لاشك أن المتتبع / المنشغل بـ «المستجدات المجتمعية»، في شتى تمظهراتها، قد وجد نفسه، في بحر الأسبوع المنصرم، مدعوا إلى قراءة أسطر خبر آت من نيويورك، بكل التأني والتأمل المطلوبين، وذلك بالنظر لما تبعث عليه من أسباب التفاؤل بشأن إمكانية تحقيق متغيرات إيجابية في القادم من السنوات.
إنه خبر اعتماد «الجمعية العامة للأمم المتحدة – يوم الأربعاء الفائت – بالإجماع، لقرار اعتبار العاشر من ماي من كل سنة، يوما عالميا لشجرة الأركان»، و«الذي حظي بدعم واسع من قبل 113 دولة عضو في الأمم المتحدة»، معترفا « بالمساهمة الكبيرة لقطاع شجرة الأركان في تنفيذ الأهداف الـ 17 لأجندة 2030، وتحقيق التنمية المستدامة ضمن أبعادها الثلاثة: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية». وهو إنجاز توج خطوة تصنيف هذه الشجرة عام 1998، من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ك»محمية المحيط الحيوي للأركان»، وإدراجها، في نونبر 2014، ضمن قائمة «التراث الثقافي اللامادي للإنسانية».
خبر يجعل المرء يستحضر أوضاع غالبية سكان الجماعات القروية المحتضنة لهذه الشجرة، والمحسوبة على النفوذ الترابي لأكثر من إقليم وعمالة «أكادير، تيزنيت، اشتوكة أيت باها، انزكان أيت ملول، تارودانت، كلميم، الصويرة…»، دون إغفال تواجدها – ولو بشكل ضئيل قياسا لمناطق الجنوب – بمنطقة بني يزناسن، بجماعة الشويحية – إقليم بركان بالجهة الشرقية، والتي تتسم «أي الأوضاع» بمواجهة يومية لمشاق متعددة الأوجه من أجل توفير مصاريف الحد الأدنى لمقومات العيش الكريم . استحضار مرده إلى أن القرار الأممي الأخير ، شدد على «التمكين الاقتصادي والإدماج المالي للسكان المحليين، وخاصة النساء القرويات»، لافتا إلى أن «التعاونيات والأشكال الأخرى للمنظمات الفلاحية، التي يدعمها المجتمع، والتي تعمل في قطاع الأركان، تخلق فرص عمل على المستوى المحلي ويمكنها أن تساهم، بشكل كبير، في تحقيق الأمن الغذائي والقضاء على الفقر، وبالتالي تحقيق أهداف التنمية المستدامة».
كلام واضح لا لبس فيه يجعل الساكنة المحلية في صدارة العناية والاهتمام، أو ما نعته القرار ب «التمكين الاقتصادي»، الذي بإمكان ترجمته الناجعة على أرض الواقع، أن تساهم في القضاء على عدد من عوامل الهشاشة الاجتماعية داخل المجال القروي، علما بأن «إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (11 نونبر 2009)» كان قد استهدف تنزيل مقاربة لرفع تحديات ثلاثة تتمثل في «تأهيل العنصر البشري وتثمين الموارد الاقتصادية وحماية البيئة»، وذلك في سياق التصدي للعوامل المؤدية إلى تقلص المساحة الغابوية للأركان، والتي تندرج ضمنها بعض الأنشطة العشوائية أبرزها الرعي الجائر وأعمال الحرث وقطع الأشجار من أجل توفير حطب التدفئة أثناء فصل البرودة، أو الاتجار غير المشروع بالنسبة للبعض؟
كما أن تشخيصا سابقا للوكالة، السالف ذكرها، كان قد لفت الانتباه إلى ما وصفه بـ «معيقات تحول دون تحقيق استفادة عادلة «من مردود منتوج الأركان، خاصة بالنسبة لـ «ذوي الحقوق» الذين يعتبرون «الحلقة الضعيفة في السلسلة»، والتي من بينها «تعدد الوسطاء في سوق بيع ثمار وزيت الأركان»، علما بأن عملية استخراج لتر واحد من زيت أركان ليست بالأمر السهل، حيث تتطلب متوسط عمل يناهز20 ساعة. فالعملية تبدأ بجني ثمار الشجرة، ثم تعمل النساء على فصل «الحب» من القشور، ليتم بعدها تكسير «الحب» للحصول على نوى تحمص وتسحق في رحى تقليدية «أزرك»، بغية الحصول على عجينة «تزكموت»، التي يتم دعكها بالماء قبل الحصول على زيت أركان صافية، تتعدد فوائدها «غذائية، صحية، تجميلية».
هي، إذن، مرحلة جديدة يؤشر على انطلاقتها القرار الأممي الأخير، يستدعي إنجاحها ميدانيا، من مختلف الجهات المسؤولة، محليا، جهويا ومركزيا، بذل المزيد من الجهود وبلورتها ضمن مقاربة تشاركية فعالة، في أفق جعل الاحتفاء باليوم العالمي لهذه الشجرة النادرة – 10 ماي – مناسبة للإعلان عن التخلص من كل الكوابح – الطبيعية والمصطنعة – التي تحول دون استفادة ساكنة الجماعات القروية المعنية من عوائد هذا «الكنز الطبيعي» بالشكل العادل والمنصف، وما يعنيه ذلك من استمرار هدر «الزمن التنموي»، الذي ألحت مرتكزات القرار على ضرورة تفاديه تحقيقا للتنمية المستدامة المجسدة، أساسا، في الرقي بالمستوى المعيشي للسكان.
أكد عليه القرار الأممي المحدد لتاريخ الاحتفاء بالشجرة النادرة : التمكين الاقتصادي للساكنة المحلية يسائل نجاعة «المقاربة التنموية» المنتهجة بـ «جماعات الأركان»

الكاتب : حميد بنواحمان
بتاريخ : 08/03/2021