يتسم أغلب لاعبي كرة القدم بالمحمدية بالذكاء وبالتقنيات الكروية الملفتة، ويلعبون بمستويات مختلفة، ومنهم المتألقون الذين يفرضون أنفسهم كلاعبين متميزين، ولا يوجد شك بأنهم يتمتعون بجودة عالية في اللعب، لذلك تتم مراقبتهم باستمرار من طرف عيون المسؤولين التقنيين عن المنتخبات الوطنية بكل فئاتها … المحمدية كمنبع لا ينضب لإنتاج اللاعبين المهاريين بمستويات تبهر المتتبعين، لم تبخل يوما في تزويد المنتخبات والأندية الوطنية بلاعبين ذاع صيتهم في الملاعب وطنيا، إفريقيا وعالميا، وعلى مدار عقود من الزمن …
في هذا الشهر المبارك ننشر كل يوم على صفحات فسحة رمضان بجريدة الاتحاد الاشتراكي حلقات من تاريخ مشاركة لاعبين دوليين من أبناء المحمدية في المنتخبات الوطنية…
محمد الدلاحي، أو اسم الشهرة المتداول عند الجميع، محمد كلاوة، اللاعب والمدرب والمربي والرجل الصامت، القليل الكلام، إلا في ما يفيد، واحد من الرجالات الذين تركوا بصماتهم في سجلات التاريخ والتألق والإبداع، لاعبا ومدربا ومربيا ومسيرا ورئيسا، لعب لشباب المحمدية أكثر من 14سنة خلال الفترة الممتدة من أواخر الخمسينيات حتى بداية السبعينيات من القرن الماضي، وعندما اعتزل لعب الكرة بصفة نهائية اتجه لميدان التكوين والتدريب والتسيير..ارتبط اسمه على مدار عقود بكرة القدم وبفريق الشباب لاعبا وبفريق اتحاد المحمدية كمدرب مسير، ثم كرئيس، وقد كان رحمه الله رجلا عمليا ديناميكيا، يمارس دون ضجيج ولا تهريج ويتهرب من الشهرة، – يترك الناس فقط يحكمون على ما يقوم به- عطاؤه غزير لا تجده يوما يخاصم أو يشتم أويتعارك مع أحد، حتى في نقاشاته هادئ ويتصرف بحكمة وعقل …
أب وزوج مثالي ربى أبناءه بشكل جعلهم قادرين على مواجهة متاعب الحياة، وكانت شريكة حياته امرأة طيبة الذكر، فارقت الحياة قبله بسنوات والتحقت بجوار ربها راضية مرضية، رحمها الله وأحسن إليها، كانت امرأة ديناميكية طيبة وخلوقة تشتغل إطارا في إحدى الشركات ،وكانت تساعد زوجها في تحمل أعباء الحياة وتربية الأبناء، وبعد وفاتها بقي السي محمد كلاوة وفيا لها ولم يتزوج بعد رحيلها حتى التحق بجوارها في شهر يونيو 2017.
سي محمد كلاوة توفي رحمه الله ودفن يوم الأحد 2017/6/25 عن عمر يناهز 74سنة، وهو كبير أسرة تتكون من أب وأم وتسعة إخوة، رأى النور بحي نيكولا الشعبي بداية الأربعينيات من القرن الماضي، شقيقاه إبراهيم وحميد كلاوة كانا أيضا لاعبان متميزان في فريق شباب المحمدية، وكان إبراهيم كلاوة ضمن صفوف المنتخب الوطني الذي فاز بكأس إفريقيا للأمم سنة 1976.. بدأ سي محمد كلاوة مساره الكروي في بداية الخمسينيات وتدرج عبر الفئات العمرية للشباب، وساهم في صعود الفريق للقسم الوطني الأول في بداية الستينيات مع زميله الوفي بطابوط وآخرون رحم الله المتوفين منهم، ثم استمر في اللعب على مستوى عال في صفوف الشباب حتى سنة اعتزاله 1972، وكان مدافعا قويا طويل القامة يجيد الضربات الرأسية القوية، ولم يلعب سوى لفريقه الشباب بسبب رفضه مغادرة مدينته المحمدية إلى فريق آخر، وبعد اعتزاله ذهب لفرنسا من أجل التكوين واجتياز امتحان الحصول على دبلوم يخول له التدريب، فكان له ما أراد، ومن أشهر المدربين الذين كانوا زملاءه في التكوين نذكر من بينهم الناجح على المستوى الإفريقي «كلود لوروا» والصحفي المعلق المشهور «ميشيل لاركي» وغيرهما..
وسبق للسي محمد كلاوة المناداة عليه للمنتخب الوطني في الستينيات الماضية، ولعب عدة مباريات إعدادية ورسمية وكان في مركزه كمدافع أوسط قويا وشرسا لا يهاب المهاجمين الكبار ويميزه انضباطه وسلوكه القويم.
في سنة 1976 وبعدما وقع تغيير في صفوف شباب المحمدية بذهاب المسيرين السابقين وحلول مسيرين جدد مكانهم(ليس هنا المجال لذكر التفاصيل التي نحتفظ بها لفرصة أخرى..) وكما يعلم من عاش ذلك الزمن، فقد كان اللاعبون هم من يتحكمون في الفريق، يأتون بمسيرين ويستغنون عن آخرين، وقد كان تحكم اللاعبين سببا في تغيير القوانين وجعل المنخرطين من يتحكم في مصير الأندية عوضا من اللاعبين سابقا، فحتى نظام المنخرطين مع توالي السنين ظهرت به عيوب كثيرة مما يتطلب البحث عن نظام جديد أكثر عدلا لتدبير شؤون الأندية الوطنية..قلت بعد هذه الواقعة، قام بعض المسيرين الذين خرجوا من الشباب ومعهم سي محمد كلاوة وبعلوكي الركراكي (رئيس اتحاد المحمدية في ما بعد) والسي إبراهيم قروي، قامت هذه المجموعة بإحياء فريق اتحاد المحمدية من جديد، (..كان قد حل نفسه من قبل، وقليلون من يعرف هذه القصة ) وارجاع اسمه، بعدما كان قد حل نفسه في بداية السبعينيات، وأخذ مكانه في ذلك الوقت فريق «اتحاد عين حرودة»الذي كان رئيسه هو أحد الرياضيين والمسيرين المعروفين والنزهاء، السي موسى الكوايري رحمه الله، كان إطارا في شركة «جنيرالات تاير» لصنع العجلات، وكان أيضا رئيس فئة الأقسام الصغرى ونائب رئيس شباب المحمدية، وأتذكر أنه رحمه الله أخبرني باتصال المجموعة به، وبطبيعة الحال لبى رغبتهم لأنه يحب المحمدية. وفعلا رجع اسم اتحاد المحمدية من جديد وانتخب الجمع العام المرحوم البعلوكي الركراكي رئيسا والسي إبراهيم قروي رئيسا منتدبا وسي محمد كلاوة مدربا، ورغم أن أول تجربة له كمدرب، فإنه في اتحاد المحمدية كان أكثر من مدرب أو شريك، باعتبار أنه جزء من المشروع الجديد لاتحاد المحمدية ملزم بإنجاحه، وهكذا كان، وقام الفريق بانتدابات وازنة وهو في القسم الشرفي، ولم يطل به المقام سوى موسم واحد في القسم الشرفي، وموسم واحد في القسم الثاني، حتى وجد نفسه بين كبار الأندية الوطنية وخلق وصوله إلى القسم الوطني الأول تنافسا شديداً وقويا بينه وبين شباب المحمدية، وكان صراعا رياضيا شرسا حول من هو الفريق الأقوى في المحمدية (وقد بلغ التنافس وتبادل المستملحات بين جمهور ومحبي الناديين، بوشعيب الرداد ولد خلوق من جانب الشباب، وزنفور من جانب الاتحاد، رحمهما الله، كانا فاعلين جدا في تأطير وخلق حماس الجمهور)، نفس الحماس ونفس التنافس كان حتى بين المدرب كلاوة وأستاذه الحاج عبد القادر الخميري، مما خلق فرجة وتنافسا وأجواء مريحة مليئة بالبسط والنكت والمستملحات من الجانبين، كما يحدث بين جمهورالرجاء والوداد، وكان ملح هذا التنافس تأهل الفريقين لنصف نهاية كأس العرش في موسم 79/78، وقدما مباراة كبيرة جدا حج إليها جمهور غفير ملأ كل مدرجات وجنبات ملعب البشير، وانتهت هذه المباراة التاريخية بين الشباب والاتحاد المحمديين بفوز الشباب بهدفين لصفر والتأهل للمباراة النهائية لكأس العرش ضد الوداد، خسرها الشباب بهدفين لواحد تعرض خلالها الشباب لظلم تحكيمي بطله أخطاء الحكم العويسي. ومنذ صعوده لقسم الصفوة قدم فريق اتحاد المحمدية مباريات كبيرة وقوية ونال لاعبوه المهاريون الاحترام والتصفيق والتقدير من طرف جمهور الأندية الوطنية، نظرا للمستويات الكبيرة التي يقدمونها، أذكر من بينهم لا الحصر: فروجي، ولد الحديوي، عمروش، بن الشواف، آمحمد، بشير، حدادي، حميد الداودي، العباوي، عطومي، الصبار، والفنان الحسين خوشان، الأخوين زلماطن، كحيلة، الحسين أمزيان، فرس 2، الفاطمي، حسن أوقاس… إلخ، واستطاع فريق اتحاد المحمدية تحت قيادة المدرب سي محمد كلاوة والرئيس الركراكي القيام بأدوار طلائعية وقوية. وكان في موسم80/79 متميزا أيضا وقريبا جدا من الفوز بالبطولة، لولا أنه في الأخير حسمها الشباب لصالحه تحت قيادة الحاج الخميري مدربا والحاج متوكل رئيسا، متقدما على الوداد ثانيا واتحاد المحمدية ثالثا. وفي وسط الثمانينيات وقع تحول كبير في الفريق وأخذ طريقه للانحدار، بعدما تخلى عنه رئيسه الركراكي ووفاة السي إبراهيم قروي رحمه الله، وانتقلت الرئاسة لمحمد الشواف الذي كان من بين المهندسين لعودة الاتحاد للأضواء في سنة 1976،لأن محمد الشواف كان قبل هذا التاريخ أمين المال في شباب المحمدية، وعصف به التغيير في ذلك الوقت، وبعد تخلي الجميع عن الاتحاد تطوع السي محمد كلاوة يكد ويجتهد وعين رئيسا للفريق في أوقات أزمته المادية واستطاع السير به بتوازن، رحمه الله، وبعد وفاته تحمل الشواف محمد من جديد مسؤولية الرئاسة وفي هذه الظروف الصعبة التي انحدرت بالفريق للقسم الثاني هواة..(هل تريدون أن أطلعكم على سبب تخلي الركراكي عن رئاسة الفريق..نعم من المفيد أن أحكي لكم القصة وهي كما يلي: في عهد عامل عمالة المحمدية أحمد الميداوي ورئيس المجلس البلدي آنذاك الاتحادي السي محمد اشركي تم إقناع مدير شركة «لاسمير» عبد الرفيع منجور بتمويل الرياضة والثقافة بالمحمدية، حيث تساهم لاسمير ب:50% من التمويل وباقي الشركات ب 50% أيضا، وذلك على أساس تكوين نادي منظم وقوي يضاهي الأندية الوطنية الكبيرة، ومن خلال دمج الشباب مع الاتحاد في نادي واحد تحت اسم اتحاد شباب المحمدية، وتم الاتفاق مع رئيسي الفريقين على ذلك، وهما السي محمد متوكل والسي بعلوكي الركراكي رحمه الله، وبعدالاستعداد لدخول المشروع حيّز التنفيد فوجئ مسؤولو المدينة بالرفض التام لهذا المقترح من طرف مكتب اتحاد المحمدية مما جعل السيد الركراكي يغضب ويتخلى عن الاتحاد وحتى مشاريعه في المدينة جمدها وحول نشاطه إلى مسقط راْسه بولاية آسفي..).
مهما قلنا وحكينا وكتبنا عن السي محمد كلاوة رحمه الله لن نوفيه حقه في قول كل خصاله الطيبة وعمله في الرياضة لعقود من الزمن، لاعبا ومدربا ومسيرا ورئيسا، وما قدمه من تضحيات، وهو من اللاعبين والمدربين المثقفين، كان يشتغل إطارا في شركة «لا سمير»، قبل أن يتفرغ بشكل كلي لفريق اتحاد المحمدية الذي أخذ كل وقته واهتمامه. حاولت حسب ما تجود به الذاكرة وحسب معاشرتي له عن قرب والأحداث المرتبطة بمسيرته الرياضية أن اختصر ما أعرف وما تذكرته، وإن أصبت فهو ذاك وإن أخطأت أتمنى التصحيح، رحم الله سي محمد كلاوة وأحسن إليه وجعله من أهل الجنة.