسية، تأطير مشاركة مختلف أطر الإدارة المدرسية في الامتحانات بنص واضح يحدد التعويضات بشفافية وبناء على معايير. الدفع في اتجاه استقلالية المؤسسات التعليمية، تعزيز الدور القيادي للإدارة المدرسية وتفعيل تدبير القرب بتفويض عدد من الاختصاصات للمؤسسات، توفير دليل للتدبير الإداري والتربوي والمالي والمادي للمؤسسة التعليمية، مراجعة الإطار المؤسساتي وتدقيق المهام، انخراط مختلف الفاعلين في القرار وتوفر إرادة سياسية لدى المدبرين.
أما الباحث خليل السعدي (باحث في قضايا المجتمع المدني) في مداخلته “المجتمع المدني والسياسات العمومية ” فقد أشار إلى الأدوار المختلفة التي يقوم بها المجتمع المدني في إطار النهوض بالمدرسة العمومية، فمنه من يشتغل في إطار الحياة المدرسية والتدبير اليومي والتعاون المدرسي ومنه من يشتغل في إطار الترافع عن التعليم والجودة والانصاف والمجانية وتقييم عمل الحكومة وغيرها من القضايا الراهنة في القطاع، كما تطرق الباحث إلى الدور الذي يضطلع به المجتمع المدني في النهوض بالتنمية المجتمعية على مختلف الأصعدة ودوره في الدفاع عن المدرسة العمومية ونجاح الإصلاح، مسجلا إقصاءه من طرف الوزارة المعنية بالقطاع في الحوار وإبداء الرأي في القرارات التي تتخذها.
اللقاء لم يستثن المعنيين المباشرين بالموضوع من مطارحة قضاياهم والإشكالات التي يعانون منها من خلال إعطاء الكلمة لجمعيات المدراء (الجمعية الوطنية لمديرات ومديري التعليم الابتدائي بالمغرب) والتي تطارح قضاياها رئيسها عبد الرحيم النملي و(الجمعية الوطنية لمديرات ومديري الثانويات العمومية بالمغرب) والتي رصد رئيسها محمد القدسي المشاكل التي يتخبط فيها مدراء الثانويات العمومية، ثم (الجمعية الوطنية للحراس العامين والنظار ورؤساء الأشغال ومديرو الدراسة) والتي انتقد رئيسها انسياق المتدخلين للحديث عن المديرين دون التركيز على معاناة الحراس العامين والذي تطرق لمعاناتهم اليومية في إطار عدم تحديد المهام التي تعاني منها الإدارة التربوية في المغرب.وهي المداخلات التي سنتطرق لها بتفصيل في الملحق التربوي بجريدة الاتحاد الاشتراكي لأهميتها وضرورة تطارحها، للبحث عن سبل إصلاحها ومن خلالها إصلاح منظومة التربية والتعليم ببلادنا.


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 22/12/2018