الاشتراكية والحداثة

عبد السلام المساوي 

 

يقول ادريس لشكر «الاتحاد الاشتراكي ينتمي إلى مرجعية معينة، هي المرجعية اليسارية، هذا الانتماء إلى هذه المرجعية اليسارية، يجعل الاشتراكية اليوم مطروح بشأنها سؤال كبير حول المآلات والآفاق. ها أنتم تلاحظون في محيطنا، شمالا شرقا وجنوبا، أوضاع أحزاب اشتراكية شبيهة بالاتحاد الاشتراكي، ورغم ذلك يمكن أن أقول إن الاتحاد الاشتراكي تجاوز مرحلة التراجعات التي عرفها. اليوم مؤسسات الاتحاد الاشتراكي تشتغل بشكل طبيعي…»
إن تراجع الاشتراكية لا يعني الخسوف النهائي للاشتراكية، بل إنها البديل الضروري لمعالجة الاختلالات الاجتماعية، وهي أحد مداخل الحداثة واستدراك التأخر التاريخي، فالاشتراكية ترتبط بالفضاء العقلي للحداثة، ومن هنا ضرورة تحيين الاشتراكية كمثال بفك ارتباطها بنماذج معينة وبالحفاظ على الشحنة الفكرية التي قامت عليها، أي التشبث بالأرضية الحداثية الثقافية للاشتراكية وخلفياتها الفلسفية الأنوارية ..
إن معطيات هذا القرن، تجعل الاشتراكية تواجه النزاعات التقليدية المناهضة للحداثة، مما يجعل القوى الاشتراكية مطالبة بإعطاء الأولوية للتحديث الثقافي والفكري وعدم اختزال الحداثة في بعدها الاقتصادي، ومطالبة بالتحرر من النزعة التي لا ترى في الثقافة سوى جوانبها القانونية والاقتصادية…
إن تفكير الاشتراكيين الديمقراطيين، لا بد أن يكون جماعيا مفتوحا أمام الكثير من الاحتمالات، وينبغي أن تضع التفسيرات الاشتراكية في اعتبارها دائما النظام الاجتماعي كواقع جماعي، تتكون عناصره الأساسية من الدولة والسوق والثقافة السياسية الديمقراطية والمجتمع المدني المستقل والعلاقة الفارقة التي تميز الحركات الاشتراكية عن غيرها من القوى الديمقراطية السياسية، هي اهتمامها الفائق بحث المجتمع على تحقيق مساواة أعظم وحرية أكبر…
وفي العصر الذي أخذ فيه الاقتصاد الرأسمالي شكل الظاهرة العالمية المتزايدة، وجب على الاشتراكيين أن يتعلموا كيف يعيشون مع أكثر أشكال الرأسمالية تقدما، إذا أرادوا أن تكون أقدامهم ثابتة على أرض الواقع وتتحرك نحو الحداثة والمعاصرة، إلا أنه ليس مطلوبا منهم أن يكونوا مطابقين لروح الرأسمالية في قيمهم أوحركاتهم. لا بد أن يكون زواج الاشتراكيين بالديمقراطية عن حب، ولكن اتحادهم بالسوق لا يتطلب سوى أن يكون زواج مصلحة، هذا هو أقل ثمن يجب أن يدفعه كل اشتراكي يرى أن الديمقراطية غاية في ذاتها…
إن الاشتراكية قبل كل شيء فلسفة سياسية تزوجت مطامح اجتماعية وتاريخية… إنها مناضلون ومفكرون فأحزاب سياسية ومعركة طويلة الأمد والنفس… إن اشتراكية الأمس ليست قطعا اشتراكية اليوم، وهذه لن تكون بتاتا اشتراكية الغد…
والاتحاد الاشتراكي كحزب أساسي في المنظومة الاشتراكية، ناضل ويناضل، من أجل الديمقراطية في بعدها الاجتماعي الحمائي، التشبث بالدولة الحاضنة والحامية للاختلاف والمساواة، التشبث بفكرة السوق أداة إغناء للمجتمع لا وسيلة احتكار وإغناء كمشة من الطفيليين والاحتكاريين…
والاتحاد الاشتراكي كحزب عقلاني حداثي يصارع، وهذه مهمته وهذا واجبه، على المستوى الثقافي والفكري، قوى المحافظة والتأخر، قوى العنف والظلام، تلك القوى التي تستعمل الدين والأخلاق استعمالا انتهازيا…
إن الاتحاد الاشتراكي حزب تاريخي بمعنى التقدم والتطور الجدليين، يتجدد فكريا وسياسيا، يجتهد ويبدع أجوبة لأسئلة متغيرة…
واليوم استطاع الاتحاد الاشتراكي تجاوز هذه الكبوة؛ عرف ويعرف دينامية سياسية وتنظيمية …مؤسساته وأجهزته تشتغل بكل فعالية… تصالح مع المجتمع، أصبح قاطرة للقطاعات المهنية؛ صيادلة، مهندسون، أساتذة التعليم العالي، أطباء… شبيبة اتحادية نشيطة، قطاع طلابي استرجع ريادته في الجامعة المغربية… المستقبل يتكلم الاتحاد الاشتراكي .

الكاتب : عبد السلام المساوي  - بتاريخ : 21/02/2019