هوامش على تدوينة الوزير التي أعادتنا الى الفردوس الذي خرجنا منه…

عبد الحميد جماهري

للمسيح قولة شهيرة، لما كان يدعو الله وهو ، حسب الإنجيل مصلوبا، ينتظر من الحواريين أن يصلوا من أجله، أنْ قال إن l›esprit est prompt mais la chair est faible، أي أن الروح تواقة لكن الجسد ضعيف، ذلك أن الأصفياء ناموا وتركوه يناجي ربه…وحيدا.
هو ذا الحال الذي يمكن أن تكون عليه الصحافة الورقية تحت الحجر، وبين دعوات العودة إلى النشر.
فقد رمى وزير الثقافة والشبيبة والرياضة، حجرا كبير في بركة النشر الصحافي، بتدوينة له فهم منها الرأي العام أن الوزارة لا ترى مانعا في العودة إلى الطبع والنشر والتوزيع، ابتداء من يومه الثلاثاء.
وإذا كان هناك ما يسر الصحافيين والعاملين، بالفعل، فهو العودة إلى عاداتهم الأليفة ومجالهم الحيوي، وتعبهم الذي لا تستغني عنه المهنة، لأنه في جيناتها وموروثاتها منذ بدأت .
غير أنه لا يمكن أن نعود إلى ما كنا عليه في ظل غياب «ما كنا» عليه ذاته..!
ونقصد به سلسلة من الإجراءات التي تكون فيها عملية الطبع ذات سلاسة حقيقية تنضبط لها المهنة. وهذه السلسلة هي:
أولا: القراء المحترمون، سادة مجهودنا وضمير المهنة والمعيار الذي من أجله وجدت المهنة، أين هم الآن في المنظومة التي تقترح الوزارة العودة إليها؟
المغاربة تحت الحجر الصحي، ورهن الطوارئ، ونعتقد بأن القراء، الشريحة التي تستهدفها الصحافة من وراء العمل المهني والغاية من الوجود، هم جزء من الذين يسري عليهم الحجر، ولا يمكن أن يستثنى القارئ نفسه بدعوى الرغبة في القراءة من الحجر المفروض، والذي من أجله تعبأت الدولة والأجهزة والسلطات، في كل مكان، ولم يستثن منه الصحافي نفسه في لحظة من اللحظات.
حتى في اقصى الحالات، لا يمكن أن نخضع القارئ، كما أخضعنا الصحافي للاستثناء.. لكي يخرج من أجل الجريدة أو المجلة للاقتناء، ممتشقا رخصة قراءة ممنوحة من رجل السلطة.
ثانيا:الموزع المحترم، والذي ناب عن نفسه في رشح وضعه. إذ عممت «سابريس سوشبريس» مذكرة تعطي فيها رؤيتها للوضعية بعد تدوينة الوزير. ويستفاد منها أنها ستشرع، ابتداء من اليوم، في التعامل مع المستجد الذي فتحته الوزارة لكن بدون قناعة عميقة حول العودة إلى ما كان سابقا.. ويمكن أن نجمل العمق في رد الشركة الموزعة في الملاحظات التي عممتها على المطابع والصحف، ومنها:
-أن خططها كانت تتوقع استئنافا تدريجيا ابتداء من نهاية فترة الحجر المقررة في 10 يونيو في الساعة 6 مساء، وهو الأفق العام، الذي خلقته قرارات الدولة المغربية بخصوص الوضع في البلاد.
– وأنها في انتظار إعادة فتح الأكشاك ونقاط البيع، والتي من المحتمل أن تبقى مغلقة حتى 10 يونيو، وهو التاريخ المقرر لنهاية الحجر الصحي، ما لم يصدر قرار إداري لفتح نقاط البيع التي صنفت من قبل السلطات كغير أساسية…!!! .
وهنا تريد مذكرة الشركة بالكاد أن تخفي السؤال المركزي الذي لم يجب عنه السيد الوزير: أين القرار الحكومي الذي يفتح الباب لاستئناف النشاط المتعلق بالبيع والتوزيع ؟
وهو ما ينبغي على الوزير أن يجيب عنه، باستشارة السلطات المخول لها الأمر في ما يتعلق بنقط البيع..
وإذا كنا نتغاضى عن قرار السلطات باعتبار نقط البيع الصحفية «كغير أساسية»، فإننا نتساءل في المقابل عن مدى التغطية السياسية الحكومية لقرار الوزير في حالة عاد إلى بقية أعضاء فريقه الحكومي يعرض القضية عليهم.
وإلى جانب نقاط البيع، ومن أهمها المقاهي، والتي لا تتوفر فيه شركات التوزيع على التاريخ الذي سيتم فيه استئناف نشاطها، مع العلم أن حجم مبيعاتها جد مهم، نجد عنصرا آخر الذي لا يقل أهمية ولا يمكن تجاوز البحث له عن جواب هو موقف المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة من السماح بتسليم الصحافة الورقية، والسبب هو اعتماد عدد كبير منها على أسلوب «العمل عن بعد» من ناحية، وكذلك التدابير المتخذة للحد من تداول الورق داخل المؤسسات من ناحية أخرى…
ثالثا :النقل والتنقل.. ففي جزء أساسي من عملها تعتمد شركات التوزيع على السكك الحديدية، بل تعتمد توقيت الأسفار السككية علامة في تحديد علاقتها مع اليوميات، وهو ما تعرفه كل المطبوعات، وكما يتحدد زمن وصولها إلى كافة التراب الوطني، والحال أن القطارات اليوم في حالة توقف، ولا شيء ينبئ بأنها ستستأنف أو تعوض حركتها بحركة أخرى، الحافلات التي تنقل بدورها الصحف وتوزعها عبر التراب الوطني، لا تتحرك، بمقتضى قرار وزارة الداخلية الذي يمنع الحركة بين الأقاليم.
وهنا نذكر الوزير بأن السي عبد الواحد لفتيت صرح في معرض الجواب عن سؤال القرار المتعلق بالتنقل بين الأقاليم بأنه «آخر قرار يمكن أن يراجع في حالة رفع الحجر الصحي».
إذن: ماذا سيقول الوزيران لبعضهما البعض في هذه النازلة؟
إن التداول في أوساط المهنة، لا يرتبط بإرادة طوعية أو بقرار إرادي أن نعود أو لا نعود، بقدر ما هو مشروط بالوضع العام، والذي صار عاديا في تكراره.. وما لم يتم الجواب عنه، فإن القرار سيبدو سابقا لأوانه ولا شك، وليس له ما يبرره، في وضع الاستعجال الذي وضعنا فيه الوزير.
لقد سبق للوزير الذي كان يشغل نفس المنصب أن سارع بواسطة قرار عبر تدوينة، إلى إغلاق الطبع وتوقيف النشر، والوزير الحالي يريد أن يصلح الأمر، بعد الاستماع إلى زملاء لنا تحذوهم الإرادة الطيبة في عودة الصحافة إلى حبرها العادي، غير أن الشروط التي تعمل فيها المقاولات لا ترتبط بها حصريا، كما قد يكون مع مقاولات أخرى، ونحن ندري أن التعامل مع المقاولات غير الصحافية خضع لتقدير عميق وربما تشاور طويل النفس حول ما يقتضيه الوضع..
والصحافة المكتوبة، لها اليوم فضاءات أساسية للتشاور وصناعة القرار، وهي الفيدرالية، والمجلس الوطني، وفي الشق النقابي، النقابة الوطنية… إلخ، ونحن نرى أن التدوينة الوزارية مناسبة لفتح نقاش أوسع حول تطبيع وضع الصحافة المكتوبة الورقية، وهي مناسبة للاستماع إلى التحولات العميقة التي سوف تجتاح المهنة، وتلزمها دراسة وحوار عميق، له حكماؤه وهيئاته والمعنيون به، وهي بالأساس مكونات الرأي العام للصحافة المكتوبة، هي صحف الديموقراطية والتعددية في العالم كله … دراسة لها عرابوها الذين رافقوا المهنة من بداياتها، والذين لا بد من العودة إليهم، كما أن الدستور والقوانين التنظيمية والتعددية وضعت مؤسسات التفكير في هذه المهنة النبيلة والنموذج الاقتصادي الذي تقتضيه، ومن الضروري العودة إليها للذهاب أعمق، برصد التحولات والتغيرات التي ستطال »انتروبولوجيا« القراءة.. في زمن انتروبولوجي بامتياز !!
فالنموذج الصحافي الجديد لا يمكن استثناؤه من التفكير الوطني اليوم، حول ما بعد كورونا، جماعيا وفرديا… وهو لا يطيق الارتباك الحكومي المسجل منذ البداية مع هذا العنصر المهم في تقدير المناخ الديموقراطي والتعددي في البلاد..
إنها مهنة المتاعب،وأحيانا جحيم المتاعب ومع ذلك كنا نعتبر بأننا كنا في ….الفردوس وقد خرجنا منه، ونود ككل المؤمنين أن نعود اليه..!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 26/05/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *