حتى لا ننسى: دَمَ الأمن عَرقُ الأبطال!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

الدم هو عرق الأبطال، هكذا تقول حكمة بالغة وبليغة. لكن الدم، عندما يضاف على عرق العمل، وبطولة الموقف، يكون له نبل لا يضاهى.
نقول هكذا، ونكتب هذا، ببلاغة الاعتراف، وبساطة الإيجاب، من الخطوة التي أقدم عليها الأمن الوطني في يوم أمس.
فقد بادرت الإدارة الوطنية للأمن إلى فتح عملية التطوع بالدم، في هذا الظرف بالذات، في مبادرة راقية، عالية.
ليست عملية ماركوتينغ مؤسساتي، يحكم عليها بالمردودية الإعلامية، أو بالذكاء التواصلي، إنها في التقدير السليم للمرحلة، انحياز شهم إلى الوطن، ودليل على النبل العميق.
في البداية، ومنذ البداية، كان نساء وكان رجال الأمن، وكل أطياف القوى العمومية في الميدان عندما دخلنا كلنا مساكننا، كما دعتنا نملة سليمان ودعتنا دولتنا الاستباقية، خرجوا وخرجن، بإيمان برسالتهم/ن ودفاعا عن سلامة اليومي لخدمة الأبقى.
قلنا يكفيهم فخرا أنهم يرابضون إلى جانب إخوانهم وأخواتهم من الطيف الأمني وباقي قوات البلاد وأجهزتها، في ساحة المعركة، ليل نهار، وقد خلفوا كل عزيز وراءهم والتحقوا بمن هو الأعز: الوطن.
كنا نرى الوطنية الأمنية، والمواطنة الأمنية، تلك التي رفعنا قدرها سابقا (انظر مقالا في الموضوع في الاتحاد ) في زمن السلامة والدعة، تمشي على قدمين… كانوا يضعون أجسادهم سورا للوطن !
قلنا يكفيهم فخرا أنهم يحملون قلوبهم بين أيديهم وينزلون إلى كل ركن في البلاد للتحصين والتمكين. ثم في غمرة التقاسم الوطني، le partage national، دفعوا من ماهياتهم، وشاركوا في المجهود الوطني المالي، عبر الصندوق الذي أنشأه ملك البلاد لتأمين المواجهة الشرسة مع الفيروس.
اقتطعوا من أرزاقهم لكي يكونوا في موعد الواجب وأضافوا إلى عرقهم رزقَهم.
قلنا، لو اكتفوا بمهمتهم النبيلة وأدائها كما يفعلون الآن، فذلك أكبر ما يقدمه المغربي …الآن……
غير أنهم أدهشونا بأن قدموا للوطن أيضا جزءا من مستحقاتهم، في صندوق الدفاع، والآن، الآن، يتبرعون بدمهم لكي يسري في عروق بلادهم.
وبلادهم تعرف، ممتنة، أنه حيث يجري دمهم، حيث يتدفق دمهم، لا يمكن أبدا أن يكبر النسيان.
لن ننسى هذا النبل المضاعف.
وهو نبل، مضاف له أيضا من الصرامة المؤسساتية: لم يتردد المسؤولون عن المؤسسة الأمنية في فتح تحقيق في النوازل العنيفة، التي سجلت في العمل على احترام الحجر الصحي، فهذه مؤسسة اختارت أن تكون قوية، باحترام المغاربة والتضحية من أجلهم وتقديم دمها لفائدتهم وليست بالعنف ضدهم، ليست المبادرات معزولة إذن.
ولا هي ظرفية، إذن.
ولا تضحي بالحق في المعاملة الكريمة من أجل تأمين الحياة، ولا تضحي بالحرية من أجل سلامة الجسد، بل هي تلتزم بمكامن القوة الأخلاقية أكثر من العنف المشروع!
العالم كله الآن، يصر بأن “الصحة هي شرط الحرية”، ومع ذلك لم يفرط الأمنيون في الحرية، كشرط للصحة، هل نبالغ، هل نعطي للأشياء حجما أكبر؟
أبدا، كلا، الواقع أننا نعيش تحولات أساسية منذ مدة، تكشف الظروف الحالية عن جوهرها الإنساني العميق هو المؤسساتي الذي لا يمكن أن تغفله حاسة الذكاء المغربي الجماعي.
هي فرصة، أيضا، للوقوف عند تلك اللقطة التي تفعم القلب: رجال شرطة، ليلا، يصطفون لتقديم التحية لمواطنين دخلوا بيوتهم والتزموا بالخطة الوطنية للاحتراز. لقطة بألف كتاب وألف عبارة، لقطة تيار عاطفي إنساني بلاغي، أضاء ليل البيضاء تلك اللحظة…
وهنا. تتضح المعادلة الأكبر: الأمن، كما كتبنا عند مناقشة الميزانية، ليس ضدا للمسألة الاجتماعية، والمعادلة التي أريد لنا أن نزج فيها:الأمن. مقابل المسائل الاجتماعية، تجد اليوم تفنيدها الأكبر، وإلغاءها المادي الملموس.
نحن مرتبطون الآن بالدم، بالنبل، بالمعنى العميق للوطن…
التضحية بعرق العمل
التضحية بعرق البطولة
التضحية برزق الله
التواضع الأخوي الرفيع…
عهدا، لن ننسى!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/03/2020