دأبت جمعية الضفتين، منذ 10 سنوات على تنظيم الأسبوع المغربي في آميان شمال فرنسا، وكذلك في المغرب بإقليمي الناضوروالدريوش التي ينتمي إليها أغلب السكان المهاجرين بهذه المنطقة الفرنسية. فبالإضافة إلى التبادل الثقافي، تشارك الجمعية في عدة مشاريع تنموية تضامنية حول التعليم والتكوين المهني والماء الصالح لشرب، بشراكة مع المجلس البلدي لمدينة آميان والجهة، بالإضافة إلى المجالس الإقليمية للناضور و الدريوش. وهو ما يعزز التعاون المغربي الفرنسي على المستوى المحلي.
في هذا الحوار، يتحدث رئيس جمعية الضفتين في آميان صلاح الدين المانوزي حول ما ميز أسبوع هذه السنة، وحول التحديات التي تطرحها الهجرة على المغرب وأوربا.
– كل سنة، تنظمون أسبوع المغرب في آميان، ما الذي يميز النسخة التاسعة لهذه العام؟
– نختار كل سنة موضوعا للنسخة،تتمحور حوله الأنشطة المبرمجة. فموضوع هذه السنة، التعليم التضامني. بالنسبة للجمعية، يشكل الأسبوع المغربي دائمًا لحظة للتعريف بمشاريع التعاون التضامني، التي يقوم بها في المغرب ، وأيضًا في الوقت نفسه، يسمح لنا بتحسيس شركائنا والرأي العام على المجالات السانحة بتطوير العلاقات بين فرنسا والمغرب. وإن دافع اهتمامنا بقضايا التعليم التضامني نابع من الواقع المر،الذي ما زلنا نعيشه اليوم في مجال التمدرس، حيث إن أزيد من 124 مليون طفل ما زالوا لا يتوفرون على مقعد في المدرسة، وأكثر من 250 مليون طفل ومراهق بمقاعد المدارس لا يتقنون القراءة والكتابة أيضا. لهذا السبب، اشتغلنا على الإشكالية طوال الأسبوع ، وأحد الأنشطة البارزة في برمجة النسخة التاسعة، هو مهرجان حقوق الطفل، الذي نظمناه تحت شعار:» لنحتفل جميعا بالذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل». و قد سبق هذا المهرجان تنظيم مسابقة للرسم وورشات في المدارس لتحسيس الأطفال بالغاية من الأسبوع الثقافي ٠وكان المهرجان مناسبة لتقديم جوائز ل 50 طفلاً من طرف أبرز الرياضيين المغاربة ، كما تميز هذا اللقاء الاحتفالي بمشاركة سعيدة جواد ، المخرجة الفرنسية المغربية ، كراعٍ للمهرجان.
– لقد تم اختتام النسخة التاسعة من أسبوع المغرب في آميان بندوة حول موضوع «مغرب الغد، أي نموذج للتنمية» لماذا هذا الخيار؟
– هذا الخيار،لسبب بسيط هو كون التعليم يعتبر ركيزة أساسية في التنمية البشرية. ولا يمكننا التحدث عن الإخفاقات في النظام التعليمي دون طرح سؤال ما جدوى نموذج التنمية المتبع؟ وهذا التساؤل نربطه بالنقاش الجاري الآن في المغرب حول نفس الموضوع ، أي نموذج لتنمية المغرب. نعتقد أن مساهمة مغاربة العالم في هذا النقاش ضرورية و لها ما يبررها ٠إن مهاراتهم في مختلف المجالات وخبراتهم في تصميم وإدارة السياسات العامة على مختلف المستويات، ستكون ذات قيمة مضافة كبيرة لإثراء هذا الجدل والحوار الوطني..
لقد أمضينا يومًا كاملاً في معالجة قضايا مغرب الغد، كان نقاشا نوعيا شارك فيه منتخبون وأساتذة جامعيون وأطر جمعوية وفعاليات من مختلف البلدان الأوروبية ( فرنسا، بلجيكا، ايطاليا، اسبانيا، انجلترا) والمغرب. و كذلك اغتنى النقاش بتعدد وتنوع المقاربات المتعلقة بالتشخيص ، والتحديات التي تطرحها الإدارة الرشيدة للموارد، و الفرص التي يوفرها قطاع الأنشطة الجديدة، مثل الطاقات المتجددة والتقنيات الرقمية، وقضايا الحكامة الرشيدة، وملامسة حقائق الهجرة المتجددة ، ومكانة الثقافة والفنون ، … لقد ترجمت المداخلات و المسهامات مدى حرص كفاءات مغاربة في العالم على المساهمة في بلورة تصور متكامل للنموذج الأمثل لتنمية بلدهم، وتقديم مقترحات ملموسة في هذا الإطار.و نذكر من بين التوصيات لهذه الندوة، الحاجة إلى تطبيق العدالة الترابية واعتماد النهج التشاركي، وتعزيز سياسة جديدة للهجرة تستند إلى مبدأ ديناميكية التنقل ومساهمة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في خلق الثروة، ووضع إطار مؤسساتي لحماية وإدارة وتطوير النظم الإيكولوجية البحرية والغابوية، و دعم صناعة
ثقافية حقيقية مزودة بموارد بشرية ومالية كافية
– ما هو تقييم مشاريع تعاون جمعيتكم في منطقة الريف، وخاصة في مقاطعة الدريوش؟
– في الوقت الحاضر، تمكنا من إطلاق 3 مشاريع تعاون تضامني في مجال الحصول على مياه الشرب:
الأول يتعلق بجماعة ايشرقيين بإقليم الدريوش، والمشروع في مرحلته النهائية. وسيمكن 300 شخص من ساكنة هذه الجماعة القروية من الاستفادة من مياه الشرب، كما سيتيح الفرصة لعشرات أبناء وبنات القرية لمتابعة تعليمهم في ظروف طبيعية.
والمشروع الثاني سيستفيد منه سكان جماعة ايسومار، وستنطلق الأشغال قريبًا.
أما المشروع الثالث، فسيهم إليم القنيطرة٠ ولابد من الإشارة إلى أنه قبل بدء هذه المشاريع ، يتم تنظيم ورشات تحسيسية حول النظافة والبيئة والحفاظ على الموارد لفائدة السكان وفعاليات المنطقة ، كما نحرص على إشراك المعنيين باعتماد النهج التشاركي .
في هذا الإطار،يتم تشكيل جمعية لسكان الجماعة المستفيدة، لضمان صيانة المرافق و إدارتها وضمان استمراريتها.
إن اختيارنا لإقليم الدريوش أملته الرغبة منذ تأسيس جمعية الضفتين على أن تكون الأقاليم المستفيدة من مشاريع التنمية، هي الاقاليم التي ينحدر منها مغاربة آميان ، وغالبية المغاربة من آميان يأتون من إقليم الدريوش شمال المغرب ، هذه الإرادة تتقاسمها معنا بلدية آميان٠ وقد مكننا الدعم المالي لبلدية آميان من تعبئة مؤسسات الفرنسية الأخرى، ولا سيما وكالة الماء للبيكاردي ، كما ساهم المجلس الاقليمي للدريوش أيضًا في تمويل هذه المشاريع. يجب أن أؤكد وأشيد بالدور الأساسي لجمعية تسغناس للثقافة والتنمية أستيكيد، شريكنا المحلي، في هذه الديناميكية التي أطلقتها جمعية الضفتين، على المستوى الثقافي والتعاون التضامني..
لدينا كجمعيتين،جمعية تسغناس للثقافة والتنمية وجمعية الضفتين، شراكة متميزة وتجربة غير مسبوقة في مجال تعزيز صورة المغرب في فرنسا من خلال اسبوع المغرب للضفتين الذي ننظمه دائمًا على مرحلتين، الأولى في آميان بفرنسا والثانية في إقليمي الدريوش والناظور .
– أصبحت الهجرة قضية أساسية في الخطابات السياسية والاستراتيجيات الجيوسياسية على المستوى العالمي، ما هو رأيك في هذه التطورات؟
– الهجرة جزء من تاريخ البشرية. هاجر أجدادنا واشتغلوا في فضاءات يصعب فيها العيش أحيانا. هاجروا غالبًا على أمل تحسين ظروف معيشتهم، أو الهروب من حالات الحرب، أو لأسباب سياسية. فهذه التحركات السكانية تنعكس على نسبة المهاجرين من بلد إلى آخر. في بعض الدول، يشكل المهاجرون نصف السكان، و في حالة بلدان أخرى النسبة ضئيلة. ووفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، فإن ظاهرة الهجرة لا تخص سوى 3.40٪ من سكان العالم. نذكرهذه الحقائق لرفع الغموض عن الخطابات الشعبوية ، التي ما زالت تروج للرأي العام لادعاءات مغلوطة مثل غزو المهاجرين والتهديد الإسلامي. لحسن الحظ، هذه الخطب، يبقى تأثيرها محدودا في الواقع . إذ أظهرت دراسة حديثة نشرت في فاتح أبريل 2019 بواسطة شبكة أوروبا، والتي أجريت في 14 دولة تمثل 80 ٪ من المقاعد في البرلمان الأوروبي، أن بالكاد 14 ٪ من المستطلعين يعتبرون الهجرة تهديدا رئيسيا للاتحاد الأوروبي، و 23٪ منهم يعتبرون أنها أحد أهم قضيتين تواجههما بلدانهم..
– وما هي تداعيات ذلك على المغرب؟
– إن المغرب معني بشكل مباشر بهذه التطورات، لأنه يقع اليوم على مفترق طرق في حركات الهجرة. وهو بلد استقر جزء كبير من سكانه في الخارج ، أكثر من 6 ملايين؛ بلد مضيف لآلاف الأشخاص ومنطقة عبور أساسية لأولئك الذين يبحثون عن الجنة الأوروبية. واقع جديد ، بإكراهاته و إيجابياته ، فرض نفسه على الدولة المغربية . مثلا في عام 2015 وفي ذروة الأزمة التي هزت بلدان البحر الأبيض المتوسط ، قدّر عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى أوروبا بطريقة غير قانونية بطرق مختلفة ، بما في ذلك المرور عبر المغرب، إلى أكثر من 1800،000 . هذا الضغط القوي شكل تحديا بالنسبة للدولة والمجتمع . تبني الدولة لاستراتجية جديد في مجال الهجرة ، وانخراط المجتمع المدني في الدفاع عن كرامة وحقوق مغاربة العالم والمهاجرين ٠