ثلاث قصص قصيرة جدا

كلمة المرور

اختار بعناية الكلمة السرية الخاصة بالمرور إلى حسابه الخاص في صفحة التواصل الاجتماعي.
كان متيقنا من أنه لن ينساها أبدا، كما قرر أن لا يغيرها مهما كان الأمر.
اعتاد على الدخول إلى حسابه الإلكتروني الخاص.
مرت عدة سنوات وهو يدخل إلى ذلك الحساب بواسطة الكلمة السرية نفسها.
صباح ذلك اليوم، أراد كالعادة الدخول إلى حسابه الالكتروني، كان الجواب حازما وسريعا:
«كلمة المرور خاطئة، حاولوا مرة أخرى»
حاول للمرة الثانية والثالثة والرابعة ووو.. إلى أن بلغ الحد الأقصى للمحاولات؛ فتم إغلاق حسابه مؤقتا.
كان متأكدا من أن كلمة المرور هي نفسها؛ فكيف يقولون إنها خاطئة؟
كان عليه أن ينتظر مرور أربع وعشرين ساعة؛ ليكون بإمكانه إعادة المحاولة.
انتظر بفارغ الصبر، وكان الجواب مرة أخرى حازما وسريعا:
.»كلمة المرور خاطئة، حاولوا مرة أخرى»
اعترف لهم على مضض بأنه نسي كلمة المرور؛ فتلقى حزمة من الأسئلة:
«ما هو تاريخ اليوم والشهر والسنة التي ازداد فيها؟ من بين الوجوه المعروضة عليه التي قبل صداقتها خلال الثلاثة أشهر الأخيرة؟ ما هي آخر التعاليق التي وضعها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة….؟»
أسئلة كثيرة اضطر إلى الإجابة عنها إلى أن أصابه الدوار.
حين انتهى من الإجابة بشكل صحيح عن كل الأسئلة التي عرضت عليه، تلقى الأمر بأن يغير كلمة المرور. طلب منه مجددا أن يؤكد على صحة كلمة المرور الجديدة.
أخيرا استطاع أن يدخل إلى حسابه الخاص في صفحة التواصل الاجتماعي، قال لصديقه الذي يجلس بجانبه:
«القهوة على حسابي اليوم هههها، لقد تمكنت من استرجاع الفايس بوك ديالي».
رفع رأسه عن شاشة هاتفه وهو يقول له:
.»مبروك، هذا حدث سعيد، خاصو حفلة كبيرة»
في مساء ذلك اليوم، قبل الذهاب إلى النوم، أراد كالمعتاد فتح صفحته الخاصة بالتواصل الاجتماعي، جاءه الرد سريعا:
.»كلمة المرور خاطئة، حاولوا مرة أخرى»

200 درهم

لم يكن في جيوبه من النقود غير ورقة واحدة من فئة مائتي درهم.
حاول القيام بصرفها في الدكاكين القريبة قبل التوجه لركوب سيارة الأجرة، لكنه لم يتمكن من ذلك.
ظل طيلة المسافة التي قطعها بواسطة سيارة الأجرة؛ حائرا، يتساءل في قرارة نفسه:
.»هل سيكون معه الصرف يا ترى؟»
عند الوصول، التفت إليه السائق في اندهاش بعد أن لمح الورقة النقدية:
«واش ما عندكش الصرف؟»
أجابه بخجل:
«لا يا سيدي.. هي اللي كاينة»
انتفض السائق:
«وعلاش ما قلتيهاش لي قبل ما تركب؟»
ثم أضاف:
.»صافي غير سير بلا ما تخلصني»
شكره وأعاد الورقة النقدية بهدوء إلى جيبه.
في ذلك اليوم، كل الذين تعامل معهم: بائعة الرغيف، النادل في المقهى القريبة من مقر عمله، صاحب المطعم في وسط المدينة، صاحب الكشك، سائق سيارة الأجرة لدى عودته في المساء إلى بيته.. كل هؤلاء كانوا يخاطبونه في حالة من اليأس:
«واش ما عندكش الصرف؟»
يذكر أن بائعة الرغيف، تلك الإنسانة الطيبة، وضعت يديها على رأسها ورفضت النظر من جديد إلى ورقته النقدية، مكتفية بالقول في استنكار:
.»صافي غير سير حتى لنهار آخر»
في صباح اليوم التالي، كان يقف على الرصيف في انتظار سيارة الأجرة.
لم يكن في جيوبه من النقود غير تلك الورقة نفسها.

الجيب

كانا يجلسان معا في انتظار القطار، أحدهما بمحاذاة الآخر.
المصادفة هي التي جعلتهما يكونان لوحدهما في تلك الفترة من الليل بالذات وفي ذلك الركن من المحطة ذاته.
كانت قد أتت هي الأولى، رفعت رأسها عن هاتفها؛ فوجدته بجانبها.. بالقرب منها.
طوال فترة الانتظار، كانا ينظران إلى شاشة هاتفيهما ولم يتحدثا في ما بينهما ولو لبرهة.
من حين إلى آخر، كان يقطع صمتهما: مواء قطة أو عويل طفل حملته الرياح من بعيد.
كان الليل في منتصفه وكان السكون والبرد القارس.
تأخر القطار عن موعده كثيرا. شعر بالملل ومد يده بتراخ إلى جيبه ليخرج المنديل الصغير الذي يستعين به لمسح زجاج نظارته.
أطلقت المرأة التي بجانبه صرخة مدوية، وهي تقفز بعيدا.
كان قد وضع يده في جيب معطفها، معتقدا أنه جيبه.


الكاتب : عبد العالي بركات

  

بتاريخ : 17/01/2020

أخبار مرتبطة

من الواضح أن العلاقة بين القارئ والكاتب شديدة التعقيد؛ ذلك أن لا أحد منهما يثق في الآخر ثقة سميكة، وما

  وُلِدَت الشخصيةُ الأساسيةُ في روايةِ علي بدر (الزعيم) في العامِ الذي بدأت فيه الحملة البريطانية على العراق، وبعد أكثر

  يقول دوستويفسكي: «الجحيم هو عدم قدرة الإنسان على أن يحبّ». هذا ما يعبّر عنه الشاعر طه عدنان في ديوانه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *