هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.
في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كان العالم يصحى بين الفينة والأخرى على خبر انقلاب عسكري في هذا البلد او ذاك، أغلبها بطريقة دموية، استهوت السلطة ضباط الجيش، وفي سبيلها ومن أجلها سقط العديد من الضحايا، ووجد معارضو الأنظمة العسكرية أنفسهم مطاردين في كل مكان، سيناريو لم تسلم منه عدد من الدول الأوروبية، ومنها اليونان، بلد المخرج الذائع الصيت ” كوستا غافراس” والذي اشتهر بالخصوص بفيلم Z، الذي يعتبر واحدا من أهم الافلام السياسية والذي انتقذ العسكريين في بلاده واسلوبهم في استهداف معارضيهم والاستيلاء على السلطة.
فيلم “Z” مقتبس عن رواية بنفس العنوان للكاتب اليوناني “فاسيليس فاسيليكوس” كتب له السيناريو ” جورح سيمبرون” و”كوستا غافراس” وبطولة “جون لوي تريتينيان” “إيف مونطان” و”إيرين باباس” وقد أنتج سنة 1969، حيث كانت اليونان في فبضة العسكر، وتم تصويره في الجزائر.
يتحدث الفيلم عن اغتيال نائب برلماني معارض، واتهام الحكومة لاطراف يمينية متطرفة بالوقوف وراء مقتله، لكن هذه الرواية لم تصمد أمام الضغط الشعبي، فاضطرت الحكومة لتعيين قاضي تجقيق، معروف بعدم محاباته للثيار المعارض الذي ينتمي إليه النائب المغتال، معتقدة أن المحقق سيؤكد روايتها.
غير أن قاضي التحقيق سيذهب في عمليات التحري أبعد مما كانت تعتقد الحكومة، رغم سعيها لإسكات الشهود وإخفاء الأدلة، لكن القاضي سيتمكن من كشف المؤامرة التي كانت متورطة فيها اطراف نافذة في أعلى هرم السلطة والجيش والشرطة.
نجح السيناريست والمخرج في تجويل قصة ذات مضمون سياسي إلى فيلم تشويقي يشد الأنفاس، دون الإخلال بجوهرها، وهو أسلوب ألهم العديد من المخرجين لاحقا عند تناولهم لقضايا سياسية، وقد حظي فيلم “Z” بإقبال جماهيري كبير، وأشاذ به النقاد، كما فاز بالعديد من الجوائز، منها جائزة لجنة التحكيم وجائزة افضل دور رجالي، الممثل “جان لوي تريتينيان” في سنة 1969، وفي سنة 1970، فاز بجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي، وهي جائزة مهمة للفيلم الذي اعتبر إدانة للانقلاب العسكري في اليونان الذي ساندته الولايات المتحدة.
يعتبر فيلم “Z” من أهم الأفلام ذات المضمون السياسي، وألهم جيلا كاملا من التقدميين والثوريين والمناهضين للحكم العسكري، كما أثار حماس المعارضين اليونانيين، الذين كانوا يواصلون المظاهرات والاحتجاجات ضد الحكم العسكري، وفي ماي 1973، قامت مجموعة عسكرية اطلقت على نفسها اسم “Z” بمحاولة انقلاب، معلنين رغبتهم وضع حد للحكم العسكري وإقامة جمهورية مد
نية، ورغم ان المحاولة فشلت واغتيل اغلب من شارك فيها، إلا أنها أشرت على قرب انهيار حكم العسكر وهو ما سيجدث بعد اشهر قليلة.