أبت سنة 2018 وهي تسل آخر ساعاتها من شرك الوقت، إلا أن تسرق من حديقة الشعرالمغربي، واحدا من أجمل وأعمق الاصوات الشعرية من جيل الثمانينات منذ أن دق «أجراس الأمل» ، آملا في «إيقاع عربي خارج الموت»، في انتظار أن تزهر»أزهار الحصار» فيضرب لها «ستة عشر موعدا»، ويغني معها «على مقام الهاء» ، لكنه ظل على حافة الانتظار حتى مل الموت من شهادة اعتراف لم تأت، فأخذه الى حضنه لينام في أمان الشعراء.
الراحل عبد السلام بوحجر كان عضوا في اتحاد كتاب المغرب، درس في مدينتي وجدة وفاس، له عدة دواوين شعرية منها: «أجراس الأمل»، «إيقاع عربي خارج الموت»، «قمر الأطلس»، «ستة عشر موعدا» ومسرحية شعرية بعنوان «الصخرة السوداء»، و»الغناء على مقام الهاء»، سنة 2013، إلى جانب مسرحية شعرية بعنوان «ملحمة القمر الأزرق»، صدرت سنة 1993.
ارتبط اسم الشاعر بالدفاع عن الثقافة الوطنية وخصوصية التجربة الشعرية في المغرب، ودورها في الرقي بالذوق والوجدان في بلادنا، منذ محاضرته الشهيرة «إسهام الشعر في إرساء قواعد الثقافة الوطنية» التي نظمها المسرح العمالي في وجدة سنة 1982.كما أن حصل الراحل بوحجر على جوائز محلية وعربية من ضمنها الجائزة الأولى في المسابقة الدولية للشعر في أحسن قصيدة، عن قصيدته « مقام القدس العالي» نظمتها وكالة بيت مال القدس الشريف بمساهمة «مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري»، خلال الحفل الختامي لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية لسنة 2009.
وفي بلاغ له عبر اتحاد كتاب المغرب، عن بأسى وحزن بالغين، بوفاة عضو الاتحاد، الدكتور الشاعر عبد السلام بوحجر» الذي يعتبر واحدا من الشعراء المغاربة الذين ساهموا، منذ سبعينيات القرن الماضي، في بناء القصيدة المغربية، في امتداداتها العمودية والتفعيلية؛ هو الذي عرف عنه، رحمه الله، انتصاره في أشعاره لقضايا الإنسان عامة، بمثل اهتمامه الخاص بالقضايا الوطنية والقومية، وبتفاصيل الحياة اليومية، في العشق والطبيعة …
.. كما تأثر في أشعاره الجميلة بتجارب عديد الشعراء العرب الكبار، من أمثال قباني ودرويش والقاسم والبياتي ودنقل، وغيرهم، فانعكس ذلك كله في دواوينه الشعرية «،
كما تقدم الاتحاد بتعازيه ومواساته إلى أسرة الفقيد وإلى أهله وأصدقائه وطلابه وإلى أسرة الشعر المغربي والعربي عامة».
الرحيل القاسي لشاعر مثل عبد السلام بوحجر، خلف أسى عميقا وحسرة على إقصائه وتهميشه من طرف المسؤولين عن الشأن الثقافي لعقود، لدى زملائه من الكتاب والمثقفين. فقد كتب صديقه الشاعر الزبير الخياط» نبكيك إذ لا بواكيَ لك يغادرنا إلى دار البقاء الشاعر المغربي الكبير حقا وصدقا، شاعر الجمال عبد السلام بوحجر . تغادرنا روحه بسلام إلى بارئها ، وفيها غصة هذا المغرب الذي غَيَّبَ موهبة شعرية توضع في قمة الشعر المغربي الحديث . غيبها حين مَيَّعَ الفعل الثقافي ، وأعطى مؤسساته وريعه للطحالب والزعانف ، وحين غيب هوامشه الجغرافية(..)، مضيفا «كنت قد كتبت منذ عام تقريبا عن عبد السلام بوحجر مايُنَبِّهُ إلى تغييبه رغم روعة قصائده حتى لا يقال إنني أكتب الآن بحرقة المفجوع على وداع صديقه . نعم كتبت منذ عام ما يلي :” الشاعر عبد السلام بوحجر من الشعراء الذين حوصروا وطنيا . فشاعر من قيمته نادرا ما مثل المغرب في مهرجان ثقافي عربي أو دولي وأشعاره تغيب عن المقررات الدراسية التي فُتحت أمام من هم دونه قيمة أو دون قيمة الشعر السليم «.
شيخ القصة المغربية وعميدها كتب عن أول لقاء جمعه بالراحل بندينة تازة»
استمعتُ إليه أول مرة في تازة، وهو يلقي قصيدة جميلة عن ( مها )… بعد أن انتهى، هنأتُه على النص الجميل، وعلى الإلقاء الشجي، ثم قلت له مداعبا:
ــ بُدئ الشعر بابن حَجَرٍ وخُتم بأبي حَجَر
ــ من تقصد بابن حجر؟ امرأ القيس بن حُجْر؟
ــ كلا. أقصد أوس بن حَجَر أستاذَ زهير
ــ ألا تعترف بريادة امرئ القيس؟
ــ ياصديقي، امرؤ القيس فلتة خارج الحساب. أنا أتحدث فقط عن البشر العاديين
وتحدثنا .. وأدهشني أنه يعرف عن إخوتي وعائلتي أكثر مما أعرف. كان قد التقى بهم في وجدة العزيزة منذ صغره، وأنشأ معهم سرائر أخوة لا تَبْلَى…. وتحدثنا طويلا عن الشعر والشعراء. وعن الاعتراف والإقصاء. وعن اللغة في الشعر المغربي الحديث…..
إنسان رقيق مرهف، وحَيِيٌّ خجول. ولكنه في الوقت نفسه معتز بنفسه، صلب الروح نبيل الموقف واسع الأفق. وفي شعره احتفاء متميز باللغة والإيقاع والتراث».
أما الشاعر والناقد عبد الدين حمروش فقد نعى الشاعر الراحل في تدوينة على حائطه الفايسبوكي عنونها بـ «مها» تصيح بأعلى صوتها» في اشارة الى قصيدة للراحل بعنوان «مها» مايلي:
«تألمت حين سمعت بخبر وفاة الشاعر عبد السلام بوحجر. لم أكن أريد أن أكتب شيئا، في سياق هذه الفاجعة النازلة، اليوم… غير أن أمرر يدي على قلبي بصمت وبحرارة. حقا، «البكا من مورا الميت خسارة»، وبخاصة إن كان من ذوي الموهبة الشعرية الفذة، والثقافة الأدبية الواسعة..
ما عساني أقول… وأنا أرى عزيزا يترجل متعجلا: لم ينصفه أهله، في زمن تسيَّد فيه أشباه الشعراء، الذين تظل لهم الموائد تُعقد، والمواعيد تُضرب…؟ لقد مللنا من استعادة مثل هذا الكلام، كل مرة، وقد غدا مثل اللازمة، نبتدره بعيد وفاة كل مبدع..
التقيت بالشاعر الكبير بوحجر مرتين أو ثلاثا.. في آخر مرة، منذ ثلاث سنوات أو يزيد قليلا، استمعت إليه، مستمتعا، وهو يقرأ قصيدته اللافتة «مها»، بطلب من بعض الحاضرين إلى أحد مدرجات كلية الآداب بالجديدة. إضافة إلى حلاوة القصيدة وخفتها، شدت انتباهي طريقة إلقاء الشاعر لقصيدته. ولست أبالغ إن قلت إن المرحوم بوحجر ظل من أفضل من كان يقرأ (ينشد) الشعر من المغاربة (وهم قلة على كل حال)…»