“عطب الذات… وقائع ثورة لم تكتمل” كتاب يواجه فيه الدكتور “برهان غليون” بجرأة الواقع الذي وصلت إليه الثورة السورية و دون خوف أو خطوط حمراء عما تعيشه الثورة في الوقت الحالي.
“برهان غليون” من أبرز الشخصيات الوطنية السورية المعارضة من مواليد مدينة حمص 1945، وعمل أستاذا لمادة علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، ثم رئيسا لمركز دراسات الشرق المعاصر في ذات الجامعة، ثم عمل رئيساً للمجلس الوطني السوري.
حوار أجرته “بوابة سوريا” مع الدكتور “برهان غليون” للحديث عن كتابه وتطلعاته للحل في سوريا جاء فيه:
– بداية، د. برهان غليون، كيف ترى وضع الثورة السورية اليوم؟ أين نحن؟ وإلى أين ماضون؟ ما الذي يقلقك؟ وما الذي تأمله؟
– كما كان متوقعاً، تحولت الثورة السورية من ثورة شعب ضد طاغية، من أجل الكرامة والحرية التي لا لوجود لوطن ووطنية من دونهما، إلى مناسبة لتصفية الحسابات، ورسم أو إعادة رسم دوائر النفوذ الإقليمية والدولية. لذلك ارتبط مصير الثورة ضد الطاغية بمصير التنافس بين الأطراف المختلفة المتنازعة في الوقت نفسه على السيطرة على بلدنا سورية.
هذا يعني ان التقدم في اتجاه إسقاط النظام لم يعد ممكناً من دون التوصل المسبق إلى تفاهم إقليمي ودولي. وهذا التفاهم لا يزال غير ممكن بسبب مطامح البعض وانعدام الثقة بين الأطراف. فإيران مستعدة لعمل أي شيء من أجل الحفاظ على سورية قريبة منها. فهي الركن المركزي في مشروعها للهيمنة الإقليمية التي تضم إلى جانب سورية حزب لله والتقنية النووية. تدعمها في ذلك روسيا التي تريد أن تتحدى الغرب وتنتقم لنفسها مما تعتقد أنه الغدر بها في ليبيا. ولا تزال المحادثات الإقليمية والدولية في بدايتها ولم تصل إلى نتيجة بعد. بل إن اللجنة الرباعية الإقليمية التي اقترحتها مصر لم تجتمع مرة واحدة بعد بكامل أعضائها، أما المحادثات الروسية الامريكية فتتقدم ببطء شديد. وبانتظار ذلك تسعى كل مجموعة إلى الحفاظ على رهاناتها بانتظار الحل، فتعمل الأولى، غير الراغبة في تغيير النظام والتوازنات المحلية والإقليمية والدولية التي يساهم في ثباتها، كل ما بوسعها، حتى تبقي النظام واقفاً على قدميه أطول فترة ممكنة، حتى لو اقتنعت بنهايته الحتمية، أملاً في انتزاع المزيد من التنازلات. وهذا هو الذي يفسر تحول مصير الأسد ومستقبله إلى العقدة الرئيسية في المحاثات الإقليمية والدولية. وتحاول المجموعة الثانية التي تؤيد التغيير أو التي تبنت خيار دعم الثورة والربيع العربي أن تعمل المستحيل كي تمنع النظام من الاستقرار والانتصار.
وباستثناء النظام الذي تبنى الخيار الشمشوني، أي الاستعداد للدمار الشامل والانتحار، فالجميع يخشى مخاطر التصعيد، خوفا من خسارة رهاناته. لكن النظام يجر الجميع لحرب لا يريدونها ويورط أقرب حلفائه، كما ورط نظامه وبلده باكمله في أشنع حرب.
علينا أن نسحب البساط من تحت أقدام التسويات الاقليمية والدولية ونعمل على استعادة المبادرة في معركتنا الكبيرة من أجل وطننا وحريتنا. ومن أجل ذلك ينبغي إعادة التمركز حول الثورة في الداخل وتطوير آليات التفاهم والتضامن والاعتماد على النفس والطاقات السورية. لا أعتقد أن علينا أن ننتظر شيئاً من التفاهمات الخارجية. وسوف ننجح فقط عندما نقطع الطريق على هذه التفاهمات ونقرر نحن أنفسنا مصيرنا. يحتاج هذا إلى جهود كبيرة في مجال تنظيم قوانا الذاتية المقاتلة والمدنية، وتوحيد صفوف شعبنا، بكل فئاته وأطيافه ومذاهبه وثقافاته. وهو ما يحتاج إلى العمل على التسريع في تبلور نخبة سورية ديمقراطية جديدة موحدة الفكر والهدف والانتماء.
الشعب تحرر نهائيا ًمن نظام الطغيان، ولن يتعرف على نفسه من خلاله أبداً بعد الآن. وهو مستمر في ثورته، لكنه لم يتلمس بعد، بسبب ضعف المعارضة إعلاماً وسياسة، ملامح النظام البديل، وهو في متاهة حقيقية، سياسية وفكرية، في مواجهة الآراء والتصريحات والتصورات المتناقضة للمعارضة. وجزء منه يكاد يفقد الأمل، لكنه مستمر في كفاحه البطولي لأن لديه هدف واضح يحركه: إسقاط رموز النظام. بالمقابل، النخبة السورية الجديدة لا تزال في عهد النشأة ولم تنضج بعد، ولا يزال مشروع بناء الدولة الديمقراطية غير واضح المعالم بالنسبة لأغلبية الناس. وهذا سببه التقصير في العمل الثقافي والسياسي والإعلامي معاً.
نحن الآن أمام نظام ينفجر ويفجر البلد معه، ونظام لم يولد بعد أو لم تتبلور ملامحه. هذه أصعب المراحل في تاريخ الشعوب وأقساها على البلاد والمجتمعات. تفتقد فيها المعايير وتتضارب المصالح وتنمو مظاهر الفوضى والاضطراب.
في النهاية نحن ماضون إلى هدفنا لأنه من غير الممكن العودة إلى الوراء. لكن إقامة الدولة الجديدة لن تكون كشربة ماء. يتوجب علينا جميعاً العمل ليل نهار من أجل لملمة أشلائنا وتضميد جراحنا قبل أن نستطيع الوقوف على ارجلنا والتقدم نحو هدفنا. سنخرج من هذه الحرب كتلة من الدمار المادي والنفسي والسياسي، كما خرجت أمريكا من حربها الأهلية. لكننا سنخرج شعباً جديداً صاحب رأي ومبادرة، وسنبني مجتمعاً حراً كريماً على مستوى طموحاتنا، يليق بدماء الشهداء والجرحى والمنكوبين.
لست قلقاً على المستقبل ولكن على الحاضر. فالتحدي اليوم كبير: استعادة سيطرتنا على مصيرنا وانتزاعه من أيدي الدول المتصارعة على تقاسم أشلائنا، والحفاظ على إرثنا الوطني ووحدة البلاد والشعب. وآمل أن تكون إرادة التحرر والبناء والتقدم إلى الأمام، عند أجيالنا الجديدة، على قدر المعاناة التي خبرها شعبنا في كارثة الحرب والدمار الذي الحق بنا لمجرد تطلعنا إلى الحرية وتمسكنا بالكرامة وايماننا بالقيم الانسانية.