«أنا أرييل شارون» للباحثة والروائية يارا الغضبان

حين تتزاحم أصوات الآخرين في ذاكرة الجلاد

 

صدرت عن دار المتوسط بإيطاليا، حديثا، الترجمة العربية لرواية «أنا أرييل شارون» للباحثة والروائية الكندية، الفلسطينية الأصل، يارا الغضبان  وهي الترجمة التي أنجزها عصام الشحادات.
بنت الكاتبة روايتها على سؤال راودها أثناء إحدى زياراتها إلى فلسطين: ما الذي يحدثُ في رأس أرييل شارون؟ هكذا تسللت خيال الروائية الى الجسد الغارق في غيبوبته بحرية للغوص في أبعاد شخصيته كسياسي وإنسان، متحكمة في الحوار الذي دار بينها وبين رجل طالما كانت له السيطرة على الفلسطينيين، وقد أمسكت بخيوط الرواية كما تشاء، وقررت كيف سيموت ومع من سيتكلم قبل موته.

ما الذي يحدثُ في رأس أرييل شارون؟

سؤال الغضبان يخص مباشرة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي تسبب في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عقب زيارته للمسجد الأقصى عام 2000، وبقى شارون فاقدا للوعي لثماني سنواتٍ قبل وفاتهِ العام 2014، وبينما كان غارقا في غيبوبتهِ الطويلة، استطاعت الكاتبة أن تمنحَ لخيالِها، أجسادَ وأصوات أربع نساء يضعنَ الشخصيةٍ الصهيونية المُعقدة، في مواجهة صريحة وقاسية مع أهوالها وإنسانيتها في أضعف اللحظات..
بين هدوء ظاهري للمستشفى، وما يقابله في مكان ما من التاريخ، من صخب حرب لا تتوقف انفجاراتها عن الحدوث، تضعُ الكاتبة، بدورِها، القارئ في عين العاصفة، وهو يقف على حقيقة أن وراء كل إنسان، سواء كان بطلا أو جلَّادا، نسمعُ أصوات الآخرين يتردَّد صداها في حقائبهم التي تتزاحمُ في ذاكرتنا.
في تصريحات صحفية عن الرواية قالت المؤلفة : «لا حدود للأدب، يُمكنني أن أقرر الدخول في رأس شارون دونَ أن يمنعني أحد، لأننا في الرواية نحن متساوون، إنه شكل من أشكال المقاومة، وطريقة لإعادة اختراع التاريخ، وجعلهِ أقل عنفا وأكثر مساواة» . وأضافت: «للأدب مهمَّة أخرى غير إطلاق الأحكام، وعليه فإنَّ الرواية ليست كما يُفسرها العنوان، بل هي استنطاق لذاكرة شارون من وجهة نظر الأدب، ومحاولة للتحكم في هواجسه وإعادة طرح الأسئلة المتعلقة بالهوية الفلسطينية التي يعملُ الاحتلال الصهيوني على طمسها بشتى الطرق».
هكذا تُملي رواية «أنا أرييل شارون» شروطَها السرديَّة على الجميع، بمن فيهم الوحش النائم في حالة نصف موت، وليعلو هنا، صوتُ امرأة فلسطينية تمتلكُ قوة الخيال ومهارة الكتابة.

أربع نساء يضعنَ الشخصيةٍ الصهيونية في المواجهة

يوم قرّرت الروائيّة الكندية الفلسطينية  يارا الغضبان كتابة روايتها عن الزعيم الاسرائيلي الراحل أرييل شارون، اختارت أن تروي قصّته على لسان 4 نساء أثّرن في حياته، هنّ والدته وزوجته الأولى وزوجته الثانية والممرّضة التي كانت تقرأ له القصص وترعاه صحيّا عندما كان في حالة الغيبوبة، لأنّه كان يستحيل عليها كفلسطينيّة أن تتحدّث إليه، ووضعت بذلك مسافة بينها وبين شخصيّته ولم تكن وجها لوجه معه في روايتها كما تقول.
تقول المؤلفة عن أول هؤلاء النسوة أن والدته التي هاجرت من جورجيا في القوقاز كانت قاسية الطباع،  ولم يكن يهمها إسرائيل أو فلسطين، وقد ضحت بأحلامها عندما هاجرت، وقد تكون هذه القساوة في طباعها قد انتقلت إلى شخصيّة ابنها أرييل شارون.ولا تريد يارا الغضبان أن تبرر سياسات  أرييل شارون، الذي تسبب بالعذاب للملايين كما تقول، ولكنّها  فهمت الكثير من خلال مطالعتها عن والدته عندما كانت تحضّر لروايتها.
أما الممرّضة ريتا التي هي شخصية من وحي الخيال، فقد استوحتها من شخصية سيدة يهودية أحبت فلسطينيا ، وأحبها فلسطيني هو  الشاعر محمود درويش الذي كتب لها قصيدة، وهي تمثّل الصوت الفلسطيني في الرواية. وتقول يارا الغضبان في نهاية الرواية نقلا عن نجل أرييل شارون قوله إن العربية ليست آخر لغة يريد والده سماعها قبل موته، وتجيب الممرضة التي كانت تقرأ له القصص : «إن العربية موجودة بداخله كما هي بداخلك»، مضيفة أنها لم تقصد بذلك ليس اللغة العربية فحسب وإنما ايضا الهوية العربية، وقصدت أنه لن يمكن للاسرائيليين أن يمحوا  من تاريخهم الوجود الفلسطيني كما يحاولون أن يفعلوا منذ 72 عاما، وقد وضعت الروائية نجل أرييل شارون أمام واقع لا يريد أن يتقبله كما قالت.
تمزج يارا الغضبان في روايتها بين الواقع والخيال، وبين البعدين السياسي والإنساني لشخصية أرييل شارون، وتصور للقارئ على طريقتها ما يدور في خاطر هذا الرجل الذي دخل في غيبوبة استمرّت ثماني سنوات، بين عامي 2006 و2014.
عندما سئلت الروائيّة الفلسطينيّة في أحد الحوارات لماذا اختارت لروايتها هذا العنوان الذي يوحي بالتعاطف مع الزعيم الاسرائيلي الراحل، أجابت بأنّ شارون يوحي للفلسطينّين بكل ما هو سيئ وبالعذاب، ولهذا فإن الشخصية  في الرواية كانت صعبة بالنسبة لها. ولذا أحبت أن تدخل إلى رأسه وتفكيره طوال ثماني سنوات أمضاها في حالة الغيبوبة، مؤكدة ان العنوان الذي اختارته  ليس للتعاطف، بل للقيام برحلة داخل ضمير الزعيم الاسرائيلي الراحل أرييل شارون.
وتقول الروائيّة يارا الغضبان إنّهالم تقصد بذلك ليس اللغة العربيّة فحسب وإنّما ايضا الهويّة العربيّة، وقصدت أنّه لن يمكن للاسرائيليّين أن يمحوا  من تاريخهم الوجود الفلسطيني كما يحاولون أن يفعلوا منذ 72 عاما، وقد وضعت الروائيّة نجل أرييل شارون أمام واقع لا يريد أن يتقبّله كما قالت.
يذكر أن يارا الغضبان، روائية فلسطينية مُقيمة في كندا، نشأت بين دبي، بيروت، دمشق وصنعاء، لديها ثلاث روايات، كُتبت بالفرنسية: «في ظل الزيتونة» ( 2011 )، «عطر نور» ( 2015 )، و»أنا أرييل شارون» (2018)، (التي تصدر مع المتوسّط لأوَّل مرَّة باللغة العربية) فازت الرواية بجائزة في مهرجان «بلو متروبوليس» (2019) وتُرجمت إلى الإنجليزية ( 2020 ).


الكاتب : المحرر الثقافي

  

بتاريخ : 23/02/2021

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

«هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟» مجموعة قصصية جديدة   «هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟»هي المجموعة القصصية الثالثة لمحمد برادة، بعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *