ضيوف طارئون.. مرة أخرى

لقد جئنا إلى العالم بشكل متأخر جدا. جئنا بعد أن اعتل الكون وهرمت الأشجار واختفت الحدائق وأصبحت المياه فاسدة ومفوترة، يتحكم فيها المضاربون والصيارفة.
لقد صادف قدومنا انتشار الأمراض المستعصية والغريبة .أمراض يثير القشعريرة في الجسد، مجرد سماع أسمائها.
لقد جئنا في زمن الحروب التي أثقلت كاهل العالم  وجعلته محدودبا كرصيف هاوية.حروب لا ينتصر فيها أحد وينهزم فيها الجميع. حروب حولت العالم إلى خندق عميق يؤثثه القلق والخوف. حروب تعني شيئا واحد ووحيدا:لقد فكر الأقوياء من جديد في تقسيم العالم  في لحظة جشع أشبه بلحظة إلهام أخرق وبائس…
لقد جئنا في زمن تبلدت فيه الأفئدة بحيث أصبحت كالأبواب القديمة في بيت مهجور تسكنه الغربان والعناكب، تطلق صريرا يشبه أنين الأشباح في سهول الخرافات ومفازات الليالي الخرساء..
لقد جئنا كلاجئين تركوا أوطانهم واستسلموا لنزوة التيه والترحال كرياح لا تشتهي أي شيء و لا تثيرها سذاجة أسيجة لا تسيج أي شيء، ولا فضول فزاعات فقدت مصداقيتها أمام العصافير ولا حقول أمامها تحرسها…
جئنا بدون مخططات تستحق الذكر إلا من رغبة في الحياة والمغامرة كبحارة يحلمون بالبر وبجلسات الشاي على أرصفة موانئ لا سبيل إليها…
لقد جئنا كحالمين جدد لا نختلف عن طارق بن زياد أو كريستوف كولومبوس أو حتى غاندي إلا من حيث أننا لا بواخر لدينا نحرقها، ولا خيول نستحث همتها إلا ما تسمح به شهية الأحذية نحو المشي..
لقد تأخرنا بشكل فادح حتى أن نداءات المستشهرين وباعة مساحيق التجميل الرخيصة في الحافلات ومبشري مسابقات التلفزيون أصبحت أهم من زقزقة العصافير في الحقول والبساتين…
لقد تأخرنا بحيث أن أنباء العرافات والبورصة وركض الخيول أصبحت أهم من أنباء مقدم الربيع والفراشات:من ينتبه للفراشات الآن؟
لقد جئنا بشكل غير مرغوب فيه كضيوف طارئين لا ينتظرون حفاوة من أحد…


الكاتب : مصطفى نفيسي

  

بتاريخ : 14/05/2020