أسلمة المغرب .. حسب ما قيل 7 : الموريسيون هم هنود جاؤوا إلى المغرب مع هيرقليس

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
هل تَرى تلك الثقافة أن التحقيب هنا لا يهتم إلا بما يسمى الدولة الحديثة؟ الأوْلى، إذن، الحديث عن الدولة المغربية وليس الموريتانية Moros أو Mores أو المراكشية Moroeccos منذ سميت كذلك ، أو حين حاول الفرنسيون تأسيس مفهوم جديد للدولة الحديثة ومنح المملكة الشريفة اسم Royaume du Maroc للحديث عن المملكة المغربية وسموها على طريقتهم و بصياغتهم؟ وقالوا اختصارا Maroc، أو حين تم وضع أول دستور مغربي(محض) بعيد الاستقلال .
المشكل، من هذا المنظور ، هو مشكل هوية ثقافية تتعلق بمواطن مغربي يرى أن ماضيه لا يتجاوز تأسيس الأدارسة لإمارتهم ، أي قدوم المولى إدريس الأول رفقة خادمه إلى المغرب الأقصى ونزولهما ضيفين على قبيلة أوربة )إن كان النطق صحيحا ( و نتع رف من خلال التاريخ الرسمي على اسم زعيمها وابنته كنزة . معضلتنا أننا نلوك هذا في مقرراتنا ومناهجنا كنوع من الوحي المنزل دون طرح تساؤلات من قبيل: كم كان عمر سبط الرسول الأعظم إدريس بن عبدالله حين قدم إلى المغرب؟ أليس لديه أبناء؟ نتساءل هكذا ونحن نعلم أن أغلب القدماء كانوا يتزوجون وهم في سن معينة، أو على الأقل يتخذون جواري و يمارسون الجنس مع ما ملكت الأيمان .
معضلتنا أننا لا نعلم أبناءنا طرح الأسئلة من هذا النوع ! و ما زلنا ند رس في أقسامنا ك ما من المعلومات التي صارت متاحة بنقرة زر ، و لا نعل مهم طرق التحليل وآليات التفكير القائمة على العقل و المنطق .
مشكلتنا، أن أغلب المؤسسات تريد ترك الأمور على حالها .

 

المغرب في الفترة الرومانية
قال ستربون:
2 ـ « .. بعض الكتاب يظنون أن عمادي هرقل هما كالبي و أبيليا et AbeliaCalpè، إنه الجبل الموجود في ليبيا المقابل لكالبي. وبالنسبة لإراستوتين فهو ينتصب في منطقة الشعب النوميدي الجبلي ..
.. بعد هذا نجد مدينة بولون Belon (إسبانيا) . من هنا تحديدا نعبر إلى تينجي موريسيا
ثم نجد وكالات (مؤسسات) للتمليح . وهناك أيضا مدينة زيليس قرب تينجي . و الرومان يجعلون الأهالي يعبرون إلى الضفة المقابلة ليلتحقوا بالساكنة القليلة بتينجي ، كما يرسلون بعض المعمرين من موطنهم ويسمون المدينة جوليا جوزا Julia Josa ..
3 ـ .. هنا يسكن الموريسيون حسب التسمية الإغريقية أو المور حسب التسمية الرومانية
.. قوم ليبيا .. قوم أغنياء ..
وهذا هو المضيق الذي يفصلهم عن إسبانيا .. وفي الحقيقة هنا يوجد عمادا هرقل .. العمودان اللذان تحدثنا عنهما سلفا . و حين نعبر مضيق العمادين و نسير يسارا نحو ليبيا نجد جبلا يسميه اليونانيون أطلس والبرابرة ديريس Dyris وهو آخر نقطة نحو مغرب الشمس .
.. لينكسLynx حسب أرتيمدور Artèmidore ، ليكسوسLixos حسب أرستوتين، وهو يقابل كاديرا Gadira ويفصل بينهما ذراع بحري يمتد نحو 800 (مرحلة) stades وهي نفس المسافة الفاصلة بين مدينتي عمادي هرقل و ما بين جنوب ليكسوس ورأس الجوانبcap cotès حيث تمتد الوكالات التجارية الفينيقية emporia على طول الساحل الذي يعد امتدادا للخليج ، هو عبارة عن أشرام متعددة .. وهب أننا حذفنا خياليا هذه الخلجان ـ وحسب الشكل الهندسي الذي رسمناه ـ سيبدو أن الاتساع سيكون نحو الجنوب حيث تمتد القارة الليبية و سلسلة الجبال التي تعبر موريسيا وهي تمتد من رأس الجوانب إلى سِرْت (aux Sertes) .. تبدأ بالموريسيين ، ثم داخل اليابسة وتلك السلاسل الموازية سنجد أهم الشعوب اللليبية ويسمون الكيتول (الجيتول) وهم كثيرو العدد..
.. وتلك الخرافات الكاذبة و المبتدعة حول هذا الساحل الليبي الخارجي .. فالمؤرخون يبدأون برحلة أوفيلاس وقد أشرنا لها أعلاه .. والآن سنتحدث عنها مجددا مع الاعتذار عن عجائبية هذه المحكيات ـ فنحن مضطرون للسقوط في الخرافات ـ بالرغم من أننا كنا نريد تجاوز هذه المرحلة بطريقة أو بأخرى ما أمكن ..
هكذا يحكى أن في الخليج كهف عميق تتمكن مياه البحر كلما كان المد عاليا الدخول إلى غوره حتى مسافة سبعة مراحل ، وفي آخر هذا الكهف توجد بقعة فسيحة ينتصب فيها مذبح لهرقل لا يصله المد أبدا ، وفي رأيي إنها إحدى تلك الخرافات التي تحدثت عنها ، ومنها ما كان فيما مضى في هذه الخلجان أمبريومات (وهي عبارة عن وكالات تجارية فنيقية) والتي صارت اليوم مقفرة فأكثر من 300 مدينة صارت خرابا من طرف الفاريزيين و النيكريت ( pharisiens ، negrites) وهم قوم ـ كما يقولون ـ يوجدون على بعد مسيرة ثلاثين يوما من لينكس Lynx ..
4 ـ و على الرغم من هذا ، كل شيء يصب نحو القول أن موريسيا بلد غني عدا ما فيه من صحراء لا أهمية لها . فهو مليء بالأنهار و البحيرات ، وهو غني بالغابات الكثيفة ذات الأشجار السامقة ، وفيه ينمو كل شيء ، فهذه الموائد الكبيرة و المكونة من قطعة واحدة و بألوان مختلفة هو من يزود بها الرومان …
يعتقد البعض … كما يشاع … في هذه البلاد مازالوا يحكون مثل هذه الأشياء …
.. في هذه البلاد تنمو أشجار الكرم ضخمة بالكاد يتمكن رجلان من شبك ذراعيهما حول جذعها وتنتج عناقيد بقدر الذراع تقريبا . (هنا) كل الأعشاب والنباتات تكون أطول … هذا البلد يحوي كل أنواع الأفاعي والأفيال و الغزلان والوعول وحيوانات شبيهة بها ، هذا بالإضافة إلى الأسود و الفهود، وتعيش فيه أيضا (بنات عرس) وهي تشبه القطط لولا خطمها المتقدم . هنا أيضا عدد كبير من القردة وهذا موضوع يحكي بوسيدونيوس Posidonios أنه أثناء عبوره من كاديرا بإيطاليا وحين وجهته الرياح إلى الساحل الليبي ، شاهد هناك غابة من أشجار البلوط على الساحل مليئة بهذه الحيوانات ، بعضها على الأشجار و أخرى على الأرض وبعضها يحمل أبناءه و يرضعها .. كان يضحك لرؤيته لبعضها يتدلى (من فروع الأشجار)، بعضها أقرع وأخرى مريضة بالفتق ! أو تظهر عليها أعراض أخرى …
5 ـ .. ما فوق موريسيا على البحر الخارجي (المحيط) يوجد بلد إثيوبيا الغربية وهو غير آهل في معظم أرجائه . هنا ـ وحسب إيفكراتIphicrate ـ تعيش الزرافات والأفيال وحيوانات تسمى (الغيز) (Rhizes) وهي تشبه الثيران لكن طريقة عيشها وقوة صراعاتها و كبر حجمها يقربها أكثر من الفيلة .. و يتحدث أيضا عن أفاعي كبيرة الحجم لدرجة أن الأعشاب تنمو فوق ظهورها .. يقول أيضا أن الأسود تهاجم صغار الفيلة و لا يطلقونها إلا بدمائها حين تأتي الفيلة الأم ، وحين تراه ملطخا بدمائه تقتله، ثم يعود الأسد ليلتهم جثته ..
يقول أيضا أن بوكوس Bogus ملك مورسيا بعد حربه ضد الإثيوبيين أرسل لزوجته هدية عبارة عن قصب يشبه إلى حد ما ذاك الذي يوجد بالهند ضخامة … (أشار سترابون إلى حرب مع الإثيوبيين .. وهذا يعني أن امتداد مملكة بوكوس قد شملت الأقاليم الصحراوية كما تسمى اليوم )
6 ـ .. إذا أبحرنا انطلاقا من لينكس تجاه البحر الداخلي (المتوسط) نجد زيليس Zelis و تيغا Tiga ثم قبور الإخوة السبعة و فوقها جبل أبيلا Abila المملوء بالضواري و المغطى بالأشجار العظيمة … و يقال … وإذا ما نحن اقتحمناه تتتابع المدن و الأنهار بكثرة إلى نهر ملوخت (ملوية) Molochath الذي يحد بلاد موريسيا و بلاد المازايسيليين Masaesyliens …
7 ـ و بالرغم من كون الموريسيين يسكنون عموما منطقة رائعة فإن أغلبهم مازال يعيش بطريقة الرحّل إلى يومنا هذا بالرغم من كونهم دائمي البحث عن مظاهر الفرح، فهم يضفرون شعور لحاهم و خيولهم ، ويتحلون بالمجوهرات و يعالجون أسنانهم و أظافرهم، وقلما تراهم أثناء تنقلاتهم يهملون مظهر تسريحة شعرهم حفاظا على روعتها. وهم يحاربون في أغلب الأحيان بواسطة الرماح و يحملون خناجر (machaira) و على ظهور الجياد مستعملين لجاما مصنوعا من الحلفاء وهم يمتطون هذه الجياد عارية دون سرج .. و جنودهم يحمون أنفسهم بجلود الفيلة يستعملونها كدروع ، ويتدثرون بجلود الأسود والفهود والدببة ويجعلونها أغطية عند النوم.
.. إن الموريسيين وجيرانهم المازايسوليين، أو لنقل، عموم الليبيين في كل مكان يلبسون نفس اللباس ويستعملون نفس الأدوات ويتشابهون في كل ما تبقى، يمتطون جيادا قصيرة نشطة وسهلة الانقياد إذ يسيّرونها بواسطة قضيب. وللجياد عقود تصنع من مواد نباتية أو من شعر وتُربط بها سيور اللجام. وهناك من هذه الجياد ما يتبع صاحبها كما تفعل الكلاب دون أن يمسك بها من اللجام. ويستعملون دروعا صغيرة دائرية الشكل مصنوعة من الجلد، ورماحا من الحديد عريضة وقصيرة. وجلابيب قصيرة وعريضة من دون حزام وتكون من جلود الحيوانات، التي ذكرت، وهي مربوطة بواسطة عقد يصلح كواق.
الفيروزيون هم والإثيوبيون الغربيون أصحاب أقواس ونبال ويستعملون أيضا عربات (chars) مسلحة بمناجل.
.. الفيروزيون قد يلتقون مع الموريسيين ـ لكن لماما ـ حين يقطعون الصحراء وهم يربطون قربهم المملوءة بالماء تحت بطون جيادهم وقد يذهبون إلى سرتة Cirta عبر أراض من المستنقعات والبحيرات ويقال أن بعضهم يعيش في الكهوف كما التروغلوديت حيث يحفرون في الأرض .. ويقال أيضا في هذه البلاد تسقط أمطار غزيرة في الصيف بينما يكون الشتاء جافا. وبعض الشعوب البربرية المتوحشة في هذه المناطق يستعملون ـ على ما يبدو ـ جلود الأفاعي وحراشف الأسماك كألبسة وأغطية..
.. وهناك كتاب يزعمون أن الموريسيين هم هنود جاؤوا إلى هذه البلاد مع هيرقليس Heracles ..
مهما يكن فإلى عهد قريب من عصرنا كان بوكوس Bogus وبوكوس Bocchus ملكي هذه البلاد صديقين للرومان وبعد موتهما اعتلى العرش جوبا (2) على يد القيصر أوغست Cesar Auguste ليلتحق بولايات والده فقد كان ابنا لجوبا الأول الذي قاتل بجانب سكبيون Scipion ضد القيصر (الرائع) .. لقد مات جوبا (2) مؤخرا وخلفه بعده ابنه بطولومي Ptolomèe الذي ولد من ابنة أنطوان وكليوبترا.
8 ـ أرتمديور Artemidioreانتقد إرستوتين Erastothene لأن هذا الأخير يعتقد أن ليكسوس Lixos هي آخر مدينة، وكآخر نقطة غربية من موريسيا بينما هي في الحقيقة Lynx لانكس، فهو يزعم أن العديد من المدن الفينيقية خرّبت و سويت بالأرض نهائيا ولم يعد في استطاعتنا إيجاد أثرها.
كما يقول: عند الإثيوبيين الغربيين يوجد ضباب كثيف في كل صباح ومساء ، فكيف يعقل أن يكون هذا حال منطقة جافة وساخنة ..
لكن أرتمديور نفسه أخطأ كثيرا بل كانت أخطاؤه أكثر فداحة من أخطاء غيره عن نفس المنطقة حين يقول أن القوم المسمون لوتوفاج Lotophages قد هاجروا إلى هنا و سكنوا منطقة جافة و يقتاتون على اللوتوس (لوتوس الأفريقي) (نباتا و جذورا) وبفضل هذا لم يكونوا في حاجة إلى شرب الماء .
وقال أيضا : .. إنها تمتد إلى المناطق الموجودة فوق سيرين، وهنا يشربون اللبن و يتناولون اللحوم بالرغم أنهم يعيشون تحت نفس الطقس ..
وغابينيس Gabinis كلما تحدث عن موريسيا لا يتفادى الخرافة ، فهو شاهد ضريح آنتي و ذكر أنه في منطقة لانكس و هو هذا الهيكل العظمي بطول ستون ذراعا، عرى عنه سيرتوريوس Sertorius ثم أعاد دفنه..
وهذه الحكايات الخرافية حول الفيلة حيث يدعي أن الحيوانات كلها تخشى النار ـ وهذا واقع ـ بينما الفيلة تقاومها و تحرس الغابات ، وهي تصارع البشر، بل ترسل المخبرين وإذا هربوا هربت باقي الحيوانات الأخرى . ثم أخيرا فهي حين تجرح تتمدد و هي تتوسل العشب و الأغصان أو التراب (الغبار).


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 09/04/2022