ماذا لو يتقرر دعم العاطلين؟ !

اسماعيل الحلوتي

استوقفني كثيرا خبر نشر مؤخرا بأحد المواقع الإلكترونية المعروفة بمصداقيتها لدى جمهور القراء، حول مقترح قانون يقضي بإحداث نظام خاص بصرف تعويضات لفائدة الأشخاص العاطلين والباحثين عن الشغل أو الفاقدين عملهم لمدة لا تقل عن شهر واحد، على أن يستفيد منه من لا تسري عليه أحكام قانون التعويض عن فقدان الشغل، ولا يتقاضى أي تعويض مادي من أي مؤسسة عمومية أو شبه عمومية أو خاصة، تقدم به الفريق النيابي لحزب الحركة الشعبية.
وهو المقترح الذي أحيل على لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في انتظار موافقة الحكومة، للشروع في مناقشته والنظر في مدى إمكانية اعتماده مستقبلا. ونرى أنها مبادرة طيبة تستدعي مباركة الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية واتحاد مقاولات المغرب، باعتبارها خطوة جريئة نحو تخفيف الضغط عن العاطلين، الذين يترقبون مناسبة إثبات الذات والانخراط في تنمية الوطن، أو الذين فقدوا مناصب عملهم منذ شهر أو يزيد لأسباب خارجة عن إرادتهم، ومنها مثلا تفشي جائحة كورونا.
بيد أن أشد ما نخشاه هو أن تمتد إليه الأيدي الآثمة لخنقه، كما حدث لمقترح قانون مماثل سبق أن تقدم به حزب التقدم والاشتراكية قبل انسحابه من الحكومة، كان عرض على أنظار لجنة المالية والتنمية الاقتصادية للمناقشة بمجلس النواب خلال شهر يوليوز 2018، ليتم طمسه فيما بعد رغم إيجابياته المتمثلة في اقتراح دعم شهري لكافة الخريجين من حملة الشهادات العليا ومؤسسات التكوين المهني الوطني في وضعية البحث عن الشغل، وتحديد الاستفادة في تعويض مالي بقيمة 1200 درهم شهريا عن السنة الأولى و600 درهم في الستة شهور الموالية في حالة التجديد، شريطة تقييد أسمائهم في سجل خاص، يوضع رهن إشارتهم لدى العمالات والأقاليم، والالتزام بإشعار الجهات المسؤولة عند الحصول على الشغل.
والمغرب، فضلا عما يعرفه من مختلف مظاهر الفساد وارتفاع معدلات الفقر والأمية واتساع رقعة الفوارق الاجتماعية والمجالية، يعاني كباقي البلدان النامية من تفشي البطالة. ففي السنة الماضية 2019، كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن معطيات صادمة بخصوص ظاهرة البطالة، حيث أوضحت أن حوالي ثلثي العاطلين عن العمل 67,8 بالمئة في وضعية بحث عن الشغل منذ أزيد من سنة، وأن النساء أكثر من الرجال بنسبة 75,9 بالمئة، وأن المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و34 سنة أكثر من البالغين 35 سنة فما فوق بنسبة 71,1 بالمئة.
وأضافت ذات المندوبية في إحدى مذكراتها أن نسبة البطالة الأكثر ارتفاعا، هي المسجلة في فئات الشباب والنساء وحاملي الشهادات، إذ بلغ نسبة العاطلين 24,9 بالمئة لدى البالغين ما بين 15 و24 سنة و7 بالمئة بالنسبة لمن أعمارهم 25 سنة فما فوق. مؤكدة على أن حملة الشهادات العليا يتجاوزون بكثير حاملي الشهادات المتوسطة بنسبة 78 بالمئة، وأن ثلثي العاطلين يعتمدون في البحث عن مناصب الشغل على الأقارب والأصدقاء، فيما تقتصر نسبة 33,5 بالمئة على الاتصال المباشر بأصحاب المقاولات. وهناك كذلك نسبة 18,2 بالمئة تلجأ إلى المباريات والرد على الإعلانات، بينما تقصد 5 بالمئة فقط المؤسسات المختصة في الوساطة.
فالبطالة وفق تعريف منظمة العمل الدولية هي حالة الشخص المؤهل، الباحث عن العمل دون إيجاد الفرصة المناسبة والأجر المستحق، وهي كذلك التوقف اللاإرادي عن العمل إثر فقدان الشغل. وهناك تعريفات أخرى لمفهومها، باعتبارها ظاهرة اقتصادية تعاني منها المجتمعات التي تمر بظروف وأزمات اقتصادية على المديين القصير والمتوسط، أو على المدى الطويل عندما يرتبط الأمر بمحدودية الميزانية العامة وثقل المديونية وضعف السياسات العمومية، كما هو الحال بالنسبة لبلادنا، التي بلغت فيها نسبة البطالة 10,5 بالمئة من إجمالي القوى العاملة خلال الربع الأول من عام 2020، بعد أن كانت محددة في 9,1 بالمئة خلال نفس الفترة من سنة 2019. وأمام عجز الاقتصاد الوطني عن خلق وظائف كافية ومناسبة، أضحت أزمة البطالة في السنوات الأخيرة تشكل مصدر قلق واحتقان، بفعل تنامي مشاعر التذمر والإحباط. وصار لزاما على الحكومة الانكباب الجاد على اجتراح الحلول المناسبة، لمواجهة تداعيات هذه المعضلة المؤرقة.
من هنا يستدعي الواجب الوطني التصدي لكل أسباب تصاعد موجة التوتر الاجتماعي، والتي يأتي في مقدمتها أزمة البطالة وخاصة في صفوف حملة الشهادات الجامعية، الذين ما انفكوا يطالبون بحقهم الدستوري في الحصول على فرص شغل مواتية لمؤهلاتهم. لاسيما أن ملك البلاد لم يفتأ يدعو إلى ضرورة الاهتمام بفئة الشباب وبلورة سياسة مندمجة لفائدتهم، وأن صندوق النقد الدولي إلى جانب البنك الدولي يشددان في عدة مناسبات على وجوب الحد من مستويات البطالة ومعالجتها بالجدية اللازمة…
نحن مع اعتماد نظام خاص بصرف تعويضات للأشخاص الباحثين عن الشغل والفاقدين عملهم، على أن لا تتأخر السلطات الحكومية بموازاة ذلك في بحث السبل الكفيلة بتجاوز الاختلالات القائمة وخلق فرص شغل كافية وملائمة، من خلال فرض ضريبة على الثروة، منع تعدد الأجور، مراجعة أجور كبار الموظفين وتعويضات البرلمانيين والوزراء وإلغاء معاشاتهم، محاربة كل أشكال الفساد، إعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية بما يتواءم ومتطلبات سوق الشغل، تفعيل مقتضيات الدستور من حيث الحكامة الجيدة والنزاهة والشفافية وربط المسؤولية والمحاسبة، التعجيل بصياغة نموذج تنموي يرتكز على آليات تساهم في تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية…

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 30/06/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *