وصايا البنك الدولي العشر إلى المغرب من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة..
قال تقرير جديد أصدره البنك الدولي –أمس- إن المغرب حقق خلال السنوات ال15 الماضية عدة مؤشرات إيجابية إلا مؤشرا واحدا يهم إدماج الشباب في سوق الشغل وفي الدينامية التنموية التي تعرفها البلاد.
وأفاد التقرير الذي يحمل عنوان « المغرب في أفق 2040، الاستثمار في الرأسمال اللا مادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي»، أنه إذا كانت العديد من المؤشرات الاقتصادية على النهج الصحيح، فثمة مؤشر واحد لم يصبح إيجابيا بعدُ، ويتعلق الأمر بمؤشر إدماج الشباب في المجتمع، حيث تشكل عمالة الشباب تحديا هاما خاصة وأن شابا من أصل اثنين تقريبا ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و 35 سنة يتوفرون على منصب عمل غالبا ما يكون في القطاع غير النظامي والهش.
وأوضح التقرير أنجزه جان بيير شوفور لفائدة مجموعة البنك الدولي، أن المغرب يواجه ضرورة الاستجابة لطلب أقل إلحاحا، لكنه طارئ على غرار التشغيل، ويتعلق بتطلعات الشباب في الولوج بشكل أسرع إلى مستوى معيشي، يقترب من المستوى المعيشي في البلدان الأكثر تقدما، غير أن مسار الالتقائية الاقتصادية، الذي أطلقه المغرب منذ 15 عاما لا يزال بطيئا نسبيا، خاصة بالمقارنة مع نظيره، في بلدان منبثقة أخرى، نجحت في تدارك تأخيرها بشكل كبير. وعلى الرغم من أن الوضع السياسي الوطني، قد تطور كثيرا منذ عام 2011 فإن تطلعات الشباب المغربي إلى مستقبل أفضل ، ما فتئت قائمة.
و سجل البنك الدولي في هذا التقرير الجديد، الذي يدخل ضمن المذكرة القطرية لعام 2017 ، أن المغرب حقق ، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، تقدما لا يمكن إنكاره، سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي أو على مستوى الحريات الفردية والحقوق المدنية والسياسية. وقد ترجمت هذه التطورات تحديدا إلى نمو اقتصادي مرتفع نسبيا، وزيادة هامة في الثروة الوطنية ومتوسط مستوى معيشة الساكنة، والقضاء على الفقر المدقع، والولوج الشامل إلى التعليم الابتدائي، وبشكل عام في تحسين الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية، وأخيرا في تطور هام للبنى التحتية العامة. وبفضل هذه التطورات، استطاع المغرب إطلاق مسار اللحاق الاقتصادي ببلدان جنوب أوروبا )إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال(.
ومن بين الحقائق الهامة، التي خلص إليها تقرير البنك الدولي، أنه لا يمكن اعتبار التقدم الاقتصادي والاجتماعي المحرز ،والذي لا يمكن إنكاره على مدى العشرية الأخيرة أمرا مكتسبا بشكل نهائي. فمن حيث العرض، بيّن التقرير أن الجهود الهامة في مجال الاستثمار – المبذولة أساسا من قبل الدولة والمؤسسات العمومية – لم تسفر بعدُ عن مكاسب إنتاجية كبيرة، ولا يمكن تعزيزها بشكل أكبر. ومن حيث الطلب، يعزى النمو- أساسا- إلى الطلب الداخلي في ظل ارتفاع مديونية الدولة والشركات والأسر المعيشية.
وقد وقف التقرير على نقطة جوهرية تفسر بطءالنمو، حيث تبرز الدينامية الهيكلية للاقتصاد المغربي ثلاثة اتجاهات رئيسية: صعوبة توزيع العمالة غير المؤهلة الناتجة عن ضعف التصنيع بشكل عام على الرغم من النجاح المبهر في بعض القطاعات الناشئة )السيارات، صناعة الطيران، والصناعات الغذائية، والطاقات المتجددة، إلخ ( ، و صعوبة توزيع العمالة المؤهلة الناجمة عن بطء رفع مستوى النسيج الاقتصادي، لا سيما طلبات الأطر المتوسطة والعليا، وأخيرا صعوبة تخصيص المواهب التي تؤدي إلى ضعف ديناميكية قطاع المقاولات.
واستنتج التقرير بشكل عام،أن المقاولات المغربية، تتسم بحكم ضعف هيكلتها، وصغر حجمها، وضعف تدويلها، بضعف الدينامية والابتكار.
وفي محاولته الإجابة عن السؤال المحوري « أي مغرب في أفق 2040؟»، يضع التقرير مجموعة من السيناريوهات الواقعية التي سترسم معالم البلاد خلال العقدين القادمين حيث يشكل تحقيق مستوى عال من النمو الاقتصادي المدمج، وخلق فرص عمل ذات جودة عالية خلال 25 عاما، والحفاظ عليهما أحد أهم التحديات السياسية والاقتصادية للمغرب.
وقد أبرز استعراض السيناريوهات المحتملة مجموعة من النقاط الرئيسية التي ستتحكم في مستقبل المغرب ومن بينها التحول الديموغرافي والتنمية الحضرية للمجتمع في إطار الجهوية الموسعة وارتفاع المستوى التعليمي للساكنة وهيكلية في المجتمع، وتشكل نافذة من الفرص الفريدة من نوعها في تاريخ المغرب، حيث يشكل ضعف نسبة الإعالة ) حصة الأشخاص البالغين أقل من 15 وأكثر من 65 سنة من إجمالي عدد السكان( المتوقع حتى عام 2040 ميزة ديموغرافية حقيقية.
ومع ذلك، يرى واضعو التقرير أن هذه الاتجاهات الهيكلية، لن تكون كافية في حد ذاتها لتحريك عجلة النمو بشكل مستدام. وبغية تفادي ما يدعى «فخ البلدان متوسطة الدخل»، سيتعين على المغرب تحقيق مكاسب إنتاجية أعلى من السابق – بل الأهم من ذلك – الحفاظ على تلك المكاسب طيلة جيل واحد على الأقل.
وأبر التقرير أنه لا يمكن أن تستمر نسبة الاستثمار في النمو إلى الأبد. إن لم تتسارع مكاسب الإنتاجية، فلا يمكن لوتيرة النمو إلا أن تتباطأ. ولعل الديناميكية البطيئة المسجلة خلال السنوات الأخيرة يمكن أن تفسر كتوطئة لسيناريو الالتقائية البطيئة. و تشكل مكاسب الإنتاجية حجر الزاوية لنمو قوي ومستدام على المدى الطويل كفيل بتحسين رفاه ورفاهية المغاربة مع تعزيز السلم والاستقرار الاجتماعيين.
ويفترض السيناريو الاقتصادي لتسريع وتيرة اللحاق الاقتصادي زيادة في الإنتاجية الإجمالية للعوامل بنسبة2 بالمئة سنويا، وارتفاعا في نسبة تشغيل الساكنة في سن العمل، التي ينبغي أن تنتقل من 45 بالمئة في عام 2015 إلى 55 بالمئة في عام 2040 ، أساسا بفعل تأثير ارتفاع معدل عمالة النساء الذي يظل حاليا جد منخفض في حدود 23 بالمئة . وهنا يلاحظ التقرير أن الأثر التراكمي لزيادة الإنتاجية ونسبة التشغيل من شأنه أن يؤدي إلى نمو تصاعدي أقوى وأكثر استدامة، لا يقل عن 4,5 بالمئة سنويا حتى عام 2040.
غير أن مضاعفة المكاسب الإنتاجية بنسبة 2 بالمئة سنويا لعدة عقود ستشكل ، حسب التقرير ،تعتبر تحديا حقيقيا، لأنها تتطلب إجراء تحول هيكلي عميق للاقتصاد، وتحقيق مكاسب كبيرة على مستوى النجاعة. وبالتالي، فإن مكاسب الإنتاجية الإضافية لن تتحقق فقط من الاستثمارات الجديدة في الرأسمال الثابت، ولكن من تعزيز الجهود لمراكمة المزيد من الرأسمال غير المادي، أي الرأسمال البشري والمؤسساتي والاجتماعي.
وترتبط تطورات الإنتاجية والرأسمال غير المادي ببعضها البعض إلى حد كبير، وهكذا، فإن مسار النمو وتطور رفاهية الساكنة المغربية بحلول عام 2040 سيتحدد من خلال هاتين المتغيرتين الأساسيتين.
ويخلص التقريرإلى أنه لبلوغ هدف اللحاق بركب الدول المتقدمة، سيكون المغرب مضطرا إلى تغيير نموذجه التنموي من خلال إعادة توجيه أولويات السياسات العمومية نحو تنمية الرأسمال غير المادي.
ويفترض التقرير أن تكون زيادة الرأسمال غير المادي للمغرب حتما متعددة الأشكال، وسيكون عليها أن تهدف إلى تعزيز العقد الاجتماعي القائم على النهوض بمجتمع منفتح، بمعنى على تعزيز المؤسسات، وإعادة تركيز عمل الدولة على مهامها السيادية، وتنمية الرأسمال البشري وتعزيز الرأسمال الاجتماعي. وهنا سيكون لزاما على المغرب الاستثمار في المؤسسات الداعمة للسوق والاستثمار في المؤسسات والخدمات العمومية والاستثمار في الرأسمال البشري لاسيما عبر إصلاح منظومة التربية والتعليم وكذا الاستثمار في الرأسمال الاجتماعي، لاسيما في شق المساواة بين الجنسين من خلال ضمان تطبيق مبدأ سيادة القانون واحترامه؛ والنهوض بحس المواطنة والقدوة الحسنة في جميع مجالات صنع القرار، وتشجيع الانخراط في الجمعيات وتنمية المجتمع المدني، ومواكبة تطور العقليات والمعايير السوسيو ثقافية، وأيضا من خلال حملات إعلامية مستهدفة.