لم يكتسح الجمهور المغربي مدرجات ملعب السلام في ضواحي العاصمة المصرية القاهرة فحسب، حيث يخوض المنتخب الوطني مبارياته في إطار الدور الأول من المجموعة الرابعة، بل امتد حضوره لمختلف مساحة المدينة الغول، وعطى كل جغرافية هذه الحاضرة العملاقة، التي تحتضن قرابة 30 مليون نسمة نهارا، و22 مليون ليلا. وكثيرا ما تصادف عند التجول في شوارعها وأزقتها ومناطقها السياحية مواطنين مغاربة لا تجد صعوبة في التعرف على هويتهم، وهم يرتدون الأقمصة الملونة بالأحمر والأخضر والمكتوب على صدرها أو ظهرها «المغرب».
في خان الخليلي والحسين، في المقهى الشهيرة « الفيشاوي» أو على ضفاف النيل منبع الحياة في أرض الكنانة، في قلعة صلاح الدين، على كورنيش قصر النيل، في المتحف المصري أو في محيط الأهرامات وتمثال أبو الهول، المغاربة حاضرون يتجولون يرفعون أصواته : «احنا جينا.. والكاس لابد ناخدوها».
وفي لقاءاتهم مع المصريين، ينطلق الحوار ويتبادل الطرفان الحديث والمراهنة بروح جميلة مرحة وهادئة. المصري يقر بمحدودية أداء لاعبي منتخبه ويعترف أن نتائجه مردها اللعب في البلد وفي أحضان الجمهور، والمغربي يتباهي بقتالية نور الدين المرابط ومهارات حكيم زياش ونضج امبارك بوصوفة. ويتمنى الطرفان أن تجمع النهاية الشقيقين المغربي والمصري.
ويؤكد المغربي أنه سيكون سعيدا لو فاز المغرب وسعيدا أيضا في حالة هزيمة منتخب مصر الشقيقة.
ليلا، يمتد الاكتساح المغربي في المراكب السياحية، التي بادر ملاكوها إلى تخفيض الأسعار، جولة بساعتين في النيل ومعها وجبة عشاء مصحوبة بفرقة موسيقية ومغني يؤدي الكلاسيكيات والعصري من الأغاني وراقصات تتمايل أجسادهن على إيقاعها تحت تصفيقات مجموعة من الشباب المغربي، المنتشي بنتائج المنتخب الوطني، والذي لا يتواني على المشاركة في مصاحبة المغني في الأداء ولا يتأخر في التصفيق بحرارة تشجيعا لأداء الراقصات. والسعر لا يفوق سعر « سندويتش» في المغرب ومعه «مونادة» وبطاطس مقلية.
العديد منهم يجلسون لساعات على مقهى « الفيشاوي» حيث تختلط راحة «الشيشة» بعبق المكان وصور تاريخ هذا المكان الممتد لقرابة 150 سنة، هو المكان نفسه الذي كان يفضله نجيب محفوظ لتناول قهوة الصباح كل يوم.
في ساحة مسجد الحسين، اختار آخرون تناول العشاء في حضرة عازف عود وفي مطاعم على الهواء، تحيط بمسجد الحسين المحتضن « للحضرة»، حيث تمتد الحفلات الدينية لساعات متأخرة من الليل.
سعداء جميعهم، فكرة القدم أتاحت لعدد كبير منهم فرصة اكتشاف بلد تعرفوا عليه في السينما أو في روايات نجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس وغيرهما من الكتاب الذين نشأ جيلنا تحت رعاية كتاباتهم الأدبية الرائعة. والمصريون سعداء بدورهم لهذا الاجتياح المغربي.. منهم من تضاعفت مداخيل تجارته وارتفعت عائداته، ومنهم من اكتشف ممثلي بلد لم يزره من قبل وأحبه من روايات زائريه.. وكثير منهم ما أن يعلم بهويتك حتى يبادرك متسائلا: « هو صحيح والله.. ملككم محمد السادس يقود بنفسه سيارته ويتجول في الشوارع بدون حراسة؟؟؟»
الكثير من الجماهير ستعود صباح يومه الثلاثاء إلى المغرب بعد أن تكون قد تابعت مباراة أمس بين منتخبنا الوطني ومنتخب جنوب إفريقيا، وعدد كبير تعهد بالعودة سريعا من أجل حضور مباراة الدور الثاني التي تنطلق ابتداء من يوم الجمعة المقبل، وآخرون يتمنون العودة لمصر لأنها في نظرهم تستحق زيارات أخرى ولأنهم لازالوا في حاجة لاكتشاف أسرارها غير المحدودة.
القاهرة تتزين بالأحمر والأخضر بحضور مغربي فاق 20 ألف مشجع
الكاتب : مبعوث الجريدة إلى القاهرة: عزيز بلبودالي
بتاريخ : 02/07/2019