أنبياء بين التوراة والقرآن 12- يوسف الصديق 2

خاض الباحث فراس السواح في مواضيع تتعلق بالأديان والفلسفات والأساطير فى الشرق، وفي عقد المقارنات بين الأديان، ومن ذلك ما فعله فى كتابه «القصص القرآنى ومتوازياته التوراتية»، إذ طرح مسألة التشابه بين القصص القرآنى والقصص التوراتى من زاوية الباحث الذي يعتمد منهج علم الأديان المقارن. فسرد أمامنا قصص العديد من الأنبياء كلوط وابراهيم وإسماعيل ويوسف وموسى وداوود وسليمان ويونس وغيرهم..

 

4 -الإغواء:

سفر التكوين: وحدث بعد هذه الأمور أنّ امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت: اضطجع معي. فقال لها: هو ذا سيدي قد دفع إليّ كل ما له، ولم يمسك عني شيئاً غيرك لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى لله ؟ ثم تركها ومضى . ولكنها عادت إلى إغوائه مرات عديدة وهو يتهرب منها . إلى أن جاء يوم دخل فيه يوسف إلى المنزل ولم يكن هناك غيرهما، فأمسكت بثوبه قائلة: اضطجع معي . فترك ثوبه في يدها وخرج هارباً من البيت . فنادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة: انظروا لقد دخل إلي هذا الرجل العبراني ليضطجع معي فصرخت بصوت عظيم، فترك ثوبه بجانبي وهرب . ثم وضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيدها إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلام فحمي غضب فوطيفار على يوسف ووضعه في السجن الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه . ولكن الرب كان مع يوسف فاستلطفه رئيس السجن وأوكل إليه أمر بقية السجناء (التكوين 39: 1-23) .
سورة يوسف: «وراودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب وقالت: هَيْتَ لك (5) ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلصين. واستَبَقا الباب وقدّت قميصه من دُبر، وألقيا سيدها لدى الباب. قالت : ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً، إلا أن يُسجن أو عذاب أليم . قال: هي راودتني عن نفسي. وشهد شاهد من أهلها: إن كان قميصه قُدَّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قُدّ من دبر قال: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم . يوسف أعرض عن هذا، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين». ( 12 يوسف : 23-29 ) . «ثم بدا لهم من بعدِ ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين (6)». ( 12 يوسف: 35 ).
في المكان الفاصل بين الآية 29 والآية 35 هناك قصة دعوة امرأة العزيز لصديقاتها اللواتي لُمنها على ولعها بيوسف، مما كانت الشائعات تتحدث عنه، وكيف دعتهن إلى منزلها ليروا بأعينهن جمال يوسف فيعذرونها. فلتُراجع في مكانها من السورة. وهذه القصة مؤخرة عن موضعها في السياق، على عادة الأسلوب القرآني أحياناً في تقديم المؤخر وتأخير المقدم. وموضعها التسلسلي يأتي بعد عدة محاولات قامت بها امرأة العزيز مما هو مذكور في الرواية التوراتية، قفزت فوقها الرواية القرآنية ثم ألمحت إليها في هذه القصة .
5 – يوسف في السجن:

سفر التكوين : وحدت بعد هذه الأمور أن فرعون غضب على رئيس السقاة ورئيس الخبازين في قصره وأمر بحبسهما في سجن يوسف، فأوكله بهما رئيس الشرط. وحلم كلاهما في ليلة واحدة حلماً قصّاه على يوسف في الصباح. قال رئيس السقاة: رأيت كرمة فيها ثلاثة قضبان فأفرخت وطلع زهرها ثم نضجت عناقيدها، فأخذت العنب وعصرته في كأس فرعون وقدمته له. فقال له يوسف: الثلاثة القضبان هي ثلاثة أيام في ثلاثة أيام تخرج من السجن وتُرد إلى مقامك، فتسكب الخمرة للملك في كأسه كما كنت تفعل. فهلا صنعت لي إحساناً وذكرتني لفرعون فيخرجني من السجن. ثم قص عليه رئيس الخبازين حلمه قال: رأيت ثلاث سلال على رأسي، وفي السلة العليا خبز تأكل منه الطيور. فقال له يوسف: الثلاثة السلال هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيام يقطع فرعون رأسك ويعلقك على خشبة وتأكل الطيور من لحمك. وحدث في اليوم الثالث ما تنبأ به يوسف. ولكن رئيس السقاة نسيه ولم يذكره لفرعون مدة سنتين ( التكوين 40 : 1-22) .
سورة يوسف : «ودخل معه السجن فتيان. قال أحدهما : إني أراني أعصر خمراً. وقال الآخر : إني أراني أحمل فوق رأس خبزاً تأكل الطير منه. نبئنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين. قال : لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا أنبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلك مما علمني ربي… يا صاحِبَيْ السجن. أما أحدكما فيسقي ربه خمراً (7 )، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه. قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. وقال للذي ظن أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك، فأنساه الشيطان ذكر ربه، فلبث (8) في السجن بضع سنين». (12 يوسف : 36 – 42).
6 – حلم فرعون:

سفر التكوين: وحدث بعد سنتين من الزمان أنّ فرعون رأى حلماً، وإذا هو واقف عند النهر، ومن النهر تخرج سبع بقرات حسنة المنظر وسمينة اللحم، ومن ورائها سبع بقرات أخرى قبيحة المنظر ورقيقة اللحم؛ فأكلت البقرات القبيحة المنظر والرقيقة اللحم البقرات السبع الحسنة المنظر والسمينة. ثم رأى حلماً ثانياً، وإذا سبع سنابل طالعة في ساق واحدة سمينة وحسنة، ووراءها سبع سنابل رقيقة ملفوحة بالريح الشرقية؛ فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السمينة الممتلئة.
دعا فرعون سحرة مصر وجميع حكمائها وسألهم تفسير حلمه، فلم يستطع ذلك منهم أحد، وهنا تذكر رئيس السقاة يوسف ومقدرته على تفسير الأحلام، فذكره أمام فرعون وقصّ عليه ما جرى له ولرئيس الخبازين في السجن. فأرسل فرعون ودعا يوسف واستفتاه في حلميه. فقال يوسف: هو حلم واحد، وقد أخبر الله فرعون بما هو صانع. البقرات السبع الحسنة، هي سبع سنين، والسنابل السبع الحسنة هي سبع سنين أيضاً. هو ذا سبع سنين قادمة يكون فيها شبع في كل أرض مصر، ثم تقوم بعدها سبع سنين جوعاً، فيُنسى كل الشبع السابق، ويتلف الجوع الأرض (التكوين 41 : 1-31).
سورة يوسف: «وقال الملك: إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات. يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تَعْبُرون (9). قالوا: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. وقال الذي نجا منهما وادّكر بعد أمُّة (10): أنا أنبئكم بتأويله فأرسلونِ. يوسف أيها الصدّيق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات، لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون. قال: تزرعون سبع سنين دأباً، فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون؛ ثم يأتي بعد ذلك سبعٌ شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون (11)؛ ثم يأتي بعد ذلك عام يُغاث الناس وفيه يعصرون». (12 يوسف: 43-49).


الكاتب : فراس السواح

  

بتاريخ : 11/05/2021