السلوك الوزاري والمسؤولية الحكومية؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يعتقد كثيرون منا بأن بعض الوزراء يملكون سلطة كبيرة في خلق الأزمات، لكنهم لا يملكون ما يكفي من المسؤولية لحلها أو الاعتذارعنها..
مرد هذا الشعور، هو ما يجري اليوم في قضية بعض الوزراء ، ومنهم المكلف بحقوق الإنسان الذي كان موضوع الخبر الذي يقول بأن اللجنة الأخلاقية لحزبه قد استدعته لتقديم التوضيحات الضرورية. ، بخصوص فقيدة مستخدمة عنده رحمها الله ، لم يتم تمتيعها بالتسجيل القانوني الاجباري في صندوق الضمان الاجتماعي.
وهو أمر – المقصود الاستدعاء- لا يمكن لأي أحد أن ينكر قوته الرمزية و تأثيره الإيجابي في التقدير الذاتي لدى أنصار ومنخرطي الحزب.
غير أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ، هو :ماذا لو تمت تبرئته حزبيا، فهل يمكن أن يسري نفس المعيار على التدبير الحكومي.. وبالتالي يكون الجهاز التنفيذي، وهو جهاز دستوري أكبر من الاحزاب ،منفذا فقط لما سيحصل داخل أروقة التنظيم؟..
بالنظر إلى أن الأمين العام هو في نفس الوقت رئيس الحكومة..
والعكس أيضا صحيح، في حالة أصدر الحزب قرارا عقابيا في ممثله في الحكومة، أي أن التبرئة الحزبية لا تلغي المحاسبة الحكومية ؟
وأيا كان الجواب، نحن أمام تمرين ، فكري وذهني غير مسبوق ربما في تاريخ حياتنا الحزبية، بين وضع وآخر..
للمحاسبة الحزبية، أهميتها، فهي التي تُفعِّل التعاقد بين الوزير وحزبه، وهي أيضا تحدد ما يترتب في ما بعد عن مسؤولية تصرفات الوزير في ما قد يقع للحزب، الذي يدفع الفاتورة، سلبا أو إيجابا.
وهذا بالفعل ما يصنع المعنى السياسي للحكومة، وهو ما يعني أيضا تفعيل »المنهجية الديموقراطية« حقا، لا جدالا، في وجود السياسيين في الفرع الحكومي من مؤسسات الدولة.. إلخ.
غير أن إسقاط المسؤولية الحكومية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم التسليم به.
فرئيس الحكومة مطالب بأن يعلن عن موقف، يُفعِّل فيه بند الضمير العام للجهاز ، لا سيما وأن الدولة معنية بكل تفرعات التصرف الذي قام به الوزير كالتمثيلية، التضامن الاجتماعي، تطبيق القانون .. إلخ إلخ، وهي أمور تهم التسيير الحكومي، بطبيعة الحال.
ثانيا، الحزب والحكومة لا يمثلان كيانا واحدا، وهناك تمييز قائم سياسيا وتنظيميا ومفاهيميا بينهما، وبالتالي لا يمكن أن نقف عند موقف الحزب من سلوك وزيره، بل عند تضرر الحكومة معه، اللهم إلا إذا كنا نؤمن بأنه ليس هناك مسؤولية جماعية للحكومة…
دفاعا عن السياسة ، يكون الائتلاف الحكومي مطالبا ، في شخص رئيس الاغلبية بالدفاع عن صورته، وقد يلزم بها حزب الوزير.
بمعنى آخر لا يطلب منه أن يتولى الدفاع عن الوزير الرميد بل أن يتحقق من مدى إخلاله بالاقتسام الدستوري للمسؤولية.
سيتحقق هذا الفرز العظيم، عندما يتقدم رئيس الحكومة بتفعيل الفصول ذات الصلة بالمعنى العميق للمسؤولية.
لحد الساعة لم تتم محاسبة سوى من قرر الملك إعفاءهم، وهو أمر لا يمكن أن يظل مخرجا لرئيس الحكومة من مسؤوليات وزرائه .فالدستور واضح بخصوص من يقترح الوزراء، والدستور واضح ايضا حيث ينص على كون رئيس الحكومة يمارس السلطة التنفيذية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء «الفصل 90 من الدستور».
وهو الذي يرأس مجلس الحكومة الذي يتداول في القضايا والنصوص ذات الصلة بالسياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري، السياسات العمومية، السياسات القطاعية، القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام… ولنا في القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الانسان مدخل جيد للمسؤولية..
2- الأمر، من جهة أخرى، يتعلق بالثقة، وهي هنا ليست مسألة معنوية أو سلوكية متجردة بقدر ما هي خاضعة للتقدير البرلماني، لهذا تكون عرضة للتصويت من جديدكلما كانت هناك حاجة إليها…
الثقة، هي التزام حكومي أمام البرلمان مبني على عدة إعلانات مبادئ تهم الحياة العامة وتخليقها وتثبيت دولة الحق والقانون وحماية الحقوق العامة، في البرنامج الحكومي تصريحات من هذا القبيل تعتبر تراثا سياسيا وأدبيا لا ينضب …
وفي الحكومة خطأ الواحد، لا يلغي المسؤولية الجماعية بكل تلخيص!
إن ذلك ما يعطي الناس الحق في متابعة، بل محاسبة وزرائهم واعتبار أن حياتهم تعنيهم بالدرجة الأولى.
كما أن السلوك يكون امتحانا للسياسة برمتها، فقد تحصل الثقة المؤسساتية العامة الشاملة ، لكن لا يمكن إسقاط الحكم العام للناس، ولحسن تقديرهم الذي يجعلهم يعطون للكلمات والتصريحات والبرامج معناها الحي ،سلبا أو إيجابا.
قد يخرج حزب رابحا من هذا التقابل بين مسؤولية الوزير أمامه، ومسووليته أمام الرأي العام ومكونات الائتلاف الحكومي، وقد يخرج خاسرا، لكن في كلتا الحالتين تكون الحكومة خاسرة، إذا هي لم تصنع النهاية المنطقية بأعين الناس وبناءً على معيار عمومي، ووطني متفق عليه مؤسساتيا وليس حزبيا محضا ينحصر تقديره بين المناضلين فقط.
نحن أمام امتحان يومي في ارتباط مع سلوك الوزراء الفردي. فالوزير تكون له سلطة كبيرة اثناء الخطأ و لكن تكون له مسؤولية ضعيفة في تقديم الثمن عنه … والذي يجب ان يقوم بذلك، هو المؤسسة الدستورية ممثلة في الحكومة..
وهذا ما يعطيها قوة مؤسساتية وسياسية، وليس التنابز الدائم مع التقنوقراطي أو مع العفاريت…
إن بناء الشعور الجماعي للمسؤولية ، لا يكون بميثاق لا يفعل،ولا بأغلبية لا تجتمع، بل بسلوك موحد مبني على أداة موحدة هي ملكة الحكم jugementباللغة الكانطية…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/06/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *