بالصدى : طلبة الطب وإرث الاحتجاج
وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com
خرج آلاف الطلبة بكليات الطب والصيدلة لـ «تشييع» جنازة الجامعة العمومية، ولم يكتفوا بمجرد خوض إضراب وطني أول فثانٍ، ولم يشف غليلهم تنظيم مسيرات ووقفات فحسب، بل ساروا في مواكب رمزية، أصروا من خلالها على بعث رسالة إلى من يهمهم الأمر، علّهم يستوعبونها ويتفاعلون معها، ويحجموا عن الإضرار بالمستقبل، مفادها أن عناوين «احتضار» الصحة العمومية هي متعددة، ولا تقف عند حدود وضعية عدد من المؤسسات الصحية العمومية، في المدن كما في البوادي، بل تمتد لتشمل إلى جانب الممارسة الشق المتعلّق بالتكوين أيضا؟
ما أشبه اليوم بالأمس، تتعاقب الأجيال لكن الوزرة البيضاء نفسها، في 2015 عشنا غليانا طلابيا كبيرا، وتتبعنا إضرابات ووقفات ومسيرات، ومقاطعة للدروس، من أجل التعبير عن مخاوف تحدق بالتكوين الطبي وبالممارسة الطبية، واليوم يعود طلبة آخرون، ليؤكدوا أن شعلة المشعل لم تخب، وأن الوهج النضالي لطلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة لم يخفت، وبان الرسالة متواصلة، وبأن أي استهداف للجامعة العمومية بشكل عام هو مرفوض رفضا مطلقا.
بالأمس واجه المسؤولون احتجاج طلبة كليات الطب والصيدلة بالعنف، ثم نحوا صوب الآباء والأمهات وتبنّوا أسلوب «التبرية» لأن العصا لم تؤت أكلها في التعامل مع أجساد طلبة، اعتقد البعض أنه يمكن قصم ظهورهم بمنتهى اليسر، لكن تأكد أن تلك الأجسام ليست طرية هشة، أو بضّة كما كان يسود الاعتقاد، فكانت الكلمة للمشروعية في البداية والنهاية. واليوم انطلق حراك طلابي جديد، بعد أن عُقدت جموع عامة تاريخية تؤكد تفاصيلها وحدة ومناعة، وبنيانا متراصا، وتمت ترجمة الخلاصات والقرارات ميدانيا، إلا أنه لحد الساعة تم التعامل مع تلك الاحتجاجات التي جرت بالصمت، وكأن شيئا لم يقع، وكان صوت لم يُسمع!
إن طلبة الطب هم يحتجون اليوم، خوفا على مستقبل الجامعة العمومية بشكل عام، ورفضا لضرب المجانية والإجهاز على تكافؤ الفرص، ويعلنون عن رفضهم لسياسات خوصصة قطاع التكوين الطبي، ويرفضون ما يعتبرونها عشوائية طبعت تنزيل مشروع كليات الطب الخاصة في ظل غياب أرضية مناسبة للتداريب الاستشفائية وتأطير بيداغوجي كفيل بتكوين أطباء الغد، ويجيب عن احتياجات المواطنين المغاربة، واللجوء عوض ذلك إلى المستشفيات الجامعية العمومية كحل ترقيعي، مما يجعلهم يؤكدون على أن هذه الخطوة ستزيد من تعميق الأزمة في ظل الاكتظاظ والنقص الحاد في المناصب المخصصة للأساتذة المساعدين للمقيمين والداخليين. تخوفات مشروعة يجب على المعنيين بالأمر في وزارتي الصحة والتعليم العالي تقديم أجوبة فعلية عنها بعيدا عن اللقاءات الشكلية التي تبقى بدون حلول ومخرجات كما هو الشأن بالنسبة للقاء 11 فبراير الفارط، وبعيدا عن سياسة الصمت واللامبالاة، التي تأكد أنها في السابق لم تؤد إلا لمزيد من الاحتقان وأطالت من عمر الاحتجاج، قبل أن يتم توقيع محضر في نهاية المطاف كان من الممكن الوصول إليه دون إهدار للزمن، كما كان من الممكن تفاديه لو تم أخذ مساحة كافية من التفكير والإشراك قبل اتخاذ القرارات.
الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 05/03/2019