قراءة في قرار مجلس الأمن

عبد الحميد جماهري

قراءة في قرار مجلس الأمن 2468، هناك على الأقل أربع زوايا/ مواقف لقراءة قرار مجلس الأمن…
ويمكن القول من الوهلة الأولى إن القرار يعيد بناء منطق الحل في النزاع، مع إسقاط مهمة تنظيم الاستفتاء نهائيا، بعد أن كانت الأمم المتحدة قد سجلت استحالة التنفيذ…
نحن هنا في خضم تغيير فلسفة الحل وليس فقط إجرائيته من عدمها.
بالتالي قد يكون من المهام الجديدة ليس الإشراف والسهر على تنظيم الاستفتاء بل تطبيق الحل السياسي، الواقعي البراغماتي المستدام، والقائم على التوافق…
ربما يمكن استبعاد الحل القانوني ممثلا في الاستفتاء وإحالة هذا الحل على السياسة.
1 – المدخل الأول يتعلق بالمغرب، والاستقبال القوي لهذا القرار والارتياح الذي بالكاد يخفيه المسؤولون عن ديبلوماسيته، وعنوانه العريض هو:
– أن القرار الحالي هو تجويد لقرار أكتوبر الماضي.
– أن معالم الحل، حسب الفقرة الثانية من نص القرار 2468، سياسيا، واقعيا، براغماتيا ومستداما، قائم على التوافق  «ويمتح من قاموس الحكم الذاتي والمبادرات المغربية.
– أن مجلس الأمن تجاهل المرجعيات التي تدافع عنها وتتبناها الأطراف المناوئة للمغرب»، حق تقرير المصير، الذي ذكر مرة واحدة، الغياب التام لأي إحالة على الاستفتاء«، وهنا يمكن الخلاصة إلى أن الوقت حان للقطع من مسارات الإجراءات القانونية التي ظلت تحكم منطق الصراع والانتقال إلى مسارات قانونية بديلة لما تم الحديث عنه إلى الآن، أي الاستفتاء، بيكر 1 وبيكر 2 ومفاوضات مانهاست…
– أن الهجوم الذي سبقته المواقف التي تم إعلانها ضد المغرب، وحتى في تقرير الأمين العام لم تجد لها صدى في القرار.
– أن الدينامية القادمة تقاس على أساس الموائد المستديرة وليس على المواقف السابقة.
ولناعودة بالتفصيل لهذا الموقف…
2 – المدخل الثاني: خيبة البوليزاريو، إنها المرة الأولى التي لا تبحث فيها فرقة الانفصال عن جمل تفيد بها انتصارا ما في قرار أممي، خارج الجمل المسكوكة والتي لا معنى لها من قبيل اعتبار تمديد مهمة المينورسو ل6 أشهر يؤكد التزامه بعملية السلام الأممية في الصحراء»…
غير أن خيبة الأمل كانت واضحة في عبارة، «تأسفت لكون المجلس أضاع فرصة كبيرة»، لفرض حلها على المغرب!»
وهي ترى بأنه عكس تقرير الأمين العام فإن النص لا »يذكر اسميا المغرب كطرف قام بانتهاك وقف إطلاق النار وبفرض قيود على حرية تنقل بعثة المينورسو والمبعوث هورست كوهلر».
عدم قيام مجلس الأمن بالإدانة الصارمة لأعمال المغرب المزعزعة للاستقرار وجهوده الكثيرة التي تنم عن سوء النية..

صمت مجلس الأمن، ففي الأشهر الأخيرة زاد المغرب من وتيرة وحجم انتهاكاته لوقف إطلاق النار والقمع -كذا-!
** المغرب رفض اتخاذ تدابير لبناء الثقة لإبداء استعداده لإحراز تقدم على المسار السياسي….
والحال أن القرارات الأخيرة تسير في اتجاه واحد هو تحميل البوليزاريو هذه الانتهاكات، منذ أبريل 2018.
* قرار أبريل 2018 دعا مجلس الأمن، بلغة لا لبس فيها، +البوليساريو+ إلى عدم نقل بعض «البنيات الإدارية» المزعومة إلى هذه المنطقة و«الوفاء الكامل بالتزاماتها» في ما يتعلق بالمنطقة العازلة في الكركرات طبقا للقرار 2414 المعتمد في أبريل 2018.
** قرار أكتوبر 2018 الماضي، كان مجلس الأمن قد أمر في القرار 2440 الذي اعتمده في أكتوبر الماضي، +البوليساريو+ بعدم القيام بأي نشاط من أي نوع كان «في بئر لحلو وتيفاريتي والمنطقة العازلة بالكركرات».
*** قراره 2468، الذي تم اعتماده بأغلبية واسعة، التأكيد على «أهمية الاحترام الكامل لهذه الالتزامات من أجل الحفاظ على زخم العملية السياسية» بشأن قضية الصحراء، مع الأخذ بعين الاعتبار «الالتزامات التي قدمتها +البوليساريو + للسيد كوهلر».
ويؤكد قرار مجلس الأمن على ضرورة «التقيد التام بالاتفاقات العسكرية المبرمة مع المينورسو بشأن وقف إطلاق النار»، داعيا «الأطراف إلى الالتزام الكامل بهذه الاتفاقات والوفاء بالتزاماتها تجاه المبعوث الشخصي، والامتناع عن القيام بأي أعمال من شأنها عرقلة المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة أو تزيد من زعزعة استقرار الوضع في الصحراء».
عنصر أثار الاستغراب هو كون البوليساريو علقت على تعابير القرار معتبرة بأنها غير ذات أمل، بالنسبة لها، فعبارات «حل سياسي وواقعي وعملي ودائم يقوم على التوافق لهذا النزاع»، ليست سليمة، ولعلها اكتشفت أن القرار هنا فيه انعطافة كبرى في فلسفة الحل..
3 – جنوب إفريقيا

راج بشكل قوي أن ممثل جنوب إفريقيا، الذي أبدى تحفظات حول ذات النص كان ينتظر تعليمات للتصويت من عاصمة بلاده، وهو بحد ذاته عنوان عن الارتباك في التعامل مع التصويت.غير أن جنوب إفريقيا، التي تلعب دورا مزدوجا: التعبير عن مواقفها المناوئة والتعويض عن غياب الجزائر، اختارت الامتناع، وهو موقف جاء بعد الموقف الأمريكي الثابت من مسودة القرار الذي تم توزيعه قبل التصويت عليه.
والواضح أن الدولة القوية لم تبحث عن نص توافقي مع جنوب إفريقيا حول الموضوع، ودفعتها إلى التصويت بالامتناع، وهو موقف يعبر بالنسبة للدولة الإفريقية القوية عن عجزها فرض صيغ ملتوية أو قابلة للتأويل ورخوة…
* وفي مارس الماضي احتضنت عاصمة جمهورية جنوب إفريقيا قمة المجموعة الإنمائية لجنوب القارة الإفريقية المعروفة اختصارا ب (SADC) للتضامن مع ما يسمى «الجمهورية الصحراوية» وذلك بمقر وزارة الخارجية لدولة جنوب إفريقيا.
وهذا اللقاء كان يراد له أن يكون «أول قمة تضامنية على مستوى الرؤساء»، وفي نفس اليوم احتضنت مراكش المؤتمر الوزاري الإفريقي حول دعم الاتحاد الإفريقي للمسلسل السياسي للأمم المتحدة بشأن النزاع الإقليمي حول الصحراء. هذا المؤتمر، عرف مشاركة نحو 40 بلدا إفريقيا، من المناطق الخمس للقارة، كان الهدف منه التعبير عن دعم قرار الجمعية العامة للاتحاد الإفريقي (رقم 693)، الذي تم اعتماده في القمة الحادية والثلاثين للاتحاد الإفريقي، المنعقدة يومي 1 و2 يوليوز 2018 بنواكشوط (موريتانيا)، وهو القرار الذي يجدد التأكيد على الاختصاص الحصري للأمم المتحدة في بحث النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وفي المقابل، وضمن «العداوة ثابتة والصواب يكون»، هناك تململ على مستوى العلاقات بين البلدين، قد يكون له تأثير على موقف الامتناع.
ومن ذلك لقاء وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، مع وزيرة العلاقات الدولية والتعاون الجنوب إفريقية مايتي نكوانا ماشاباني، بمناسبة المؤتمر الوزاري من أجل أجندة إفريقية حول الهجرة بالرباط …
وقد سبقه لقاء مهم وتاريخي في نونبر 2017 بأبيدجان على هامش أشغال القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأوروبي، بين جلالة الملك محمد السادس، ورئيس جمهورية جنوب إفريقيا جاكوب زوما، وكان قائدا البلدين اتفقا خلال هذا اللقاء على «فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وتعزيز التفاعل الديبلوماسي، واستكشاف مجالات التعاون……».
4 – موسكو

حافظت روسيا على الموقف الذي أعلنته في أبريل من السنة الماضية أي الامتناع، في حين فقدت روسيا حليفتها الصين، التي كانت رفيقتها في الامتناع عن القرار السابق … في أبريل 2018.
الموقف هو نفسه في التعبير عن تفسير التصويت بالامتناع..فهذا فلاديمير سافرونكوف، نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، كان قد قال إن موسكو لم تمنع تمرير القرار حول الصحراء في مجلس الأمن، «حرصا على استمرار عمل البعثة الأممية في المنطقة».
وقال سافرونكوف للصحفيين عقب التصويت: «لم نمنع تمرير القرار لاقتناعنا بضرورة استمرار عمل البعثة الأممية، والتي تلعب دورا في غاية الأهمية في تثبيت الاستقرار…».
والواضح أن العبارة الأكثر دلالة هي «عدم التشاور والشفافية» من لدن أمريكا.
وبالنسبة لدولة تستعيد موقعها في خارطة العالم العربي، تقرأ المواقف على ضوء المواقف من التدبير الأمريكي للقرار. فروسيا أدرجت المنطقة ضمن منطقة الصراع التي انفتحت مع أمريكا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي أوروبا وبالجوار الآسيوي، ولا يمكن بأي حال أن نخطئ في استبعاد المنطق الجيواستراتيجي، بالرغم من أن علاقتها مع المغرب تتحسن وتنتقل إلى شراكة استراتيجية.
فالمنطق هنا هو «نحن لسنا ضد المغرب، لكننا نعارض التدبيرالأمريكي»، هذا بدون أن نغفل العلاقة مع المساند الرسمي الجزائر، فروسيا هي رأس لائحة التسلح الجزائري، قبل أي دولة أخرى.
5 – الجزائر

لم يصدر أي بلاغ عن موقف الجزائر، عكس القرارات السابقة إلى حدود كتابة هذه السطور.
في السابق كان هناك «أخذت علمنا» التي تقول بأنها تلقت الخبر كبلد غير معني، اليوم هو الصمت المطبق.
مقابل ذلك فالجزائر تكرست كطرف معني، تماما كالمغرب، باعتبار عدد المرات التي ذكرت فيها…
الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة رحبت «بالزخم الإيجابي الذي انبثق عن اجتماعي المائدة المستديرة المنعقدين في دجنبر ومارس الماضيين، وتطلب من المغرب والجزائر وموريتانيا و«البوليساريو» الانخراط بجدية في العملية السياسية من أجل تحديد عناصر التقارب».
وهنا يتضح أن مجلس الأمن حدد بالاسم أطراف النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وللمرة الأولى منذ سنة 1975، يشير مجلس الأمن إلى الجزائر خمس مرات في هذا القرار.
وأبرز أنه «من هذا المنطلق، فإن مجلس الأمن يعترف بأن انخراطا قويا، مستمرا وبناء للجزائر، يعد أمرا ضروريا من أجل وضع حد لهذا النزاع الإقليمي الذي عمر طويلا».
* الموقف الذي عبر عنه مجلس الأمن عليه أن ينتظر استقرار الجزائر النظام، والدولة.
فالنظام العسكري المصالحي الذي أسس شرعيته على العداء للمغرب، موضع منازعة من طرف الشعب الجزائري، وتعرضه للرفض، يطرح سؤال من سيشارك في الحل إذا لم يكن نظاما مؤسسا على شرعية الانتقال الديموقراطي ودولة المؤسسات والتنمية والسلام الاجتماعي؟ نحن أمام ثورة لتغيير شرعية مؤسسات الدولة في الجزائر، ويجب أن يكون ذلك عاملا مساعدا في إيجاد الرخاء في المنطقة …
فالجزائر القادمة ستحتاج إلى سلم جيوسياسي لتأمين انتقالها الديموقراطي وبدونها ستخسر موعدها مع التاريخ.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/05/2019