مسرحية «العيشوريات» نداء لنبذ العنف ضد النساء، وغوص في التراث

 

احتضنت قاعة العرض، بالمركز الثقافي «محمد حجي» بسلا الجديدة، مساء الجمعة الماضية، العرض المسرحي «العيشوريات» لفرقة ، مسرح «الزهور» من مدينة المحمدية ، وذلك في إطار الجولة التي تقوم بها عبر التراب الوطني.
عرض مسرحية «العيشوريات» كان بدعم من مسرح محمد الخامس بالرباط، وهي من تأليف «إبراهيم الهنائي» وإخراج «عبد اللطيف الدشراوي»، وإنتاج «محمد عنقاوي»، وتشخيص: «نجية الواعر»،«حنان بنموسى» «جميلة مصلوحي» «سناء بحاج» و«لبنى شكلاط»
ومتحت المسرحية من التراث المغربي الأصيل، المرتبط بعاشوراء، كطقس خاص بالنساء، حيث يمنح لهن «لحكام» وهو التحول الكبير في حياة النساء المغربيات العاديات اللائي يسبحن في الخيال، ويعتقدن حقا بأن «بابا عيشور» يعطيهن القدرة على التحول من متحكم فيهن، إلى صاحبات القرار ، قادرات على لعب دور الرجل، بعنفه، برغبته الجامحة في إبراز سيطرته على المرأة إلى الحد الذي يعتبرها مملوكة له. لكن كل هذا التحول، يبقى محدودا في الزمان الفاصل بين «عيشور والميلود». هذا المفهوم أبعد «العيشوريات» عن المفهوم السائد في لغتنا الدارجة، ذلك المفهوم، المرتبط بالعنف، والاعتداء على الآخر، والمزاج المتقلب.
«العيشوريات» هن خمس نساء يشتغلن في ورشة صغيرة، للنسيج، حيث المنسج، والصوف، وهو الفضاء الذي جمعهن، هن القادمات، من أوساط فقيرة، وبمعاناة متشابهة مع أزواجهن، وليصبح فضاء المعمل الصغير، فضاء فرضن فيه «حكم عيشور» بتقمص كل واحدة دور الزوج، بقدرة كبيرة على التحول، ولتذكير أنفسهن، بمعاناتهن، لكن وبرغم كل ما قاسينه طيلة السنة، من أزواجهن فإنهن لم يبلغن الفظاظة التي يعاملن بهن، وذلك لتبليغ رسالة قوية مفادها تجسيد العنف المسلط ضد المرأة. كل هذا و«العيشوريات» الخمس يغنين ثارة «باب عيشور» وثارة يرقصن على إيقاعات شعبية اعتمدت على الطعريجة «والبندير» ليؤكدن بأنهن في حالة من «لحكام»، والذي يبقى في حكم المتخيل لمعرفتهن بأنه لا مجال لهن للانتقام، أو ليؤكدن بأنهن خلقن لنشر الدفء العائلي، داخل منازلهن، وفضاء عالمهن، وهي رسالة توحي بطبيعة المرأة المسالمة.
كواحدة من «العيشوريات» صرحت الممثلة «جميلة مصلوحي» «العيشوريات» هي نوع من الفرجة المسرحية التراثية، هذه الفرجة، التي كنا نعيشها في المدن والقرى، ولا زلنا نعيشها إلى وقتنا هذا. «العيشوريات» ليست بالمعنى السلبي الذي يوحي بالدم، ولكنه نوع جميل جدا، ذلك أن «العيشوريات» هن نساء يحكمن في فترة معينة ويكون الرجل خلالها مطيعا، والمسرحية، تحكي ظاهرة من الظواهر الفرجوية التقليدية وهي نوع تراثي جميل جدا «كبوجلود، والحلقة وغير ذلك» .
وبعيدا عن الركح، أوضح منتج المسرحية «محمد عنقاوي» عندي الرغبة الأكيدة في أن يتحول كل متفرج، وكل صحفي الى ناقد مسرحي، وذلك في زمننا الحاضر حيث لم يعد هناك نقاد مسرحيون بالمعنى الصحيح. وبعيدا عن كل هذا، فإن هذه المسرحية لم تستفد من أي دعم من وزارة الثقافة، وعرض المسرحية جاء بدعم من مسرح محمد الخامس الذي يديره محمد بنحساين»
«العيشوريات» ومن خلال العنوان استطاعت استقطاب جمهور كبير من النساء وهذا شيء جديد على المسرح المغربي، وكأن كل أمراة وهي في مقعدها جاءت لتتقمص شخصية إحدى «العيشوريات»، وبالتالي فإن عدد «العيشوريات» فاق الخمسة اللائي كن على الركح.
وكانت كل النساء اللائي تابعن المسرحية، يتجاوبن بشكل كبير مع الممثلات، وربما أن هناك من كانت تمني النفس بالصعود إلى الركح، لتردد أغنية «عيشوري عيشوري… ماعلينا حكام»، كما كن يتخيلن أنفسهن وهن في لحظة قوة، يأمرن الرجل، يحاسبنه،على ممارساته خلال السنة كلها.
يذكر بأن المسرحية أقتبسها المؤلف «محمد الهنائي» عن مسرحية « برلمان النساء» «لأريسطوفان»، حيث تأخذ النساء مكان الرجال في البرلمان، ليس ديموقراطيا ولكن باتباع خدعة محكمة، في حين أن «العيشوريات»، نفذن ما قاله «البراح» في أغنيته «عيشور ما علينا لحكام» و«عيشوري عيشوري عليك دليت شعوري» وذلك من أجل التعبير عن رفض الإحساس بالغبن، و«الحكرة»، ورغبة جامحة لإعطاء الجسد فرصة للرقص، وذلك في قالب فرجوي، لم يخرج قط عن الورشة الصغيرة للنسيج. ولتحكم على المسرحية بأن تدور في فضاء مغلق، لايخرج المشاهد منه إلا الأهازيج الشعبية، فضاء حولته «العيشوريات» إلى مجال للبوح بمعاناتهن، ولم يعتمد المخرج «عبد اللطيف الدشراوي» على إسدال الستارة بين المشاهد أو تغيير الديكور الذي وضع فيه كل ما تحتاجه «العيشوريات» من ملابس، وكأنه يريد أن يخبرنا بأن وقت «لحكام» في فترة عاشوراء، يبقى قصير جدا، وأن على «العيشوريات» استغلال كل وقتهن من أجل التمتع «بلحكام» قبل أن يطل عليهن عيد المولد النبوي.
مسرحية «العيشوريات» كانت فرصة فرجوية، لتعرية واقع بعض البيوت المغربية حيث تعدد الزوجات، والشك المبالغ فيه، إلى الحد الذي يضطر فيه بعض الأزواج إلى استعمال المفاتيح لكل غرف المنزل ولم يتم استثناء المرحاض، والثلاجة، وفي تصوير أكثر كاريكاتورية، يتم إخبار المشاهد بأن المنزل من دون نوافذ، وفي ذلك عدة إشارات إلى تلك المرأة «الحاجبة» التي لا تخرج من بيتها إلا مرتين: عند الزواج والوفاة.
ويبقى السؤوال المطروح: لماذا اختار المخرج «عبد اللطيف الدشراوي «، الفرجة لتقديم معاناة المرأة، والرقص والضحك كوسيلة من «العيشوريات» للبوح عن معاناتهن داخل منازلهن؟


الكاتب : مكتب الرباط: عبد المجيد النبسي

  

بتاريخ : 12/02/2020