والثقافة في زمن كورونا؟

عبد الحميد جماهري

في عز الحرب العالمية الثانية طرحت إشكالية الثقافة والإنفاق العمومي على واحد من كبار القادة فيها، وهناك من طلب منه أن يقلص من ميزانية الثقافة باسم الحرب، قال ونستون تشرشل، الشهير بعبارته اللادغة وذكائه الاستراتيجي الخارق: إذا كنا نضحي بثقافتنا، فلماذا نخوض الحرب إذن؟
تتكرر هذه المقولة عادة أمام الكثيرين، ومنهم هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه، ولا تعني الكثير اليوم، مع الجائحة، ومع اليباب الذي يحيط بالثقافة والشأن الثقافي وقضايا الثقافة، تلمع الفكرة بعبارات وجمل من ذهب ومداد من فخر…
ونطرح السؤال: إذا كنا نحارب كورونا وننسى الثقافة ما الذي يبقى من بعد أن نحيا؟
ليست السياسة وحدها التي تقلص وتسبب ضمور الثقافة في اليومي،
أو القابض المالي وحده، إنه أيضا الحجر ذاته ونزوعات الناس عندما يجدون أنفسهم في جدران بيوتهم محاصرين بالتشابه، يميلون إلى تعويض حسي إدراكي للحركة التي فقدوها، يميلون إلى صور تتحرك على الشاشات والهواتف النقالة والألواح…
سيميلون إلى السمعي البصري، الذي ينقل إليهم العالم الخارجي، وربما العالم البعيد زمنيا ومكانيا.. في كرونوتوب تعويضي هو بدوره…
لا تكبر شهية الكتاب ولا تسجيل اليوميات التي، تدخل بسرعة إلى التعود والألفة، اللهم إلا إذا وقعت أشياء في السياسة قليلا…
يقاتل أصحاب المطابع من أجل إسماع صوتهم، يقاتل أصحاب المكتبات أيضا، وهو قطاع يوظف ما لا يقل عن سبعة آلاف نسمة…
لم يخطر ببال أحد بعد أن توضع أمور هذا القطاع على طاولة الإنقاذ.
دول أخرى اختارت وضوحا مستفزا، كما هو حال الاشتراكي الإسباني وزير الثقافة رودريغيث اوريبث، الذي قال مستشهدا بالمخرج أورسن ويلز الحياة أولا، ثم السينما، قبل أن يتراجع تحت الضغط ويعدل تصريحاته بما يرضي الكتبيين والمثقفين، بدون شيء يذكر على مستوى دعم القطاع.
تحضرنا هذه المقولات بحمولتها وسياقاتها الوطنية، ونتساءل: متى يمكن للثقافة أن تحظى بنقاش عندنا في سياق الأزمة؟
يبدو الجواب المنطقي، قبل أو بعد كورونا، يمكن للثقافة أن تكون مادة ذات حيوية أولوية، كما كتب ميشيل غيران..
لا مهرجانات في الأفق، لا مكتبات في الرصيف، ولا منشورات ولا قاعات سينما، ولا متاحف، تبين بأن الثقافة في كل تمظهراتها الخارجية، حيز للتجمعات الكبرى، ومبرر معقول للفيروس.
إنها تجمعات بشرية عديدة، اللهم إلا في المجالات الفردية، التي تجد نفسها بنفسها وتتفردن لذاتها لا للجميع.
الثقافة جامدة، ككل الأنشطة؟
لا هي أكثر، إنها غائبة في التفكير وفي التقرير بخصوص ما سيلي.
الثقافة حاضرة، بطبيعة الحال، عبر السينما والتلفزيون من داخل البيت، كما يمكن زيارة المتاحف أو المكتبات، كما هو الأمر الذي قامت به المكتبة الوطنية ووضع آلاف الكتب رهن الإشارة، وكذا طرق سيارة في الشبكات لوصول أفضية عديدة للعرض الثقافي…بعض الحيوية الافتراضية، أيضا، دخلت إلى الحيز التداولي عبر أنشطة ثقافية في الشبكات، كما هو حال البرنامج الثقافي للمديرية الجهوية بالدارالبيضاء – سطات، لكن هل سينقذ ذلك المثقفين والفنانين بالأساس والعارضين والكتبيين؟ هل هناك أفق للعيش قبل الخلود؟
كيف نعيش اليومي العابر، التفكير في الخلود من بعد، يتساءل الفنانون والمسرحيون والمغنون والعارضون والكتبيون وعمال المطابع نشر الكتب؟
أية أجندة في الأفق؟
لا أحد يمكنه أن يخمن، مع العلم أن القطاع الثقافي، لم يستطع أن يضمن لنفسه استقرارا وظيفيا ووزاريا طوال السنين الأخيرة، يمكنه من خلاله وضع استراتيجيات طويلة الأمد، تتجاوز التغييرات التي يفرضها التوازن السياسي والوظيفي في الحكومات…
كنا قد بدأنا نضع التصورات لثقافة منتجة للثروة المادية قبل اللامادية، والمساهِمة في الناتج الداخلي الخام والقادرة على ضمان مناصب الشغل القارة…
نعود من جديد إلى ماسبق بعد الأزمات تبرز الحاجة الملحة للعودة إلى الثقافة والاستثمار المادي واللامادي فيها…
في حدود الآن، عندنا الإعلان عن فتح الترشيح للدورة 52 لجائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2020، في أفق الإعلان عن النتائج نهاية شهر أكتوبر 2020.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 06/05/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *