من أجل استعادة المستقبل الذي آمن به الرجل
كان لقاء الأحد 9 فبراير بقاعة شنقيط بالمعرض الدولي للكتاب، فرصة ثانية لإلقاء الضوء على شخصية سياسية بصمت تاريخ المغرب السياسي المعاصر هو عبد الله إبراهيم أول رئيس حكومة بالمغرب من خلال كتاب «عبد الله ابراهيم: تاريخ الفرص الضائعة» لمؤلفته الصحفية زكية داوود والصادرعن ضمن منشورات «ملتقى الطرق» والذي قام بتقديم قراءة فيه الباحث معروف الدفالي.
يرى الباحث معروف الدفالي أن كتاب « عبد اله ابراهيم: تاريخ الفرص الضائعة» كتاب يمكن مقاربة من زاويتين:
الأولى اعتباره دراسة اهتمت بالنخبة الوطنية الأولى كنخبة حضرية مدينية عبر أحد نماذجها الذي تم تناول مسار حياته عبد الله ابراهيم بالتطرق الى نشأته ومحيطه وتأثير هذا المحيط على تكوينه( الفقه، التصوف، السياسة)إذ كان يولي اهتماما بل اعتزازا بالمداخل الكامنة وراء هذا الانتماء، ولا يعير اهتماما للمداخل الموروثة.
الثانية: تتعلق بجنس السيرة وخاصة السيرة الغيرية التي يندرج ضمنها اهتمام المؤلفة بالبيوغرافيا التاريخية كاختيار تم بناء على ملاءمة الأسئلة التي تطرحها هذا التوجه الكتابي على التاريخ في أفق كتابة تاريخ الزمن الراهن، وعلى تفرد التجارب الانسانية كتجربة عبد الله إبراهيم بناء على خط ومسار اهتمت به في إنجاز بيوغرافيات سابقة حول الزعيم عبد الكريم الخطابي والشهيد المهدي بنبركة.
الدفالي أشار أيضا الى أن المؤلفة زكية داوود اعتمدت في تفسير وتحليل عدد من المواقف على عدد من السياقات تجعل القارئ أمام كتاب تواريخ تتناول عددا من المحطات والمدن وتاريخ المغرب وفترة الاستعمار، بل حتى تاريخ فرنسا وحركات التحرر في العالم وذلك في إطار العلاقة مع المحيط والعصر، وهو تناول توزعت فيه المادة المعرفية التي يعرضها بين ثلاثة أصناف :
كتابات عبد الله إبراهيم، شهادات من مجايليه ثم المراجع التي اهتمت بالمرحلة التي عاش فيها عبد الله إبراهيم.
ولم يفت الدفالي وهو يقدم الكتاب أن يشير إلى أن تصنيف المادة وترتيبها وتحليلها انبنى على تحديد ثلاث سمات في شخصية عبد الله ابراهيم وهي:
*سمة المثقف: يلقي الكتاب الضوء بكثير من الدقة على صفة المثقف والمفكر في شخصية عبد الله ابراهيم لإيمانه بجدلية الثقافة والفكر مع الممارسة السياسية، لذا كان لتكوينه الفكري والثقافي دور حاسم في تحليلاته وقراءته لواقع المغرب في تلك الفترة، مضيفا أنه عمل على تثقيف ذاته وبالتالي الخروج من عباءة الثقافة التقليدية، والتوجه نحو التحديث والتجديد من بوابة الوطنية التي كان يعتبرها نوعا من دخول العصر مع ما وسعه اكتشافه لابن خلدون وابن عربي وتعلمة اللغة الفرنسية في 16 من عمره من آفاق طورها بالتحاقه بجامعة السوربون التي كان لها دور في انفتاحه على الفلسفة والايديولوجية الماركسية التي دفعت المؤلفة الى اعتباره مثقفا مهووسا بالحداثة في الثقافة والسياسة، لكن في إطار عقلاني.
* سمة الوطني: يقاربها الكتاب من منطلق كونه أحد أبرز مؤسسي وناشري فكرة الوطنية بمراكش ومؤسس امتدادها من خلال اهتمامه باستقطاب فئتين مهمتين لم ينتبه إليهما من طرف الحركة الوطنية المغربية، وهي فئة الحرفيين والطلبة القادمين من البوادي عكس مدن الرباط وفاس وتطوان وسلا التي اختصت بقيادة محلية.
* سمة السياسي: يتطرق الكتاب الى أن السياسة لم تكن هدفا في حد ذاتها بالنسبة لعبد الله ابراهيم لأنه مارسها دون انفصال عن الاخلاق أو توظيفها من أجل التموقع السياسي والمصالح الخاصة، حيث أنه ظل داخل تنظيم حزب الاستقلال أو في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حريصا على الاستقلالية الرافضة للتشيع والتبعية، بل كثيرا ما مارسها بنوع من المثالية التي جعلته يدخل في مواجهات سياسية مع أحزاب الحركة الوطنية عندما كانت قراءاته وتحليلاته تتباين معها بخصوص بعض القضايا.
هذه الأبعاد هي ما أكدت المؤلفة زكية داوود أنها عكستها في الكتاب بإبراز صور التعدد في شخصيته بين الثقافي والسياسي والإنساني ، إبراز كان هاجسها فيه التعتيم الذي طال شخصية بهذا الحجم ليس في أوساط الجيل الجديد بل أيضا حتى داخل النخب المغربية، وهي محاولة منها لنفض الغبار عن هذه الشخصية وبسط رؤاها وتصوراته حول العديد من القضايا المتصلة بالثقافة والدين والحداثة، ومن خلالها مقاومة المد الجارف الذي يروم طمس وجوه ومشروع اليسار المؤمن بالتغيير .