نستعرض في هذا المقال عددًا من الأحداث المتميزة المرتبطة بالعلاقات المغربية الإسبانية التي شهدتها السنة المنصرمة، ونلقي نظرة على أبرز محطاتها، ونستقصي مختلف جوانبها ومستوياتها.
تميزت السنة المنصرمة، في مستوى الشأن السياسي، بتحقيق مجموعة من الإنجازات، خصوصا في ما يتعلق بدعم مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة سنة 2007، حيث إن ثلة من الدول أعربت عن تأييدها لهذه المبادرة، ومن ضمنها الجارة إسبانيا، وذلك في شهر أبريل من سنة 2022 التي ودعناها حديثا، وقد اعْتُبِرَتْ هذه المبادرةُ مساهمة جادةً وواقعية، وذات مصداقية كبيرة، وتحمل مفاتيح حل نهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن المباحثات التي أجراها جلالة الملك محمد السادس مع رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بعد عشرة أشهر من الأزمة الدبلوماسية، يوم الخميس 7 أبريل 2022، أسفرت عن خارطة طريق البيان المشترك الذي أفضى إلى نتائج إيجابية، عززت أواصر تعاونٍ ثنائي بين بلدين شريكين شراكة استراتيجية، قائمٍ على الشفافية والتواصل الدائم والاحترام المتبادل، وتجسد ذلك في تشكيل فرق عمل في مختلف المجالات لإحراز التقدم المنشود في العديد من القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك. كما أن لقاء ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج مع نظيره الإسباني خوسي مانويل ألباريس في مقر السفارة الإسبانية بباريس، بمناسبة انعقاد النسخة الخامسة من منتدى باريس للسلام، أعطى دفعة جديدة للعلاقات بين الرباط ومدريد، خاصة في ما يتعلق بالقطاعين السياحي والاقتصادي بعد فتح الحدود بين البلدين. وهنا نستحضر المقولة الشهيرة لجون كينيدي الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية: «الجغرافية جعلت منا جيران، التاريخ جعلنا أصدقاء، لقد جعلنا الاقتصاد شركاء وجعلتنا الضرورة حلفاء»، ونضيف على ذلك بأن الإنسانية تُحَتِّم علينا أن نكون إخوة.
على الصعيدين العلمي والأكاديمي كانت سنة 2022 حبلى بالمؤتمرات والندوات والملتقيات الدولية البارزة التي تخص اللغة الإسبانية بالمغرب، كلغة تدريس وبحث وتاريخ مشترك. في بداية السنة الماضية على سبيل المثال، وبالضبط أيام 23-24-25-26 يناير 2022، نُظِّمَ المؤتمر الدولي الأول عن بُعد الذي يرأسه الدكتور نبيل بلمكي، أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس حول موضوع «التكنولوجيا، القانون والتعليم» من لدن المدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، بتعاون مع الاتحاد العالمي للمثقفين العرب وجامعة بوريس هرينشينكو في كييف (أوكرانيا)، الجامعة الوطنية للتربية بالإكوادور (أمريكا اللاتينية)، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، كلية العلوم والاقتصادية والاجتماعية بفاس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، مختبر التراث الثقافي والتنمية بوجدة، ومنتدى الباحثين الشباب. وقد تَغَيَّا الساهرون على هذا المؤتمر الإجابة عن سؤال مدى قدرة تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة على تغطية بعض مجالات الحياة والتأثير فيها، وإلى أي مدى ساهم التعليم الرقمي أيضا في تطور الإنسان، وتطور مختلف جوانب حياته من خلال مائة وخمسة وثلاثين مداخلة علمية باللغات الأربع: العربية، الفرنسية، الإنجليزية والإسبانية، لأساتذة جامعيين وباحثين ينتمون لعشرين بلدا مشاركا من ضمنهم إسبانيا والإكوادور.
كما كان للمؤتمر الدولي الأول «جسور وخطابات ثقافية بين المغرب واسبانيا» المنظم بمدينة فاس، بالجامعة الدولية الأورومتوسطية، يومي 18 و19ماي2022، بتعاون مع سفارة إسبانيا بالرباط، والمستشارية الثقافية الإسبانية، صدى طيبا، وحظي بمشاركة ثلة من الأساتذة الباحثين الذين يمثلون جامعات إسبانية ومغربية، كجامعة كمبلوتنسى بمدريد، وجامعة بلنسية، وجامعة عين الشق بالدار البيضاء وجامعة ابن زهر بأكادير. وقد انصبت توصياته على وجوب الدفاع عن الانفتاح وإشاعته، باعتباره ثقافة للسلام، وتعزيزا لثقافة الحوار والتعاون بين مختلف المجتمعات والثقافات والحضارات.
ولا ننسى كذلك المؤتمر الدولي الثاني للجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية الذي نُظمَ تحت شعار «المخيال، التراث المشترك والتجارب المتقاطعة» أيام 26, 27 و28 ماي 2022، وقد خصصنا له مقالا سابقا بجريدة الاتحاد الاشتراكي، إذ حظي بحضور وازن لشخصيات ديبلوماسية تمثل الجارة إسبانيا وبعض دول أمريكا اللاتينية كدولتي المكسيك والبيرو. وتَحْضُرُنَا بهذا الصدد كذلك الندوةُ الدولية الخامسة المنظمة تحت عنوان «تمثلات اللغات» التي احتضنتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، بشراكة مع كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية وجامعة محمد الخامس بالرباط، والمدرسة العليا للأساتذة بالرباط وجامعة باريس 8 وجامعة لشبونة بالبرتغال، وجامعة البيداغوجيا بالأرجنتين، وجامعة ساو باولو، وجامعة بارانيا والجامعة الفدرالية لمينيرو بالبرازيل، وذلك أيام 30 و31 ماي2022، حظيت هذه الندوة بعدة مداخلات باللغة الإسبانية أيضا لأساتذة مغاربة باحثين، التابعين لعدة جامعات مغربية.
كما تم تنظيم المؤتمر الدولي الثالث حول «»الشتات، الهوية والتنمية»: مقاربة لواقع الشتات ومساهمته في بناء العهد الجديد» يومي 10-11 نونبر 2022 بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، بشراكة مع مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج تحت إشراف كل من الأستاذ حسن عربي والأستاذ عزالدين الطاهري وآخرون. هذا المؤتمر اندرج ضمن مشروع علمي بدأ سنة 2017، يتأسس على تنظيم مؤتمرات دولية داخل المغرب وخارجه، وقد نشر أبحاثا علمية حول واقع الهجرة والمهاجرين، خاصة المغاربة منهم.
وجب التذكير أيضا بأن السنة الفارطة شهدت الافتتاح الرسمي لمسلك الدراسات الإسبانية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش يومه23 نونبر 2022 بحضور ممثلي المستشارية التربوية لسفارة اسبانيا بالرباط ومعهد «ثيربانتيس» بمراكش والجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية. افتتاح هذا المسلك تحقق بعد طول انتظار العشرات من الطلبة المنحدرين من مراكش، آسفي، اليوسفية، قلعة السراغنة، شيشاوة… وغيرها من المدن المجاورة للمدينة الحمراء، حيث كانوا يضطرون للالتحاق بكليات بعيدة، خصوصا بالدار البيضاء أو الرباط أو فاس أو أكادير لدراسة هذه الشعبة.
كم نُظِّمَ المؤتمر الأكاديمي الدولي الأول من طرف المدرسة العليا للأساتذة بمرتيل يومي 2و3 دجنبر المنصرم، بشراكة مع جامعة عبد المالك السعدي والمركز المغربي للدراسات والأبحاث في الاقتصاد والتنمية المستدامة حول «العلاقات المغربية-الإسبانية: الحاضر والمستقبل»، الذي عرف حضور رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، وسفير إسبانيا بالمغرب ريكاردو ذييز هوشتلينتر والسفير السابق للمغرب بالشيلي عبد القادر الشاوي، بالإضافة إلى ثلة من السياسيين البارزين والمفكرين والدبلوماسيين المغاربة والإسبان. كان هذا المؤتمر فرصة سانحة للوقوف على عراقة العلاقات الثقافية والروحية والسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين، وإسهامه في تحقيق التقارب والتفاهم بين الأجيال والشباب الذين يشكلون عماد المستقبل، من خلال العديد من المداخلات القيمة التي تضمنها المؤتمر.
كم تم تنظيم «الندوة الدولية حول العلاقات المغربية الإسبانية: رؤى متقاطعة» باللغتين العربية والإسبانية، بمبادرة من مؤسسة «فكر للتنمية والثقافة والعلوم» بشراكة مع جامعة محمد الخامس بالرباط، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل و»جمعية جهات المغرب» ومجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة يومي 16 و17 نونبر 2022، وجاءت هذه الندوة بعد مرحلة المصالحة التي دشنتها الرسالة التي بعثها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الملك محمد السادس في مارس 2022. فعاليات هذه الندوة تميزت بخمس جلسات علمية ومداخلات فكرية ونقاشات ثمَّنَت المُنجَز والمشترك من طرف أساتذة باحثين ومؤرخين ومسؤولين من المغرب وإسبانيا، من ضمنهم: الأستاذ الجامعي المغربي عبد الواحد أكمير، الأكاديمية الإسبانية ووزيرة الإسكان السابقة في حكومة ثاباتيرو ماريا أنطونيو تروخيو وغيرهم..
تماشيا مع ما تم ذكره، واحتفاء بالعلاقات الديبلوماسية المغربية –الإسبانية، ومد الجسور الثقافية والفنية بين الماضي والحاضر والمستقبل والارتقاء بالذوق، وتيسير سبل الحوار ونشر ثقافة التسامح بين الشعوب والحضارات، نُظِّمَ أيضا الملتقى الثقافي الدولي الرابع للصداقة المغربية الإسبانية بمدينة طنجة أيام 25- 26 و27 نونبر2022، تحت شعار «نتعايش لنحيا في سلام» من لدن مؤسسة المكي مرسية الدولية للثقافة، بتنسيق مع فرعها بالمغرب، بمشاركة أساتذة جامعيين وكتاب وشعراء وفنانين تشكيليين وخطاطين وموسيقيين من جنسيات مختلفة من المغرب وتونس، السعودية، إسبانيا، هولندا، فرنسا وكندا، وتضمن الملتقى عدة أنشطة متنوعة، تُرجِمت في شكل ندوات ثقافية، ومحاضرات فكرية، علاوة على إنشاء معرض فوتوغرافي «طنجة عبر التاريخ»، بالإضافة إلى فقرات موسيقية فلكلورية محلية وإسبانية.
كما أنه، وبناء على مجموعة من المعطيات التي تتعلق بتراجع الإقبال على تعلم اللغة الإسبانية في المؤسسات التعليمية المغربية، والإكراهات التي يواجهها الأساتذة والطلبة، نظّمَت سفارة إسبانيا في المغرب، بتنسيق مع معهد «ثيربانتيس» بتطوان ومستشارية التربية والثقافة التابعة للسفارة الإسبانية بالرباط، الملتقى الأول من نوعه مع رؤساء أقسام شعبة اللغة الإسبانية بالجامعات المغربية، وقد ساهمت فيه معاهد «ثيربانتيس» المتواجدة بمدن المملكة المغربية الدارالبيضاء، فاس، الرباط، مراكش، الحسيمة وطنجة، إلى جانب أقسام اللغة والأدب الإسباني بالجامعات المغربية، وقسم اللغة الإسبانية بالمدرسة العليا للأساتذة بمارتيل، وقسم الترجمة العربية-الفرنسية-الإسبانية بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة، والجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية، وذلك يوم الجمعة 25 نونبر 2022. وسعى الساهرون على هذا الملتقى إلى تشخيص وضع اللغة الإسبانية في المغرب، لاسيما في التعليم العمومي، وبالضبط في التعليم الثانوي بسلكيه، الإعدادي والتأهيلي، وكذلك الجامعي، دون إغفال وضع تدريس هذه اللغة بمعاهد «ثيربانتيس» بالمغرب.
شكل هذا اللقاء أو الملتقى مناسبة لطرح مجموعة من النقط التي تُؤرق بال الأساتذة والطلبة، فكان بمثابة تشخيص للمشاكل التي يُواجهها أساتذة هذه اللغة في التعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي، وكذلك الأساتذة الجامعيون والدكاترة الباحثون وطلبة الدراسات الإسبانية، خصوصا بعد الانخفاض الملحوظ في نسبة الطلبة المسجلين في أقسام الدراسات الإسبانية بالجامعات المغربية، ناهيك عن أساتذة هذه اللغة في الثانوي التأهيلي الذين أصبحت فئة كبيرة منهم فائضة، أو تدرس مواد أخرى…!، أما مباراة توظيف أساتذة اللغة الإسبانية بالثانوي الإعدادي أو التأهيلي فلم تخرج للوجود منذ سنة 2012…إلخ. وأخذ سؤال مآل العشرات من خريجي هذه الشعبة حيزا من اهتمام المؤتمرين، لاسيما أن الأفق انسد في وجوههم، وصاروا يعدون السنوات التي قضوها في تعلم هذه اللغة سنواتٍ عجافًا، بعدما اصطدموا بحاجز البطالة، ولم تمكنهم شواهدها من ولوج سوق الشغل في المغرب، بالرغم من أن اللغة الإسبانية هي ثاني أكثر لغة انتشارا في العالم، لكن معظم الأسر والعائلات المغربية ترى بأن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم والاقتصاد والتطور والمال والتجارة والأعمال التي تفتح آفاقا متنوعة لتقدم الشعوب، ولم تؤثر فيها إيديولوجيات داخلية أو خارجية، لذا تشجع أبناءها على تعلم اللغة الإنجليزية، وفي مقابل ذلك تبقى اللغة الإسبانية حكرا على من فُرضِت عليهم، خصوصا التلاميذ المسجلين بشعبة الآداب والعلوم الإنسانية….، ولا ننكر أيضا تراجع تدريس اللغة الإسبانية في مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي بشكل مهول، والوضع الهش والضبابي لأساتذتها الذين يشكون واقع حالهم، بعدما قضوا عشرات السنين وهم يدرسون هذه اللغة، قبل أن ينتهي بهم المطاف في السنوات الأخيرة فائضين، أو يؤدون مهاما إدارية بعيدة عن تخصصهم.
أسفر هذا اللقاء عن عدة مخرجات وتوصيات من ضمنها:
ـ تحديث قاعدة البيانات الخاصة بالدراسات حول إسبانيا والشعوب الناطقة بالإسبانية.
ـ تخصيص منح دراسية لأفضل ملفات الطلبة الحاصلين على باكالوريا مغربية، تخصص لغة اسبانية.
ـ إقامة برنامج الدورات الصيفية في المغرب وفي إسبانيا.
ـ تشجيع تبادل الباحثين من كلا البلدين.
ـ تسهيل إجراءات معالجة التأشيرة لطلبة وأساتذة هذه الشعبة.
ـ الترويج لإصدارات الجامعات.
ـ العمل على استمرارية الاتفاقيات القائمة، وإنشاء اتفاقيات مؤسسية جديدة.
ـ توسيع تواجد مراكز اللغة الإسبانية في المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية الكبيرة.
ـ تبادل الخبراء المغاربة والإسبان في مجالات العلوم، والاقتصاد، والقانون والعلوم القانونية.
ــ تكييف البرامج الدراسية الجامعية مع واقع متطلبات سوق الشغل المغربي، وغيرها من الاقتراحات التي إذا تم الاشتغال عليها ستعطي نتائج ملموسة لا محالة.
في الشأن نفسه، وتثمينا للعمل والمجهودات المبذولة في مجال التعاون التربوي بين إسبانيا والمغرب، لا يمكننا إغفال البيان المشترك الذي صدر عن وزيرة التربية والتكوين المهني بالمملكة الإسبانية، ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمملكة المغربية بمناسبة اجتماعهما في مدريد يوم 24 أكتوبر2022، الذي أسفر عن صياغة مشتركة لمذكرة تفاهم، تروم إحداث مسالك مزدوجة اللغة، باعتماد اللغة الإسبانية في الشعب العلمية، سيتم التوقيع عليها بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية، كما نوقشت مسألة تعزيز اللغة العربية في البلد الجار إسبانيا كجزء من برنامج «لتعليم اللغة العربية والثقافة المغربية في المدارس الإسبانية»، وكذا تطوير اللغة الإسبانية كلغة أجنبية في المدارس المغربية، وذلك من خلال تعزيز تكوين أساتذة اللغة الإسبانية في المغرب.
كما تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات، لتكثيف تبادل التجارب مع إسبانيا وبعض دول أمريكا الجنوبية: نذكر على سبيل المثال: زيارة وفد من دولة الشيلي، يمثل «المركز الثقافي أقلام وألواح» من مدينة أريكا، في شخص رئيسته «إيرنا أروس بينسا» والكاتبة بالجمعية نفسها «سارة دي سيلبا». وقد استُقبلتا من لدن نائب العميد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، الأستاذ المقتدر عبد الإله بركسى، بمعية المترجم والأستاذ المخضرم والعضو المؤسس للجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيروأمريكية الأستاذ حسن بوتكى، وكذلك الكاتبة العامة لنفس الجمعية الأستاذة فاطمة الحسيني، وأثمرت هذه الزيارةُ فتحَ الحدود الثقافية الدولية، وتقديم اقتراحات لاتفاقيات مستقبلية بين المؤسستين، كتنظيم معرض خاص بثقافة تشينشورو، أوما يسميه علماء الآثار «البقايا الأثرية للصيادين المستقرين في المناطق الساحلية القاحلة في شمال تشيلي وجنوب دولة البيرو، بما في ذلك صحراء أتاكاما»؛ إذ تشتهر هذه الثقافة بممارسات التحنيط التفصيلية التي استمرت لعدة آلاف من السنين. أما مصطلح «تشينشورو» فهو يعني «قارب الصيد»، ويطلق أيضا على موقع مقبرة، تضم أقدم المومياوات في العالم بالمدينة الساحلية أريكا التي تقع في شمال الشيلي، وتبعد عن حدود البيرو ب 18كلم. بالإضافة إلى ذلك، أثمرت هذه الزيارة الاتفاق على إمكانية نشر أو إصدار كتب مجموعة من الكاتبات من أريكا وإسبانيا في المغرب. كما تُبودِلَتْ تذكاراتٌ، تعبيرا عن وشائج الصداقة المتينة بين الشعبين.
في الشأن الثقافي، نظم المغرب من جديد المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الرباط خلال شهر يونيو الماضي، لمدة عشرة أيام، وتم خلاله اختيار إفريقيا ضيف شرف النسخة السابعة والعشرين، كفرصة لتكريس سياسة التعاون، والتقارب بين مختلف الثقافات، والتعريف بتاريخ الدول الإفريقية. ولقد سجلت الدورة الأخيرة لهذا الحدث الدولي المتميز حضورا كبيرا للعارضين والناشرين والزائرين من عدة دول أجنبية وإفريقية، بعد جفاف حضوري دام سنتين بسبب وباء كورونا. ولقد عكست هذه المشاركات توق القراء إلى المعرفة، والنهل من زاد الكتب والإصدارات المختلفة، كما عرفت هذه النسخة حضور ثلة من كتاب المهجر المغاربة الذين يكتبون بلغة «ثيرفانتيس»، ومن بينهم سعيد القضاوي الموساوي، ليلى كروش، نادية حفيظ، وابن مدينة القصر الكبير، يوسف الميموني، صاحب العمل الروائي «عندما تمشي الجبال» (2022) الذي يسلط فيه الضوء على التاريخ الاستعماري الإسباني في المغرب وفترة الحرب الأهلية الإسبانية. بالإضافة إلى ذلك، شكل المعرض فرصة لإلقاء ندوات غنية ومثمرة من لدن أساتذة باحثين، وممثلي بعض سفارات دول أمريكا اللاتينية في المغرب كسفارة جمهورية الدومينيكان، التي مثلها الفيلسوف والروائي والشاعر الدومينيكي «أندريس لوتشيانوماتيومارتينيز»، في ندوة «السمات الخاصة لتكوين الأمة والهوية الدومنيكية» يوم الخميس 9 يونيو 2022. أما سفارة دولة المكسيك فقد خصصت، ضمن برنامجها المسطر، محاورة بين الكاتب المكسيكي، ألبرتو روي سانشيز، وسفيرة المغرب في بنما، السيدة أمامة عواد لحرش، حول أهم أعماله، وذلك يوم الأربعاء 8 يونيو 2022 على الساعة الخامسة مساء. وفيما يخص سفارة دولة البيرو فقد تم إلقاء ندوة بعنوان «مقاربات في الأدب البيروفي المعاصر» من لدن الأستاذة المقتدرة بمعهد الدراسات الإسبانية البرتغالية، التابع لجامعة محمد الخامس أكدال، رجاء داكر، والأستاذة فاطمة لحسيني، والأستاذ صلاح الدين وراشت، وذلك يوم الأربعاء 8 يونيو 2022 على الساعة الرابعة بعد الزوال.
لا يفوتنا التذكير بتأبين الأديب والمفكر والمستشرق الإسباني خوان غويتيصولو يوم 3 دجنبر 2022 من لدن جمعية دار العرائش وشركاؤها بمعهد «ثيربانتيس» بالعرائش، حيث قرئت مجموعة من نصوصه، وتفضل أساتذة باحثون، ومترجمون، نقاد وصحفيون بتقديم شهادات في حقه. والاهتمام بهذا الكاتب، حتى بعد وفاته، يأتي من الوضع الاعتباري الخاص الذي يتمتع به لدى جل المثقفين المغاربة، ليس لأنه فضل الاستقرار بمدينة مراكش، إلى أن توفي بها في سنة 2017، أو بدفاعه الحماسي عن فكرة «المغرب الكبير»، بل لاهتمامه الكبير بالمغرب وبالحضارة العربية الإسلامية اللذين شكَّلا َ فضاء خصبا لبعض كتبه مثل: «إسطنبول العثمانية» (1989)،»مقبرة» (1999)، «مشكلة الصحراء» (1979) وغيرها.
أما في دول أمريكا اللاتينية الناطقة باللغة الإسبانية، فقد تلقى الشاعر الفنزويلي رفاييل كاديناس، أحد أبرز الأصوات الغنائية في الشعر الأمريكي اللاتيني أهم خبر يمكن أن يتلقاه كاتب باللغة الإسبانية في 2022: فوزه بجائزة «ثيربانتس»، «نوبل الأدب الإسباني»، وأعلى وسام يُمنح على مجمل أعمال كاتب، وتبلغ قيمة الجائزة 125 ألف يورو، حيث سيتسلمها أواخر أبريل من هذا العام في جامعة «قلعة النهر» بإشبيلية، وهي، بالمناسبة، المدينة التي رأى فيها النور «ميغيل دي سيرفانتيس» صاحب أشهر رواية في الأدب الإسباني على امتداد العُصور، وهي «دون كِيخُوتِه دِي لاَمَانْشَا». كما ودعت الساحة الأدبية الإسبانية خلال العام المنصرم الروائي الإسباني البارز «خافيير مارياس» جراء إصابته بالتهاب رئوي، وقد كان واحدا من أبرز وجوه الأدب الإسباني المعاصر، وأقرب الكتّاب الإسبان من جيله لنيل جائزة نوبل للآداب.
أما في ما يخص الصناعة السينمائية ودورها في التقريب بين الشعوب والترويج لثقافتها، فقد ترجمت إلى فيلم قصة بناء قصر الحمراء بالأندلس، ففي 25 من نونبر 2022 خرج إلى ساحة السينما الوثائقية الإسبانية فيلم «بناة قصر الحمراء» للمخرجة إيزابيل فرنانديز التي كتبت قصة الفيلم بمعية كاتبة السيناريو»مارجريتا ميلغار»، ويتناول الفيلم قصة تشييد قصر الحمراء على يد سابع ملوك بني الأحمر السلطان يوسف بن الحجاج. وتعد هذه المَعلَمة أحد أهم صروح العمارة الإسلامية المسلوبة في الأندلس، وتشهد نافورة الأسود الاثني عشر على روعتها، كما يسرد الفيلم الحقبة التاريخية للوزير لسان الدين بن الخطيب الذي كان علاَّمة أندلسيا، شاعرا وكاتبا وفقيها مالكيا ومؤرخا وفيلسوف وطبيبا وسياسيا من الأندلس، درس الأدب والطب والفلسفة في جامعة القرويين بمدينة فاس، كما اشتهر بتأليف قصيدة «جادك الغيث» وغيرها من القصائد والمؤلفات. الفيلم حصل على دعم علمي غير مسبوق من أفضل خبراء مجلس أمناء قصر الحمراء، وجامعة غرناطة، وكلية الدراسات العربية التابعة للمجلس الأعلى للأبحاث العلمية بمدريد.
في إطار تعزيز الحوار والروابط الثقافية بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية، وكذلك التعاون الجامعي والأكاديمي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، والتعمق في الدراسات الهادفة إلى تعزيز المفهوم الإنساني للمرأة، افتُتِحَ كرسي «غراثييلاّ يٍّيرُّو» بجامعة محمد الخامس بالرباط يوم الأربعاء 19 أكتوبر 2022، بعدما أنشِئ كرسي «فاطمة المرنيسي» في الجامعة الوطنية المستقلة بالمكسيك، وذلك سنة 2017، نظرا لإسهامات هاتين الكاتبتين في دراسة النوع الاجتماعي وتعزيز القيم العالمية لحقوق الإنسان، والتكافؤ بين الجنسين بفضل أبحاثهما التي هي بمثابة سلاح قوي للتغيير الإيديولوجي في المجتمعات الحالية. وشهدت السنة المنصرمة كذلك إنشاء جمعية الصداقة الأندلسية المغربية «منتدى ابن رشد»، وهي جمعية يرأسها الناقد والشاعر الإسباني خوسيه ساريّا، تهدف إلى تطوير علاقات الصداقة بين البلدين، استحضارا للتاريخ والثقافة المشتركين، والمتجذرين لدى الشعبين معا عبر عصور خلت.
نختم مقالنا هذا بابتسامة أمل وتفاؤل، تقهر المستحيل وتتحقق بها الأهداف والتوصيات المسطرة في سنة 2022، لتصبح هذه السنة الجديدة 2023 مفعمة بالحركية الثقافية والأكاديمية، وبتفعيل المشاريع والاتفاقيات المُبرَمة التي تصب في الصالح العام لبلدنا ولطلبة لغة «ثيربانتيس» وأساتذتها.
(*)أستاذة اللغة الإسبانية ومهتمة بالشأن الثقافي المغربي والإسباني