توأم الشر، نذير الموت، أو نظرية دوبلغنجر، هي ظاهر فيزيائية غير قابلة للتفسير؛ فمنذ 12 عاماً، قام الفنان الكنديFrançois Brunelle بإنشاء موقع على شبكة الإنترنت لتصوير الغرباء الذين يشبهون بعضهم البعض من مختلف أنحاء العالم، وهو موقعiLookLikeYou، وبالفعل امتلأ الموقع بصور المئات من الناس، وكذلك أشباههم من البشر من مختلف أنحاء العالم، مما أثار الفضول والدهشة لدى الكثيرين عن سبب وجود اثنين من الناس الذين لا يعرفون بعضهم، ولا يرتبطون بأي شكل من الأشكال، وينتمون إلى ثقافات ومجتمعات مختلفة، وأن يكون بينهم هذا التشابه الغريب
!ومن ناحية أخرى، كانت هناك قضية أثارت انتباه كافة وسائل الإعلام في أمر التشابه الغريب، والذي حدث مع امرأتين من أيرلندا هما Niamh Geaney و Karen Branigan، واللتان بدتا كأنهما صورة وانقسمت!.. فكانت تبدو وكأنها معجزة !
ما هو معنى كلمة دوبلغنجر؟
Doppelgänger، هي في الأصل كلمة ألمانية،Doppel، معناها مزدوج، أما المقطع gänger، معناه شبيه، وDoppelgänger تعني أيضاً الشبح المزدوج، أو شخصين متشابهين جسدياً، وقد وضع هذا المصطلح لأول مرة من العالم الألماني جان بول، وأصبح شعبي في العالم 1851م .
أسطورة الدوبلغنجر
في الأساطير القديمة، كان يشار إلى الدوبلغنجر على أنه (التوأم الشرير)، وينظر إليه على أنه علامة للموت الوشيك، فإذا رأى شخص ما شبيهه، فإنها علامة على قرب موته، وإذا رأى أصدقاء الشخص شبيهه، فذلك دليل على مرض يصيب هذا الشخص !
وكان يعتقد أن هذا التوأم الخارق للطبيعة، يزرع الأفكار الشريرة في عقل الضحية «الشبيه»، وبالتالي يجب على الضحية أن يتجنب التواصل معه بأي ثمن، كما أن المصريين القدماء، كانوا يعتقدون أن «كا» وهو من الآلهة المصرية القديمة، يمثل الروح المزدوجة، حتى أن المصريين القدماء، كانت لهم نظرة أخرى في تفسير حرب طروادة، إذ يعتقدون أن «كا» أو شبية الملكة اليونانية «هيلين»، هي من أغرت وضللت «باريس» أمير طروادة حتى تقوم حرب بين البلدين .
ويزخر الفلكلور النرويجي بالكثير من قصص التوائم الخارقة للطبيعة، ويعتقد أن هذه الكيانات تسبق المغفلين من الناس، وتأخذ مكانهم في الظروف الاجتماعية المختلفة عن طريق محاكاة أسلوبهم، أو عطرهم، وخطاهم، وشخصيتهم، ولكن هذه الكائنات لا تكن بالضرورة شريرة، ولكنها بالطبع تخلق بلبلة وتوتر بين الناس، إذا ما ظهر الشخص الحقيقي الشبيه بها!
هناك أساطير من جزر أوركني في اسكتلندا، تشير إلى وجود مخلوقات صغيرة تشبه حوريات البحر، تلد أطفالاً تعرف باسم «المستبدلين» أو» changelings» ، وهذه المخلوقات سيئة السمعة، فتقوم بسرقة الأطفال الأصحاء الرضع، واستبدالهم بأطفالها السيئين والمرضى الشبيه بهم، وبالتالي يموت الأطفال السيئين في وقت مبكر، بينما تحتفظ تلك المخلوقات بالأطفال الطبيعيين.
كما أن أساطير قبائل شيروكي تنص على وجود أرواح تدعى «Nunnehi» تقوم بإنتحال شخصيات الناس، وتتخذ أسماءهم، وتسبب لهم الموت.
تفسير ظاهرة الدوبلغنجر
هناك عدة نظريات تفسر ظاهرة الدوبلغنجر، بعضها اقترح أن هذا الكيان اللاماورائي، يلتصق أو يتطفل على الشخص الأصلي مثل الطفيل على العائل.
ويعتقد العديد ممن لديهم نظرة نفسية أن ظاهرة الوبلغنجر هي في الغالب نتيجة تغير الأنا للشخص، في حين يعتقد الروحانيون أن نفس الشخص تنشق أو تنفصل عن نفسها الأصلية، وأنه مجرد أن يموت الشخص، فإنه يصبح قادراً على التواجد في مكانين مختلفين في آن واحد.
ففي عام 2006 قام علماء من سويسرا بتجربة استخدموا فيها التحفيز الكهربائي للجانب الأيسر من الفص الجداري في الدماغ للمريض، ونتيجة التجربة، أصبح المريض قادراً على رؤية صورته المزدوجة، واستنتج العلماء من ذلك أن الإنسان عادة يخزن ذكرياته الذاتية لصورته في الفص الأيسر من الدماغ، وبالتالي عندما يحدث اضطراب ما في هذا الجزء من الدماغ، فإن الشخص يتعرض إلى تجربة دوبلغنجر، وهذا التأثير يرتبط بشكل طبيعي مع انفصام الشخصية والاضطرابات النفسية والعصبية الأخرى.وهذا التفسير يوضح سبب رؤية الناس لأشباههم دون وجود شهود على ذلك، ولكن في حالات عديدة ظهر الشبيه أمام الناس، مما جعل الأمر غاية في التعقيد.
هناك اعتقاد منتشر عن ظاهرة الدوبلغنجر، واصفاً إياه بأنه التوأم الشرير، لأولئك الذين ليسوا توائم، فعندما يظهر هذا الشبيه للشخص الأصلي، فإنه غالباً يفعل الأشياء التي لا يريدها الأصلي، وعادة تكون سيئة وشريرة، ويشير البعض إلى أن هذا الشبيه يمكن أن يكون ببساطة «الأنا» للشخص الأصلي، وهي نظرية مقبولة، أو يمكن أن يكون «شيطان» أو «جني تعلق بالشخص، حسب بعض الاعتقادات، فيسبب له المشاكل في حياته عادة، حيث يعتقد الروحانيون أن الشياطين يمكن أن تنتحل صفة الشخص وتعبر عن نفسها، وعادة تكون هذه الأمور تسبق موت الشخص.
والاعتقاد الأكثر شعبية أن رؤية الدوبلغنجر الخاص بك، هو نذير للموت، أو أن هناك شيئاً سيئاً على وشك الحدوث، والبعض الآخر يعتقد أنه رسول من المستقبل لترى ما ستكون عليه.
وبغض النظر عن كل هذه النظريات والآراء، فالجزء الاكبر يتفق على أن الدوبلغنجر يظهر بلحم ودم أي كشخص حقيقي وليس كروح، أو شبح، ولكن نضع في اعتبارنا أيضاً أن الكثير من الناس يعتقدون انه روح، ولأن ظاهرة الدوبلغنجر أمر نادر الحدوث، فإن من الصعب على العلماء دراسته.
بعض القصص الحقيقية
القضية الاكثر إثارة للإهتمام، هي قضية Emilie Sagée، وهي معلمة من القرن الـ 19 في فرنسا، وقد سجلت لها ظاهرة غريبة ومثيرة للاهتمام، سجلها الكاتب الأمريكي، روبرت ديل أوين، حيث كانت إميلي، ابنة البارون von Güldenstubbe، معلمة مجتهدة ومتميزة، ولكن شهد الكثيرين في المدرسة أنها كانت مصدراً للعديد من حالات الدوبلغنجر الغريبة .حيث أنه مرة أثناء تدريسها لفصلها وعلى مرأى من 13 تلميذا للفصل، رأى الجميع شبحها أو شبيهتها تكتب على السبورة وبنفس طريقتها وأسلوبها، في حين أن إميلي نفسها لم تراها!
وفي المرة الثانية، رأى 42 طالبا إميلي تقطف الزهور في الحديقة، بينما شبيهتها كانت جالسة بهدوء على كرسيها في الفصل، وعدد قليل من الطلبة الشجعان حاولوا لمسها، فقالوا بأنهم شعروا بملمس القماش الخشن، وأكدت إميلي أكثر من مرة أنها لم تر نفسها!
ومع مرور الوقت أصبحت شبيهة إميلي موجودة باستمرار في المدرسة وعلى مرأى الجميع، فبدأ الآباء والأمهات بالقلق إزاء أبنائهم، ولم يكن لدى مدير المدرسة أي خيار سوى إطلاق النار على إميلي وشبحها جنباً إلى جنب.
أما القصة الأخرى الأكثر شهرة، فهي ظاهرة الدوبلغنجر الخاصة بالرئيس «إبراهام لينكولن»رئيس الولايات المتحدة، فافي عام 1860 ، كان إبراهام لينكولن يجلس على أريكته في حجرته بعد الانتخابات، حيث رأى صورة طبق الأصل منه ينظر في المرآه، وقد تلاشى بعد ذلك وعندما أخبر زوجته، كانت متاكدة أن هذا الأمر هو نذير شؤم، ولكنها أخبرته بأنه ربما سيعاد انتخابه للمرة الثانية «بمعنى أن اثنين من إبراهام لينكولن يعني فترتين رئاسة» ولكن لينكولن بالفعل تم إغتياله بعد فوزه بولاية ثانية بوقت قصير.
في حين أن الحالة الأكثر غرابة كانت للكاتب الفرنسي غي دي موباسان، الذي يقال إنه تفاعل مع توأمه قبل أيام من وفاته، حيث ظهر إليه في آخر أيام حياته، وأملى عليه كتاب»The Horla»، الذي يتحدث عن رجل يسيطر عليه كيان شيطاني، وكأنه يسرد هذه الظاهرة الغريبة التي تحدث له، ومع انتهاء القصة بدأت الحالة النفسية لـ غي دي موباسان تتدهور حتى مات في مستشفى الأمراض العقلية في وقت لاحق من نفس العام.
ويقال إن الملكة إليزابيت الأولى ملكة إنجلترا، قد رأت توأمها نائمة على سريرها قبل أيام من وفاتها . كما يقال إن الشاعر الإنجليزي الشهير بيرسي شيليرأى توأمه في إيطاليا يشير بصمت نحو البحر الأبيض المتوسط، وأصبح في حيرة بسبب هذا الأمر، وقبل يوم ميلاده الـ 30 عام 1822، غرق شيلي ومات في البحر الأبيض المتوسط ، في حادث إبحار غريب.
الدوبلغنجر في الأدب والثقافة الشعبية
تمثل رواية فرانكشتاين لماري شيلي ظاهرة الدوبلغنجر بشكل كامل، حيث في الرواية دكتور فيكتور فرانشكتاين، يستخدم العلم لخلق وحش اصطناعي، يمثل غروره ونرجسيته وشخصيته أحياناً، حيث يمثل الوحش فرانكشتاين وجهين لكيان واحد، حيث يمثل جانب الشر أحياناً في حين يتصرف مثل دكتور فرنكشتاين في لحظات أخرى.
أما الرسام الإنجليزيDante Gabriel Rossetti، فكان مهووساً بموضوع الدوبلغجنر، فقام برسم لوحة شهيرة تحمل اسم «كيف التقيا أنفسهم؟»، وتدل هذه اللوحة على العلاقة المشؤومة مع التوائم، كما تدل على الشر، حيث تصور عاشقين يمشون خلال طريق الغابات، ويواجهان أنفسهم فجأة ويوجه الرجل سيفه إلى شبيهه، وتنهار السيدة وهي شاحبة اللون، وقد رسم روستي اللوحة أثناء قضائه شهر العسل، ويقال إنه وزوجته قد لاقوا حتفهم بعد ذلك بفترة قصيرة.
وظهرت هذه الظاهرة كثيراً في المسلسل المشهور يوميات مصاص دماء Vampire Diaries، حيث ظهرت عدة شخصيات مشابهة، وسميت بعضها «القرينة».
وسواء كانت ظاهرة الدوبلغنجر حالة نفسية مضطربة، أو حالة خارقة للطبيع، أو توأم شرير، أو بسبب روح، أو شبح، فيمكن تسميتها أي شيء، ولكن تظل الحقيقة في هذه الظاهرة غامضة حتى الآن !