خاض الباحث فراس السواح في مواضيع تتعلق بالأديان والفلسفات والأساطير فى الشرق، وفي عقد المقارنات بين الأديان، ومن ذلك ما فعله فى كتابه «القصص القرآنى ومتوازياته التوراتية»، إذ طرح مسألة التشابه بين القصص القرآنى والقصص التوراتى من زاوية الباحث الذي يعتمد منهج علم الأديان المقارن. فسرد أمامنا قصص العديد من الأنبياء كلوط وابراهيم وإسماعيل ويوسف وموسى وداوود وسليمان ويونس وغيرهم..
3- التجلي في الوادي المقدس :
الرواية التوراتية : (( وأما موسى فكان يرعى غنم حميه يثرون ( 13) كاهن مديان. فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء على حوريب جبل الله. وظهر له ملاك الرب( 14) بلهيب نار من وسط عليقة ( 15). فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق . فقال موسى : أميل الآن وأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة. فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال : موسى، موسى . فقال : هأنذا. فقال : لا تقترب إلى ها هنا. اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال : أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله. فقال الرب: إني رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأُصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة.
«وقال الله أيضاً لموسى: اذهب واجمع شيوخ إسرائيل وقل لهم : الرب إله آبائكم ظهر لي قائلاً: إني افتقدتكم وما صُنع بكم في مصر، فقلت أُصعدكم من مذلة مصر إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً. فإذا سمعوا لقولك تدخل أنت وشيوخ إسرائيل إلى ملك مصر وتقولون له: الرب إله العبرانيين التقانا؛ فالآن نمضي سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا.
«فأجاب موسى وقال: ولكن ها هم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي، بل يقولون لم يظهر لك الرب. فقال الرب: ما هذه في يدك ؟ فقال : عصاً. فقال اطرحها إلى الأرض. فطرحها إلى الأرض فصارت حية، فهرب منها موسى. ثم قال الرب لموسى: مُدَّ يدك وأمسك بذيلها. فمد موسى يده وأمسك به فصارت عصا في يده، لكي يصدقوا أنه قد ظهر له الرب إله آبائهم. ثم قال له الرب أيضاً : أَدخل يدل في عُبك. فأدخل يده في عبه ثم أخرجها، فإذا هي برصاء مثل الثلج. ثم قال له: رُدَّ يدك إلى عبك، فرد يده إلى عبه ثم أخرجها وإذا هي عادت مثل جسده . فيكون إذا لم يصدقوك ولم يسمعوا لصوت الآية الأولى أنهم يصدقون صوت الآية الثانية» ( الخروج : 3 : 1-9 و 4: 1-8).
الرواية القرآنية: (( فلما قضى موسى الأجل ( 16) وسار بأهله، أنِس من جانب الطور ( 17) ناراً. قال لأهله: امكثوا إني أنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوه من النار لعلكم تصطلون. فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة: أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين. )) ( 28 القصص : 29 – 30 ) .
(( وهل آتاك حديث موسى إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني أنست ناراً لعلي آتيكم من النار بقبس أو أجد على النار هدى. فلما أتاها نودي: يا موسى إني أنا ربك ، فاخلع نعليك إنك بالوادِ المقدس طُوى ( 18). وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى . إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد أخفيها، لتجزى كل نفس بما تسعى ، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى. وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال : هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى . قال : ألقها يا موسى. فألقاها فإذا حية تسعى. قال : خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى . واضمم يدك إلى جناحك ( 19) تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى . )) ( 20 طه : 9-23 )
{{4 – هارون ، والدخول على فرعون :}}
الرواية التوراتية : فقال موسى للرب : لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول أمس، بل أنا ثقيل الفم واللسان… فقال : أليس هرون أخاك ؟ أنا أعلم أنه هو يتكلم ، وأيضاً هو خارج لاستقبالك، فحينما يراك يفرح قلبه فتكلمه وتضع الكلمات في فمه، وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأعلّمكما ماذا تصنعان، وهو يكلم الشعب عنك. بعد ذلك أخذ موسى أهله وودع حماه يثرون ورجع إلى إخوته في مصر، فخرج هرون لاستقباله فأخبره موسى بكل كلام الرب. ثم إن هرون. كلم الشعب بجميع الكلام الذي قاله الرب لموسى فآمنوا وسجدوا ( الخروج 4 : 10 – 31 ).
الرواية القرآنية : (( فذالك برهانان من ربك ( 20) إلى فرعون ومَلَئه إنهم كانوا قوماً فاسقين . قال : ربِ إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلونِ، وأخي هرون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً ( 21) يصدِّقني إني أخاف أن يُكذّبون. قال: سنشْدُدْ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما. )) ( القصص : 32 – 36 ) .
الرواية التوراتية : بعد ذلك دخل موسى وهرون على فرعون تلبية لأمر الرب وقالا له : هكذا يقول الرب إله إسرائيل : أَطلق شعبي ليعبدوا لي في البرية. فقال فرعون : من هو الرب حتى أسمع قوله فأُطلق بني إسرائيل؟ لا أعرف الرب وإسرائيل لا أُطلقه ( الخروج 5 : 1-2 ).
الرواية القرآنية : (( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ، فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى. قالا : إنا نخاف أن يَفرُط عليها ( 22) أو أن يطغى. قال : لا تخافا إني معكما أسمع وأرى ، فأْتياه فقولا إنّا رسولا ربك فأرسلْ معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم، قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى… قال : فمن ربكما يا موسى؟ قال : ربنا الذي أعطى كل شي خلقه ثم هدى.)) ( 20 طه: 43–50)
الرواية التوراتية : (( وعوضاً عن أن يطلق فرعون بني إسرائيل فقد زاد من أعباء السخرة عليهم . فتذمر رؤساء فرق السخرة الإسرائيليون على هرون وموسى ووضعوا اللوم عليهما فيما حصل للشعب من تعب ونكد (الخروج 5 : 4-22 )
الرواية القرآنية : (( وقال الملأ من قوم فرعون : أتَذَرُ موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وَيذَرَك وآلهتك؟ قال : سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون. قال موسى لقومه : استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قالوا : أُوذينا من قبلِ أن تأتينا ومن بعدِ ما جئتنا( 23). قال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون . )) ( 7 الأعراف : 127 – 129 ).
الرواية التوراتية : فقال الرب لموسى : أُنظر، أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهرون أخوك يكون نبيك . أنت تتكلم بكل ما آمرك وهرون يكلم فرعون ليطلق بني إسرائيل من أرضه . فإذا كلمكما قائلاً هاتيا عجيبة ، تقول لهرون خذ عصاك واطرحها أمام فرعون فتصير ثعباناً. فدخل موسى وهرون إلى فرعون وفعلاً هكذا كما أمر الرب . طرح هرون عصاه فصارت ثعباناً. فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرّافوا مصر بسحرهم كذلك، طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين ولكن عصا هرون ابتلعت عصيهم. ومع ذلك فقد اشتد قلب فرعون ولم يسمح بإطلاق بني إسرائيل ( الخروج 7 : 1-13 ).
الرواية القرآنية : (( فاذهبا بآياتنا إنّا معكم مستمعون، فأْتيا فرعون فقولا إنّا رسولُ رب العالمين، أن أرسل منا بني إسرائيل … قال فرعون : وما ربُ العالمين ؟ قال : رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين… قال : لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين. قال : أوَ لو جئتك بشيء مبين ؟ قال: فأت به إن كنت من الصادقين. فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين. قال : للملأ حوله : إن هذا لسحر عليم ، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ؟ قالوا : أَرجِه ( 24) وأخاه وابعث في المدائن حاشرين ( 25) يأتوك بكل سحار عليم . فجمع السحرة ليوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ، لعلنا نتَّبع السحرة إن كانوا هم الغالبين.. قال موسى : ألقوا ما أنتم مُلقون . فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا : بعزة فرعون إنّا لنحن الغالبون . فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون. فأُلقي السحرة ساجدين، قالوا : آمنا برب العاملين . )) ( 26 الشعراء : 15 – 47 ).
(( قال : أجئت لتخرجنا بسحرك يا موسى؟ فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سُوى (26 ). قال : موعدكم يوم الزينة وأن يُحشر الناس ضحى. فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى. قال لهم موسى : ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم (27 ) بعذاب وقد خاف من افترى… فاجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً وقد أفلح اليوم من استعلى. قالوا : يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى. قال : بل ألقوا. فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ، فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا : لا تخف إنك أنت الأعلى، وألقِ ما في يمينك تلقُف ( 28) ما صنعوا، إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى. فأُلقيَ السحرة سُجدا قالوا : آمنا برب هرون وموسى. )) (20 طه : 57 – 70 ).
الرواية التوراتية : ( بعد ذلك يتكرر دخول موسى وهارون على فرعون. وفي كل مرة يرفض فرعون إطلاق بني إسرائيل كان الرب يُرسل عليه وعلى شعبه كارثة شاملة، فيطلب فرعون من موسى أن يلتمس وجه ربه لكي يوقف الكارثة، حتى إذا كفَّ الرب غضبه عاد فرعون سيرته الأولى. وقد بلغ عدد الكوارث عشراً، منها تحويل ماء النيل والينابيع إلى دم، والضفادع التي تنتشر في كل مكان وتغطي الأرض، والبعوض، وأخيراً ضرب الرب كل بكر في أرض مصر من ابن الجارية إلى ابن الملك الجالس على العرش وكل بكر بهيمة. فقام فرعون ليلاً ودعا هرون وموسى وقال : قوموا أخرجوا من بين شعبي أنتما وجميع بني إسرائيل، واذهبوا واعبدوا الرب كما تكلمتم، وخذوا معكم أيضاً غنمكم وبقركم ( الخروج : 7-12 ).
الرواية القرآنية : (( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ( 29) ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون. فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصيبهم مصيبة يطيروا بموسى( 30) ومن معه. ألا إن طائرهم عند الله (31 ) ولكن أكثرهم لا يعلمون. وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين. ولما وقع عليهم الرجز (32) قالوا يا موسى ادعُ لنا ربك بما عَهِد عندك، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل . فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذ هم ينكثون . )) ( 7 الأعراف : 127-135 ) .
.
{{الهوامش:}}
1 – المقصود بهذه الطائفة هنا العبرانيون .
2 – أي يتركهن أحياء .
3 – هامان هو وزير فرعون . ولسوف نتحدث عنه بالتفصيل في موضع لاحق .
4 – أي مسرة وفرح .
5 – أي جزعت وخافت .
6 – أي كادت أن تصرخ بأنه ابنها لولا أن ثبتها الله وصبّرها . 7 – أي تتبعي أثره .
8 – تقع مديان في أقصى الشمال الغربي للجزيرة العربية . وتشتمل على الطرفان الغربي والشرقي لخليج العقبة .
9 – أي ضال عد الرشد .
10 – أي يصرف الرعاة مواشيهم .
11 – أي تعمل عندي ثماني سنين .
12 – كان أولاد الخال وأولاد العم يعتبرون بمثابة أخوة .
13 – يدعو سفر التكوين كاهن مدين بالاسم راعوئيل أحياناً وبالاسم يثرون أحياناً أخرى .
14 – تعبير ( ملاك الرب ) هنا وفي مواضع كثيرة ، يعني ظل الرب وشبحه .
15 – شجرة عليق .
16 – أي انتهت سنوات خدمته لحميه .
17 – أي من جانب جبل الطور وهو في التوراة جبل حوريب الذي في سيناء . ولذلك دعي في موضع آخر في القرآن الكريم بطور سنين ، أي طور سيناء ( 95 التين : 1 ) .
18 – طُوى هو اسم للوادي .
19 – الجناح هنا هو جانب الصدر أو تحت العضد .
20 – أي معجزة العصا ومعجزة اليد البيضاء .
21 – أي عوناً .
22 – أي يُعجل بالعقوبة .
23 – أي إن وضعنا لم يتحسن بمجيئك بل زاد سوءاً .
24 – أي أرجئه .
25 – جامعين للسحرة .
26 – أي مكاناً معيناً . وقيل مستوياً وقيل وسطاً .
27 – فيهلككم .
28 – تبتلع .
29 – أي بالقحط والجفاف .
30 – أي يتشاءمون ويتطيرون ويعزون مصائبهم إلى موسى .
31 – أي إن ما يصيبهم هو بتقدير من الله لا بشؤم موسى .
32 – أي العذاب .