أولت المدرسة المغربية لمجتمع المعرفة عناية خاصة بعد ظهور الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، فقد شكل تحولا جوهريا داخل المسار الذي عرفته المنظومة التربوية ـ و ما انخراط المدرسة في صياغة مشاريع تربوية و تكوينية تحفز على المبادرة، و تشجع التفوق و الامتياز إلا مظهر من مظاهر الانخراط في مجتمع المعرفة، بل إنها تحرص على تنشئة النخب العلمية و التقنية و الفكرية بغية الارتقاء بالمنظومة التربوية الوطنية.
إن بناء مجتمع المعرفة لا يتم إلا باستيعاب المعايير التربوية الدولية في التدبير ، و في جودة التدريس و التعلمات، و الأكثر من ذلك يجب رفع التحدي التربوي من خلال تقديم أجوبة مقنعة لإشكالات جديرة بالاهتمام من قبيل : جودة التعلمات، و جودة محيط المؤسسات من خلال التصدي للسلوكات اللامدنية ، و إعطاء دينامية جديدة للحياة المدرسية، و الانفتاح على الحياة المهنية و الأنشطة الثقافية و الرياضية .
و لا يمكن للمنظومة التربوية أن تشيد صرح إنتاج المعرفة إلا إذا أعادت النظر في كيفية تدريس اللغات و فحص أدواتها و إشكالاتها بهدف تنمية التفكير و النقد و الإبداع، كل ذلك من أجل نشر الثقافة اللغوية، و تطوير الجوانب الحوارية، في استخدام اللغة، و إكساب المتعلمين كفايات و قدرات لغوية تمكنهم من التصرف بذكاء، و مواجهة الوضعيات المشكلة التي تولدها الصلة بينما هو عالمي و ما هو محلي. و تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن دور المدرسة لا ينحصر في المقاربة العلمية و التربوية، و إنما أصبحت وظيفتها تخضع لتأثير التحولات التكنولوجية الحديثة، و تتأثر كذلك بتوجيهات المشاريع المجتمعية، و من هنا فإن الرهان على البعد التربوي أمر ضروري و أساسي .
إن بناء مجتمع المعرفة يمر حتما من المدرسة عبر مداخلها الأساسية المتمثلة فيما يلي:
التحكم في اللغة العربية ، و إتقان اللغات الأجنبية لما لها من أهمية قصوى في الانفتاح على العالم.
تحديث طرائق و مضامين تدريس اللغات، و تطوير أدوات قياس مستويات التحكم فيها.
صياغة مشروع لغوي واضح لبناء منظومة تنموية متكاملة.
تكوين صفوة من المتخصصين يتقنون مختلف مجالات المعرفة بلغات متعددة.
الانفتاح على الفكر الحداثي و تنمية حرية التفكير و الروح النقدية لدى المتعلم، و اعتماد طرق تعليمية تستجيب لروح العصر.
إن هذه المداخل الأساسية بإمكانها أن تحفز قطب المتعلم على أن يتواصل مع مجتمع المعرفة، و أن يعكس مشاكله ، و تناقضاته ، و مفارقاته، و رهاناته الإقتصادية ، و الاجتماعية، و السياسية .
و قد سعت المدرسة في الألفية الثالثة إلى الانفتاح على المحيط الاقتصادي متجاوزة أهم المفاهيم التي كانت تؤطر التربية التقليدية، و مراهنة على جودة المتخرجين منها ، و ذلك من خلال حرصها على جودة التعلمات باعتبارها وسيلة ناجعة لتزويد مواطني الغد بمعارف ، و كفايات، و قدرات اجتماعية
و سياسية ، تعينهم على النجاح في المشاريع ، تبعا لاختياراتهم الشخصية، و طموحاتهم الفردية .
إن مجتمع المعرفة لا يشيد في لحظة واحدة ؛ إنها سيرورة متواصلة مستمرة، و ذلك عبر:
تشجيع اكتساب و تحصيل المعارف الجديدة .
خلق تقارب بين المقاولة و المدرسة للحصول على اعتراف متبادل بين ما هو أكاديمي ، و ما هو مهني ، ثم خلق مسالك بين المقاولة و المدرسة . و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نغيب دور اللغة في تحصيل المعارف، و الاعتراف المتبادل بين ما هو أكاديمي و ما هو مهني، و إذا كان الأمر كذلك فلا مناص من توليد المصطلحات الجديدة اللازمة لتغطية المفاهيم المستحدثة ، و نشر الثقافة اللغوية ، و تطوير الجوانب الحوارية في استخدام اللغة، و هي القضايا التي تتنافى أهميتها مع تعدد أطوار التواصل في عصر المعلومات، و من هذا المنطق ينبغي للخطاب اللغوي التربوي أن يكف عن اجترار المقولات القديمة، و أن ينفتح على المناهل الجديدة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات من أجل تجديد منطلقاته و تحديث أساليبه.
إن انخراط المدرسة في مجتمع المعرفة يستوجب بداهة الاستفادة من اللسانيات الحاسوبية فيما يتعلق بتطبيق أساليب الذكاء الاصطناعي ( معالجة اللغات الإنسانية آليا) ، و لا يخفى على المتتبع الحصيف أن فكرنا العربي التكنولوجي قد حقق إنجازات ملموسة في مجال معالجة اللغة العربية حاسوبيا على مستوى الحرف و الكلمة و الجملة . و هناك جهود مثمرة بذلت على مستوى النص الالكتروني إلا أنها مهددة بالتوقف نظرا لعزوف القطاعين، الحكومي و الخاص، عن الاستثمار في هذا المجال الحيوي، و هذا ما سيعوق لحاق اللغة العربية مثلاـ بالموجة الثانية لمعالجة اللغات الإنسانية حاسوبيا، و التي تهدف إلى تطوير برمجيات ذكية تفوق قدرات البرمجيات الراهنة.
و لكي تنخرط المدرسة المغربية بشكل إيجابي و فعال في مجتمع المعرفة يجب إعادة النظر في كيفية تدريس اللغات، و فحص أدواتها و إشكالياتها و فنونها، فهي وسيلة لإصلاح العقول، و الإسهام في إنتاج المعرفة: فلسفة و علما و فنا و تكنولوجيا…
إن المدرسة المغربية مطالبة الآن بان تراعي الدورة الكاملة لاكتساب المعرفة، فمجتمع المعرفة يتطلب ضرورة مراعاة مجموع المهمات التي تشملها الدورة الكاملة لاكتساب المعرفة، و التي تبدأ بمهمة النفاذ إلى مصادرها، و هي المهمة التي يستحيل تحقيقها بدون لغة واصفة (Metalengague ) فمن خلالها نفك الرسائل المشفرة لتحصيل المعلومات، بل استخلاص المعرفة من كم هائل من المعلومات استنادا إلى نسق لغوي محكم، يعين على تبادل المعرفة المكتسبة و توظيفها من اجل توليد معرفة جديدة.
و إذا كانت الدراسات التربوية في الغرب تولي اهتماما متزايدا لاستخدام الحاسوب و الإنترنيت لتنمية مهارات القراءة الأساسية و المتقدمة ، من رياض الأطفال حتى طالب الجامعة ، فإن ذلك يتم من أجل التحكم في النسق اللغوي انطلاقا من برامج الحاسوب المتوافرة حاليا ابتداء من مهارات تميز الحروف و الكلمات، إلى استيعاب النصوص الأدبية، و تنمية حصيلة المفردات و المهارات اللغوية ، و مهارات انتقاء الكتب، و البحث عن المعلومات ، و زيادة سرعة القراءة لتشخيص أمراض القراءة و علاجها و تقييم الجاهزية القرائية .
أستاذ مبرز