في وقت تلتهب فيه أسعار الخضر والفواكه في الأسواق المغربية بشكل يثقل كاهل الأسر، تكشف الأرقام الحديثة عن تصاعد لافت في وتيرة الصادرات المغربية من المنتجات الفلاحية نحو أوروبا، وعلى رأسها إسبانيا التي أصبحت أكبر مستورد للخضر والفواكه من المملكة. هذه المفارقة الصارخة تثير الكثير من التساؤلات حول من المستفيد الحقيقي من هذه الدينامية التصديرية، خاصة في ظل سياسة حكومية ينظر إليها بشكل متزايد على أنها تولي الأولوية لدعم الصادرات على حساب تلبية حاجيات السوق الداخلية وضمان استقرار الأسعار لفائدة المستهلك المغربي.
فبحسب بيانات إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة الإسبانية، التي تولت معالجتها الفدرالية الإسبانية لجمعيات منتجي ومصدري الفواكه والخضر (FEPEX)، بلغ مجموع واردات إسبانيا من الفواكه والخضر في يناير 2025 حوالي 444 مليون أورو، بزيادة بلغت 14% مقارنة بالشهر نفسه من سنة 2024. من هذا الرقم، استحوذت الدول خارج الاتحاد الأوروبي على 66% من الواردات، أي 295 مليون أورو، وكان نصيب المغرب منها 150 مليون أورو، ما يعادل نصف هذه الحصة و30% من إجمالي الواردات الإسبانية، مما يرسّخ موقع المغرب كأول مورد خارجي للسوق الإسبانية.
غير أن هذه الأرقام المبهرة في ميزان الصادرات تقابلها مؤشرات مقلقة في الداخل. فقد سجل الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط الصادرة في نهاية مارس، ارتفاعا بنسبة 3,0% خلال شهر فبراير 2025 مقارنة بيناير، نتيجة زيادة أثمان المواد الغذائية بـ6,0%. وضمن هذه المواد، ارتفعت أسعار الفواكه بـ3,3% والخضر بـ2,7%، وهي منتجات تشكل العمود الفقري للصادرات نحو أوروبا. هذا التزامن بين ارتفاع الطلب الخارجي وغلاء السوق الداخلية لا يبدو صدفة بقدر ما يعكس خللا بنيويا في توجيه الإنتاج الوطني. وفي حين تبرر الجهات الرسمية هذا التوجه بالحاجة إلى دعم الميزان التجاري وجلب العملة الصعبة، يرى مراقبون أن السياسات الحكومية تميل بوضوح إلى دعم سلاسل التصدير الكبرى، عبر إعفاءات ضريبية، وتسهيلات لوجستية، ودعم تقني وفني، دون توفير آليات حقيقية لضبط الأسواق الداخلية وحماية المستهلك. ويبدو أن هذا النموذج يعزز من موقع كبار الفلاحين الذين يملكون ضيعات كبرى ويستفيدون من عقود طويلة الأمد مع زبناء أوروبيين، في حين تُترك السوق الوطنية تحت رحمة الوسطاء والمضاربات.
ويؤكد مهنيون ومصدرون عاملون في قطاع التصدير أن موسم 2024/2025 تميز بطلب قوي على منتجات مثل الطماطم والفلفل والأفوكادو، وأشاروا إلى أن الزيادة في الطلب تزامنت مع مشاكل إنتاجية في المغرب، مثل الجفاف وتكاليف النقل المرتفعة، إضافة إلى تحديات صحية نباتية مثل فيروس ToBRFV، وهو ما حدّ من العرض، لكنه لم يمنع من توجيه كميات كبيرة نحو الخارج. بل إن بعض المنتجين فضلوا تسويق منتوجاتهم في السوق المحلي فقط عندما توفرت لهم شروط أفضل من حيث السعر وسهولة الأداء، مما يعكس أن السوق الداخلي لا يحظى بأولوية إلا عندما تخف جاذبية السوق الأوروبية.
وعلى مستوى الأسواق الأوروبية، تواصل دول مثل فرنسا وألمانيا وهولندا لعب دور المحطات اللوجستية لتوزيع المنتجات المغربية على نطاق أوسع، لتصل إلى أوروبا الشرقية والدول الإسكندنافية. ويشير المصدرون إلى أن الطلب على المنتجات المغربية لا يزال في تصاعد موسمي مستمر، مما يدفع المهنيين إلى التوسع في المساحات المزروعة بالبيوت البلاستيكية، وخلق هياكل لوجستية جديدة، كالمراكز التجارية التي تم افتتاحها مؤخرا في مدن أوروبية مثل بيربينيون، بهدف تسريع الربط التجاري مع السوق الأوروبية وضمان جودة الإمدادات.
ورغم هذا التوسع، تظل تداعياته على السوق المغربي مقلقة، حيث أن هذا التوجه الإنتاجي الخارجي لا يتزامن مع إصلاحات موازية تضمن العدالة في التوزيع المحلي. بل إن أرقام المندوبية السامية للتخطيط توضح بجلاء أن المستهلك المغربي بات يدفع الثمن بشكل مباشر، خاصة عندما تتزامن فترات الذروة التصديرية مع مناسبات استهلاكية محلية تشهد فيها الأسعار ارتفاعا غير مبرر.
وفي ظل غياب تنظيم محكم لأسواق الجملة وآليات ناجعة لمراقبة سلاسل التوزيع، يجد المواطن المغربي نفسه في موقع المتضرر، رغم أن أرضه تفيض بالخيرات. كما أن صغار الفلاحين، الذين لا يملكون القدرة على ولوج أسواق التصدير، يواجهون تحديات متزايدة في تسويق منتجاتهم داخليا، في ظل منافسة غير متكافئة مع كبار المنتجين.
%30 من واردات إسبانيا من الخضر والفواكه مصدرها المغرب .. صادرات الخضر والفواكه المغربية ترتفع إلى 150 مليون أورو وسط موجة غلاء داخلي فاق 6 %

الكاتب : n عماد عادل
بتاريخ : 17/04/2025