قوام الفعل الممكن راهنيا بالمغرب

عبد الله ركيز

ثمة اعتقاد ساد الارتهان إليه،اجتماعيا وليس سياسيا فقط، راهنيا (وسيكون كذلك فيما بعد)،على سبيل تقدير قوام الفعل الممكن بانتقال المغرب إلى مرحلة سياسية (متفردة أو مقبولة في أقل تقدير)،تقطع دابرممارسات وترسبات المرحلة السابقة عنها. اعتقاد مفاده -وكما نعتقد- العنصرين التاليين:
الجزم والتسليم بركودية الواقع العام وشلل ديناميته السياسية، الرسمية وغير الرسمية(ونعني أيضا النخبة الغيرمنفلتة من ذات العقال)،بافتتان هذه الأخيرة بقوة النصوص السياسية العتيقة، والعقائد الميتافيزيقية والمنظورات الفائتة، بل وكذا الشرائع البائدة الممتدة في عمقها(=الدينامية)،
كاستمرار للإرث التقليدي ولآلية ضبطه….
الافتتان هذا أسس في العمقلآلية تفكير ولجوهر تنظير وسما لحد الآن، لعقلين سياسيين مانويين ثابتين في طبيعتهما، يرينا إلى المجتمع كحقل من العناصر والطاقات البشرية ،الإقتصادية والاجتماعية، الثقافية والسياسية وما إلى ذلك،ثابت لا متغير، محكوم ومنضبط لآلية التقليد التاريخي الموروث والمتوارث، كسمة إيجابية (مفارقة) تضمن استقراره وتوازنه، (القيمة الواتربورية).
على أن التفكير والتنظير المقابلين، اللذين بهما يشتغل التدبير السياسي الديموقراطي، واللذين أيضأ يدعوان إلى استهجان الأولين كمقوم باعتباره زائفا متخلفا ومفارقا، يروم تسويغ مآس ومكاره الواقع بلغة وفهم يستبطنان دفاعا عن مصالح مادية متحققة في ظله. والحال، فهو الداعي(كمفارقة) بشكل طليق إلى التغيير، وإلى التعلم من الظروف الصعبة والشروط القاسية التي تتم بها الحداثة والديموقراطية وكذا المسارات المعقدة إليها…بالواقع.
مناسبة هذا القول «كخلفية»،مشكلات ومعضلات وكذا تعقيدات ما يُتوخى من «اجتراح ديموقراطي «..وهو اجتراح وإن توافرت أحقية انتصابه (في وقتنا )ضروريا بالنظر إلى ما وصل إليه الوضع السياسي/الاجتماعي بالبلاد، من تخثّر بالرغم من قوامه الهش..الذي به سيستنبت وعليه سينبسط. فقد أصاب في مقتل ذلك التنظير المانوي الذي تمثّل تلك الخلطات العجائبية (إيديولوجيا) كأسانيد وقوام للتدبير، والتي لم تسعفه(لسوء حظه ) في التخلص من التغرض والاستنكاف عن المشكلات السابق ذكرها. كسمات اكتسحت خطابه على مدى سنوات، هي عمر التجربة السياسية إياها بشكل شامل. أغلقت عليه باب النظر إلى الأفق المسدود الذي ظل ينتظره….وماتلاه من تداعيات كنتيجة.
والحال أن المفارقة الأدهش في كل هذا وذاك وهي أحد أهم نتائج الباب المسدود المذكور،ماحصل عليه اليمين السياسي (=الإقطاع السياسي ) من شرعية لم يكن يوما انتفاؤها محل جدال. حملته على أكثر من صعيد على الإستمرارية بجرأة غير معهودة في تعاطيه المألوف مع الواقع السياسي/الإجتماعي..بإعمال القنص الفكري والبرنامجيإبان المراحل الحرجة ،بل وماقبلها،ومابعدها والآن، فيما اعتُبر ودا مشهودا تجاه المعارضة!!….إن هذا وذاك شكل بدون ريب عنوانا معبرا عن الصيغ السياسية الاضطرارية وعن مضمونها الاسترضائي….بعد أن لم يعد (أو هكذا بدا ويبدو)،التصريح بالشرف السياسي/الأخلاقي وغيره من قوانين التوافق والتراضي، ذلك الكيان الرمزي الذي لا يحتمل شبهة المصالح.
وإذن فإن ما يعتمل فعليا ومؤسسيا بالواقع المغربي، على ضوء ما سبق وحتى نختم، هذه الموضوعة هو التالي:
لربما اعتُبر تواري منظمات وأحزاب العمل السياسي الديموقراطي عنوانا لتراجعها في النفاذ إلى الواقع..واذاكانت صيغة التواري هذا قاطعة في تجسدها السياسي، فإن صبغته العامة ليست أقل تأثيرا، بحسبان فقدان هذه الأخيرة لبوصلة التواصل والمسايرة الاجتماعيين، فضلا عن فقدانها وكنتيجة لآلية الفعل،التأطير والتنظير. وقد بدا هذا واضحا في السنوات الأخيرة التي عكست كمرآة،الانتقادين المذكورين على شكل مرارة وخيبة.
لاتستقيم قراءة الخيبة المذكورة وتحديد عناصرها ،أسبابها ومسبباتها،دون تفحص الأزمة الفكرية/الثقافية التي تسم وتبصم الأحزاب الديموقراطية بالتخصيص، كإطارات وحقل فكري/تنظيمي/سياسي، والتي قد تصل حدود أزمة المرجعية؟؟
بل ولا تستقيم القراءة هاته دون تفحص مجمل التغيرات والتبدلات التي طرأت على/وفي بنيتها الداخلية ومست أطرها وأعضاءها، بالنخر،الكسل،الشلل وعدوى الانتهازية والمنافعية وما إلى ذلك…إلى الحد الذي جعل معظمها (للأسف ) مجرد مقاولات وليس إطارات فعل وحراك اجتماعيين.
تحصيل حاصل:
يكون نصيب الإطار المفتقد لهاته وتلك من العناصر، المزيد من الإرتباك السياسي، الضبابية والتعويم النظريين في تقدير المراحل السياسية وممكناتها، قصد الفعل فيها والمشاركة النافذة في تأسيسها، خصوصا عندما يكون ميزان القوى المجتمعي/السياسي الضابط للمشهد العام السياسي في غير صالحها….
ويكون نصيب المجتمع في هذا كله وبالمقابل، المزيد من الإنكفاء على الذات ،والانشغال بالهموم اليومية ،على حساب السياسي وحتى الفكري، المقرر بالنهاية للمصير الأعم…بل والمزيد من التشردم وتكثّر التخريجات السياسية البائتة والإتجاهات الفكرية الماضوية ما إلى ذلك…أي عموما كل ما يساهم في تكريس المجتمع «الشعبوي « السائد وعرقلة قيام بديله:المجتمع المدني المُتوخى كركيزة أساسية للمجتمع الديموقراطي المُتوخى أيضا، وأيضا.

الكاتب : عبد الله ركيز - بتاريخ : 23/05/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *