كيف تكونون أبطالا في وطن ترفضون جنسيته؟

طالب ناصر الزفزافي ومن معه، بسحب أو إسقاط الجنسية المغربية عنهم..
ناصر الزفزافي معتقل على ذمة أحداث الريف، وقد قرأ والده بلاغ المطالبة بسحب الجنسية.
المعني بالأمر هو أول من يعرف بأن القانون المغربي لا يتيح سحب الجنسية من أحد، وهو يعرف بأنه، في نطاق هذا القانون، لا أحد يموت غير مغربي..ولهذا تناقش رمزية الحدث أكثر مما تناقش مضامينه وإجرائيته.
وقبل ذلك لا بد من التذكير ببعض البدهيات التي طبعت تدبير ملف معتقلي الريف:
– أولا، لقد كان الاتحاد واضحا، عندما اعتبر على لسان كاتبه الأول أمام مؤتمر المحامين الاتحاديين، ثم في البيان الصادر عن المؤتمر، في اعتبار الأحكام الصادرة قاسية، داعيا في الوقت نفسه المجتمع الحقوقي إلى تكثيف الجهود من أجل إطلاق سراح المعتقلين.
– ثانيا، لقد تفاعلت مؤسسات الدولة المعنية بالمسألة الحقوقية، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع الروح الإيجابية العامة، وتم استقبال عائلات من تبقى من المعتقلين، ومنهم والد ناصر الزفزافي، في أفق صفق له الجميع واعتبره إرهاصات مشجعة على الأمل…
-ثالثا، لم تغب المسألة الحقوقية، بالرغم من الوقائع التي عرفها الجميع عن الحلقة السياسية المعنية بالملف، وعليه فإن ما يطرح للنقاش هو فعلا رمزية الحدث المتعلق بالطلب بسحب أوإسقاط الجنسية، أكثر من مضامينه وإجرائيته.
وفي إطار الرمزيات، هل هناك مبرر لطلب كهذا، هل سبق لأحد من المناضلين الأكابر، ممن ظلموا أو نفوا أو شردوا
أو صدرت ضدهم أحكام بالإعدام…أو تألموا لوطنيتهم أن أقدموا على طلب مثل هذا؟
لا يوجد منهم أحد..
ولن تجد منهم أحدا..
هل سبق أن وجدت دولة ما نفسها أمام معادلة من قبيل: الجنسية مقابل الحرية؟
أبدا .…
لا توجد دولة قابلت مثل هكذا طلب من »مناضليها« الأفذاذ، بل لا توجد دولة، وُضع مواطنوها في حرج أخلاقي من هذا القبيل، لاسيما إذا ما اعتقدوا، في لحظة من اللحظات، بالفعل، بأن قضية ناصر ومن معه عادلة!
كيف تكون بطلا وتفصل نفسك عن وطن من تدافع عنهم، ووطن من تقيم دليل ثوريتك على أساس الدفاع عن حقهم في وطنهم؟
وهل يمكن أن نتصور، في أكثر بلاغات التخييل، أنه إذا سقطت جنسيتك، بقدرة ساحر ما، يمكن أن يظل الريف واقفا معك؟
لا أحد يمكنه أن يتصور بأن من الممكن أن يظل الريف معكم إذا ما غادرتم وطنيته وجنسيته المغربية..
إن القضية لا يمكن أن ترقى إلى تهديد البلاد، بجنسية مواطنين من مواطنيه، مقابل ما يمكن أن يتحقق بالقانون أو بالسياسة أو بالترافع الاجتماعي.
هذه منطقة خطيرة للغاية، قد تسقط أية شرعية عن طبيعة المشاركة في الحراك منذ الأصل..
لقد أخطأ المعتقلون أصحاب الطلب في الظرفية السياسية كذلك، مع خطابين ملكيين ثقيلين في تاريخ البلاد ومعنى الانتماء إليها، في مرحلة جديدة تلوح في الأفق، كان من الممكن أن التفكير السليم يمكن أن يشجعهم على أن يكونوا جزءا منها لا أن يعادوها قبل انطلاقها.
كما أن تفاعلات الوضعية، منذ مقتل المواطن النبيل محسن فكري، وإلى أن تطورت الأشياء إلى ما تطورت إليه، بينت بأن منطق التوازن بين القوة حاضر في تدبير ملف ليس سهلا، كانت إحدى علاماته إسقاط رؤوس سياسية ما كان أحد يظنها قابلة للسقوط، ومسؤولين من درجات رفيعة من بينهم أبناء مخلصون للدولة، وتفاعلات قوية عرفت بالزلزال السياسي،
وهي أمور لم تحدث في تاريخ المغرب، إلا نادرا، وكان من الممكن أن تكون عنصر تفكير في القضية وفي المواقف، لكن ذلك لم يحصل، وخرج أصحاب البيان من معادلات كبيرة، وحشروا أنفسهم في منطقة حادة، لا يمكن أن يدخلها الريف الكبير، العزيز، الرفيع الذي لا تسعه إلا قلوب المغاربة كلهم..
لقد تعلمنا أن المناضلين يصارعون أعتى آلات القمع والإقصاء، وهو مالا يقع اليوم بنفس الدرجة، وأقسى أنواع الظلم دفاعا عن حقهم في وطنيتهم وجنسيتهم، ولعل الجميع يذكر أبراهام السرفاتي، وماعاناه من الدفاع عن جنسيته المغربية، وهو دليل كفيل بأن يقيم الإنسان الفرق بين الاندماج التام في الدفاع عن حق الجنسية، الشرعي والنبيل، وبين الانتماء المشروط بالوضع السياسي.
إن الشعور بالإحباط أو بالظلم حتى، لا يمكن أن يبرر طلبا من هذا القبيل، لا يمكن أن يرفع من القدرة التفاوضية ولا من درجة التضامن، بل هو نسف ذاتي لقاعدة الحراك: الحق في الوطن وفي كل الوطن……
والسؤال العميق:كيف تكونون أبطالا في وطن ترفضون جنسيته؟
لا يمكن أن تجدوا له جوابا بموقف كهذا……

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *