أمام الاجتماع الوزاري المشترك لمجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية بمكة : الإعلان عن تجديد خطة العمل المشتركة بين المغرب ودول الخليج لغاية 2030

 

قال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إن « الشراكة الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، يجب أن ترتكز بالإضافة إلى علاقات الأخوة، على تبادل المنافع الاقتصادية حتى تكون أكثر رسوخا وتجذرا ». معلنا أن تقييم  مسار هذه الشراكة الاستراتيجية، أفضى لتجديد خطة العمل المشتركة لفترة أخرى لغاية 2030، وأوضح الوزير بوريطة، الذي ألقى مساء الخميس، كلمة أمام الاجتماع الوزاري المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة المغربية، بمكة المكرمة، أن ارتكاز الشراكة مع دول الخليج على المنافع الاقتصادية، يستدعي تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين من الجانبين لنسج علاقات قوية فيما بينهم، من خلال إنشاء إطار مؤسساتي، واستكشاف فرص استثمارية مربحة تعزز التنمية وخلق فرص الشغل في بلداننا ، مشيدا بعقد المنتدى المغربي الخليجي للاستثمار خلال هذه السنة.
وبالرغم من الروابط التاريخية والدينية والسياسية المتينة التي تجمع المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن حجم المبادلات التجارية بين الجانبين لم يرق بعد إلى مستوى التطلعات المشتركة. فعلى سبيل المثال، تغيب دول الخليج عن قائمة زبناء المغرب ال 10 الأوائل (إسبانيا 19.6 % وفرنسا 18.6 % ودول أفريقيا 7.7 %، والهند 6.6 % و البرازيل 4% و المملكة المتحدة 3.8% و الولايات المتحدة 3.3% و ألمانيا 3.2% و هولاندا 2.1% و تركيا 2%) كما تكاد تغيب عن قائمة الممونين العشرة الأول باستثناء السعودية التي تزود المغرب بحوالي 6.5% من وارداته محتلة الصف الخامس، والامارات العربية المتحدة التي تمون المغرب ب 2 % من وارداته محتلة الصف العاشر. وهكذا فإن حجم التبادل التجاري بين المغرب ودول الخليج لا يزال دون المستوى المأمول، مما يعكس فجوة بين العلاقات السياسية والاقتصادية.
وفي المقابل، شهدت دول أخرى في المنطقة تحسنا ملحوظا في علاقاتها التجارية مع دول الخليج. فعلى سبيل المثال، ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 31% خلال عام 2022، ليصل إلى 34 مليار دولار، وفقا لتصريحات الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم محمد البديوي. هذا النمو يعكس إمكانية تحقيق مستويات أعلى من التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة.
وعلى مستوى الاستثمار، وبعكس المبادلات التجارية، تعتبر دول الخليج من أبرز الشركاء الاقتصاديين للمغرب، حيث شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا في حجم الاستثمارات والتبادل التجاري بين الجانبين. في عام 2023، توسع الاقتصاد المغربي بنسبة 3.4%، مدفوعًا بانتعاش السياحة وقوة صادرات الصناعات التحويلية وزيادة الاستهلاك الخاص. وقد ساهمت الاستثمارات الخليجية في دعم هذا النمو، خاصة في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والسياحة.
على سبيل المثال، شهد قطاع السياحة المغربي انتعاشا ملحوظا بفضل الاستثمارات الخليجية في الفنادق والمنتجعات، مما ساهم في زيادة عدد السياح بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق. كما أن الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، خاصة من قبل الإمارات والسعودية، أسهمت في تعزيز قدرة المغرب على إنتاج الطاقة النظيفة، حيث تم تشغيل مشاريع توليد الطاقة الشمسية بطاقة إجمالية بلغت 800 ميغاواط في عام 2023.
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري، ارتفعت صادرات المغرب إلى دول الخليج بنسبة 15% في عام 2023، حيث بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار، مع تركيز على المنتجات الزراعية والسلع المصنعة. من جهة أخرى، استورد المغرب من دول الخليج منتجات بقيمة 2.5 مليار دولار، شملت المواد البترولية والمنتجات الكيماوية.تُظهر هذه الأرقام الدور الحيوي الذي تلعبه الاستثمارات الخليجية في دعم الاقتصاد المغربي، وتعكس التزام الجانبين بتعزيز التعاون الاقتصادي. ومع تجديد خطة العمل المشتركة حتى عام 2030، يتطلع المغرب ودول الخليج إلى تعزيز هذه الشراكة وتوسيع آفاقها لتشمل مجالات جديدة، بما يحقق التنمية المستدامة والازدهار المشترك.
على سبيل المثال، أعلنت شركة «أكوا باور» السعودية في عام 2023 عن استثمار بقيمة 300 مليون دولار في مشروع للطاقة الشمسية في منطقة ورزازات، مما يعزز مكانة المغرب كمركز إقليمي للطاقة المتجددة. كما شهد قطاع العقارات استثمارات قطرية، حيث قامت شركة «الديار القطرية» بتطوير مشروع سياحي ضخم في مدينة طنجة بقيمة 500 مليون دولار، يهدف إلى تعزيز السياحة وتوفير فرص عمل للمجتمع المحلي. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الكويت في عام 2023 صندوقا استثماريا بقيمة 200 مليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المغرب، بهدف تعزيز ريادة الأعمال والتنمية المستدامة. هذه المبادرات تعكس التزام دول الخليج بدعم الاقتصاد المغربي والمساهمة في تنميته.
وفي القطاع المالي، شهدت البنوك المغربية تعاونا مع نظيراتها الخليجية لتعزيز الخدمات المصرفية وتبادل الخبرات. في عام 2024، وقّع «التجاري وفا بنك» المغربي مذكرة تفاهم مع «بنك الخليج الدولي» لتعزيز التعاون في مجالات التمويل والتكنولوجيا المالية، مما يسهم في تطوير القطاع المالي في كلا الجانبين.
وتعد هذه الاستثمارات جزءًا من رؤية أوسع لتعزيز التكامل الاقتصادي بين المغرب ودول الخليج، حيث تسعى الرباط إلى تعزيز موقعها كبوابة لأفريقيا، مستفيدة من علاقاتها المتميزة مع دول الخليج. وفي هذا السياق، أشار تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2023 إلى أن المغرب يمكنه تسريع نموه الاقتصادي من خلال التنفيذ الكامل للإصلاحات واسعة النطاق، مما يجعله شريكا جذابا للمستثمرين الخليجيين.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الرباط على تعزيز البنية التحتية لجذب المزيد من الاستثمارات. في عام 2023، تم افتتاح ميناء «الناظور غرب المتوسط»، الذي يعَد من أكبر الموانئ في أفريقيا، بتمويل مشترك بين الحكومة المغربية ومستثمرين خليجيين بقيمة 1.2 مليار دولار. يهدف هذا المشروع إلى تعزيز التجارة البحرية وتسهيل حركة البضائع بين أفريقيا وأوروبا وآسيا.
وفي مجال الزراعة، أطلقت الإمارات في عام 2024 مشروعا زراعيًا مشتركا مع المغرب بقيمة 150 مليون دولار، يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي وتبادل الخبرات في مجال التكنولوجيا الزراعية. هذا المشروع يعكس التعاون الوثيق بين البلدين في مجالات حيوية تخدم مصالحهما المشتركة.
وتظهِر هذه الأرقام والمشاريع الحديثة أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب ودول الخليج تشهد نموًا مستمرا وتنوعا في المجالات المستهدفة. ومع استمرار تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز البنية التحتية، يُتوقَّع أن تستمر هذه العلاقات في التطور، مما يعود بالنفع على جميع الأطراف المعنية.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 08/03/2025