أسلمة المغرب .. حسب ما قيل -16- جـمـع الـقـرآن

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
هل تَرى تلك الثقافة أن التحقيب هنا لا يهتم إلا بما يسمى الدولة الحديثة؟ الأوْلى، إذن، الحديث عن الدولة المغربية وليس الموريتانية Moros أو Mores أو المراكشية Moroeccos منذ سميت كذلك، أو حين حاول الفرنسيون تأسيس مفهوم جديد للدولة الحديثة ومنح المملكة الشريفة اسم Royaume du Maroc للحديث عن المملكة المغربية وسموها على طريقتهم و بصياغتهم؟ وقالوا اختصارا Maroc، أو حين تم وضع أول دستور مغربي (محض) بعيد الاستقلال .
المشكل، من هذا المنظور، هو مشكل هوية ثقافية تتعلق بمواطن مغربي يرى أن ماضيه لا يتجاوز تأسيس الأدارسة لإمارتهم، أي قدوم المولى إدريس الأول رفقة خادمه إلى المغرب الأقصى ونزولهما ضيفين على قبيلة أوربة (إن كان النطق صحيحا) ونتعرف من خلال التاريخ الرسمي على اسم زعيمها وابنته كنزة . معضلتنا أننا نلوك هذا في مقرراتنا ومناهجنا كنوع من الوحي المنزل دون طرح تساؤلات من قبيل: كم كان عمر سبط الرسول الأعظم إدريس بن عبدالله حين قدم إلى المغرب؟ أليس لديه أبناء؟ نتساءل هكذا ونحن نعلم أن أغلب القدماء كانوا يتزوجون وهم في سن معينة، أو على الأقل يتخذون جواري ويمارسون الجنس مع ما ملكت الأيمان .
معضلتنا أننا لا نعلم أبناءنا طرح الأسئلة من هذا النوع! وما زلنا ندرس في أقسامنا ك ما من المعلومات التي صارت متاحة بنقرة زر ، و لا نعل مهم طرق التحليل وآليات التفكير القائمة على العقل و المنطق .
مشكلتنا، أن أغلب المؤسسات تريد ترك الأمور على حالها.

 

لقد نزل القرآن ، بلسان عربي مبين ، مفرقاليلبي حاجة الخلق في الدنيا و الآخرة ، عن طريق الوحي (جبريل) للرسول صلى الله عليه وسلم . فبعض السور نزلت مفرقة و يكون النزول حسب الأسباب .. إلا أن الظروف حكمت على الناس بجمعه في مصحف أي في كتاب.
وتعد مسألة جمع القرآن نتيجة لمشكلة حروب الردة (إن اعتبرت مشكلة، ما لم تكن فيها حكمة إلهية) وقد ورد أمر الجمع في كتب عديدة مما يدل على تواتر القصة وصحتها بحيث لم يكذبها أحد غير بعض الشيعةالذين نعرف موقفهم من حروب الردة وعدم شرعيتها في نظرهموترىعلياأحقبالخلافةبعدبيعةغدير (خم). ومادامت نوعا من الثورة والرفض لخلافةٍ لم تُشاوَر فيها بعض القبائل، ولم تبايع الصديق. وحين سمعت هذه القبائل بالبيعة لأبي بكر أعلنت رفضهما، بل وسخطها، فامتنعت عن أداء الزكاة، لذلك اتهمتها السلطة بالردة .
وبعد الحروب اقترح الفاروق عمر على الخليفة أبي بكر مسألة جمع القرآن ـ حسب كتب التراث ـ
«قال أبو بكر (ض): قلت لعمر، كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول لله (ص)؟
قال عمر(ض) : هو ولله خير .
فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح لله صدري .
وكان زيد يتتبع القرآن في العسب واللخاف وصدور الرجال حتى جمع القرآن في مصحف، فكانت هذه الصحف عند أبي بكر حتى توفي، ثم عمر، ثم عند حفصة بنت عمر“
ونقرأ في فتح الباري على صحيح البخاري: “قدِم عمر فقال: منْ كان (قد) تلقّى من رسول لله (ص) شيئا من القرآن فليأت به . وكان لا يقبل شيئا حتى يشهد شاهدان“
و أورد ابن أبي داود عن هشام عن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر و لزيد:
«.. اقعدا في باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب لله فاكتباه»
فكان زيد لا يكتب إلا بشاهدين .. وأما آخر سورة براءة “من المؤمنين رجال صدقوا ..” فلم توجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت الأنصاري.
بل ذهبت المصادر أبعد من هذا حين سُئل عمر (ض) عن آيتين قال: «لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا سورة في القرآن فضعوها فيها». فقال المتكلم: «فوضعتها في آخر سورة براءة» رواه الإمام أحمد.
وفي عهد الخليفة عثمان (ض) رأى المشكل يتفاقم فارتأى جمع القرآن ضرورة، كما اتخذ مجموعة من التدابير الأخرى لما فيها من صلاح للأمة، إلا أن ذلك جلب عليه نقمة الثوار، ومن تمة كان القتل وطلب الثأر والخلاف والتفرقة، فاقتتل الصحابة والمبشرين بالجنة فسفك بعضهم دماء بعض، وشاع الخلاف بين المسلمين، وكانت من بينهم عائشة (أم المؤمنين) وابن الزبير وعلي ومعاوية .. فظهرت المذاهب وتوجه كل منهم وجهته الخاصة وعم الاختلاف الذي سمته المصادر بالفتنة الكبرى بعد مقتل الخليفة عثمان (ض) .
لقد كان الناس في الأقاليم على عهد عثمان (ض) يقرأون باختلاف القراء، ففتح ذلك باب الشقاق والاختلاف، وأخذ البعض يخطّئ البعض، حتى إن الخليفة خطب في الناس: «أيها الناس .. لقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك و هذا يكاد يكون كفرا..».
وقد قال علي كرم لله وجهه حين رأى هذا الخلاف والاختلاف زمن عثمان (ض): «.. ولله لو وُلّيت لفعلت مثل الذي فعل»
لقد كان اختيار زيد من طرف الخليفة لورعه وأمانته وشبابه سببا لاصطفائه كما يقول أهل السنة والجماعة، إلا أن الشيعة تؤكد أن عليا بن أبي طالب يعتبر المسؤول الأول عن هذا الجمع ولم يستشر أحدا عن أية آية، ويستشهدون بقول علي (ك): «.. ليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول لله (ص)، وعلمني تأويلها»
لذلك فعملية الجمع ـ من منظور الشيعة ـ قام بها عليٌّ(ك) بُعَيد وفاة الرسول (ص)، حيث التزمَ بيتهَ و لم يخرج حتى جمع القرآن . والقرآن ـ كما يرى العلماء و منطق الأشياء ـ كلام لله لا يقبل التأويل مطلقا فهو ليس اجتهادا قابلا للصواب والخطأ.
ومن جهة أخرى نجد جمع القرآن الفعلي (أي في كتاب واحد) قد تم زمن عثمان (ض) ففرقه على الأمصار الإسلامية ، وحرق ما تبقى مما حوله خلاف بين المسلمين .
ففيما رواه البخاري أيضا عن أنس :
«إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان (حذيفة) يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق .. فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين ، أدرك الناس . فقال : وما ذاك؟ قال : غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب ، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة عبد لله بن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام ، فيكفر بعضهم بعضا حتى اقتتل الغلمان والمعلمون ..”
وحين سمع القصة أرسل من توه لحفصة (بنت عمر بن الخطاب) أن ارسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف تم نردها إليك .. وأمر زيدا بن ثابت وعبد لله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث فنسخوها في المصاحف.
أمر بعد ذلك بحرق ما تبقى، واختلفت المصادر عن عدد المنسوخات، ولم يحددها القرطبي ، فقالوا أربع، وقالوا خمس (السيوطي)، وذهب البعض إلى سبع (السجستاني).. المهم، أن الخليفة (ض) أرسل كل واحدة من النسخ إلى ما ذكر من الأمصار (مكة والشام واليمن والبصرة والكوفة واحتفظ بواحدة). ولم تذكر المصادر مصر مما يعني أن الغرب و شمال إفريقيا لم يصلها الكتاب المجموع ، بل و نرجح أن النسخة لن تصلها إلا بعد سنين أو عقود.
وهذا يعني أن هذا الخلاف الذي لايزال في بدايته تزامن مع فتح شمال إفريقيا و دخول القبائل البربرية إلى الإسلام .. وإذا كان القرآن الذي يعد دستور الناس وأصل الكتابة والتأليف لم يكن بعد محفوظا إلا في بعض الصدور فعن أي فتح للمغرب نتحدث هنا؟.


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 20/04/2022