في خضم الإشكالية الأخيرة التي طرحت لدى المهنيين المحاسبتيين، وبالأساس وسط المستقلين ، جراء عدم فهم مادة قانونية خاصة التسجيل الالكتروني، ينبغي توضيح نقط عديدة.
أولا.. يجب الإتفاق بأن التسجيل هو ضريبة على معاملات، سواء كانت مالية أو عقارية، يؤديها المواطن على خلفية قيامه ببعض المعاملات التي تخضع وجوبا إلى ضريبة التسجيل. ومن هذه المعاملات هناك ما يفرض عليه الالتجاء إلى خدمات مهن أخرى مثل الموثقين أو العدول أو المحامين (في حالة تفويت العقارات الخاضعة للملكية المشتركة التي يشترط المشرع، من أجل صحتها، المرور الاجباري عبرها) ومنها ما لا يفرض المشرع وجوبا المرور عبر مهن منظمة مثل عقود الكراء ومحاضر الاجتماعات وتأسيس الشركات وغيرها، وبالتالي تبقى عملية التسجيل من اختصاص أصحابها الذاتيين والمعنويين، ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يفرض المشرع القيام بأداء ضريبة التسجيل عن طريق شخص آخر لا يتحمل أي عبء قانوني تجاه تلك العقود او الإلتزامات التي تستلزم أداء ضريبة التسجيل غير الإدارة.
ثانيا.. الخدمات الإلكترونية هي خدمات مجانية الهدف منها تبسيط المساطر الإدارية وتقريب الخدمات من المواطنين، تماشيا مع شعار” تقريب الإدارة من المواطن” وإلغاء البيروقراطية الإدارية وليس احتكار خدمة أو تضريبها وجعل الخدمة الإلكترونية إشكالية بعدما كانت حلا ووسيلة .
من خلال ما سبق ومن خلال المادة 155 من المدونة العامة للضرائب والتي استعملت لفظ (يجوز الخاضعين للضريبة أن يدلوا…..) (بالنسبة لواجبات التسجيل والتنبر يجوز كذلك القيام بالإجراءات بالطريقة الإلكترونية وفق الشروط المحددة بقرار من وزير المالية ) ، هو إجازة لكل المواطنين والمهنيين القيام بهذه الخدمة وفق شروط يحددها قرار لوزير المالية وإلا عليهم القيام بالتسجيل الكلاسيكي المتعارف عليه سابقا ، أي التسجيل الورقي .
خلافا لذلك فرضت المادة السالفة الذكر إجبارية إجراء التسجيل بالطريقة الالكترونية بالنسبة لمهن مثل الموثقين والعدول والخبراء المحاسبين والمحاسبين المعتمدين بمنطوق ومعنى المادة 155من م ع ض، حيث استعملت لفظ يجب …(غير أنه يجب على الموثقين… القيام بإجراء التسجيل بالطريقة الالكترونية…).
خلاصة القول.. المشرع فرض إلزامية الخدمة الإلكترونية على الخدمات التي تقوم بها بعض المهن المنظمة ولم يفرضها على باقي المهن والمواطنين الذين يبقى لوزير المالية الحق في إصدار قرار بإمكانية القيام بذلك إلكترونيا، وهو قرار، في حد ذاته، غير ملزم، لأن المشرع استعمل لفظ الاجازة (يجوز…..بقرار من وزير المالية…) الذي يفيد عدم الإلزامية واستمرار المرفق العمومي من خلال التسجيل العادي الكلاسيكي. وهنا يطرح سؤال جوهري هو: كيف لإدارة الضرائب أن تقوم بتنزيل مادة ضريبية دون معرفة فحواها القانونية ودراستها حتى لا يتم تعطيل المرفق العمومي لأيام بسبب “جهل قانوني” واضح ؟