ترك مونديال روسيا لكرة القدم أجواءً وانطباعا إيجابيا عن الهجرة والمهاجرين بصفة عامة. فقد تألق ابناؤهم او وحاملو الجنسيات المزدوجة بكبريات المنتخبات العالمية، وصنعوا الفرجة بعدد منها ، سواء بالمنتخب الفائز بكاس العالم، والذي لم يتردد عدد كبير من الصحفيين ومنشطي المنتديات الاجتماعية في أن يطلقوا عليه «منتخب افريقيا وفرنسا». وهو تعبير قريب من الواقع. ومن علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة، منتخب بلجيكا هو الآخر كانت له نفس المواصفات بالإضافة إلى منتخب بريطانيا. وهي المنتخبات التي احتلت المربع الأخير، وكان الاستثناء هو كرواتيا باعتبارها بلدا أوربيا فقيرا في أوربا الوسطى، والذي انفصل عن يوغوسلافيا في السنوات الأخيرة ولا يسمح اقتصاده باستقبال هجرة خارجية.
هذه السنة كانت صعبة فيما يخص أوضاع الهجرة، فقد ارتفع عددهم هذه السنة بسبب استمرار النزاعات المسلحة بالشرق الأوسط وافريقيا، وكذلك استمرار الجفاف ببعض المناطق باسيا وافريقيا، مقابل وضع في اوربا تميز بسيطرة أفكار المحافظة والفاشية ووصول بعضها إلى الحكم كما حصل في إيطاليا والنمسا . صورة السفينة الإنسانية «اكواريوس» التي صدمت العالم سفينة تجوب البحر المتوسط ،محملة بالنساء والأطفال والشباب ، رفضت استقبالها عدة بلدان من القارة العجوز: إيطاليا ، مالطا وفرنسا قبل أن تأخذ الحكومة الاشتراكية باسبانيا مبادرة استقبالها، وتنقذ ماء وجه أوربا.
الهجرة اليوم ظاهرة كونية، ولا يمكننا أن نختار من العولمة فقط السلع ونرفض الإنسان.المغرب بدوره اختار الطريق الصحيح، ورغم أنه مازال بلدا مصدرا للكفاءات البشرية ،فإن اقتصاده اليوم في حاجة إلى بعضها سواء من افريقيا أو آسيا.
منير المحجوبي، هو الوزير الوحيد المنحدر من أصول مغربية في حكومة ايدوارد فسليب كوزير منتدب في القضايا الرقمية،عندما تم تعيينه وزيرا منتدبا الكثير من الفرنسيين والأجانب المتتبعين لشأن الفرنسي، لم تكن لهم معرفة كبيرة بهذا الشاب ذي 34 من عمره، والذي يعتبر أصغر عضو بالحكومة. ورغم نشاطه بالحزب الاشتراكي ودوره في الحملة الانتخابية لكل من سيغولين روايال المرشحة البارزة في انتخابات سنة 2007 وفرنسوا هولند سنة 2012 كمسؤول على الاستراتيجية الرقمية لهذين المرشحين، الرأي العام الفرنسي، لم يكن يعرفه كثيرا قبل أن يصبح وزيرا ومرشحا منتخبا عن الدائرة 16 بباريس، والتي فاز فيها في معركة لم تكن سهلة أمام مرشح الحزب الاشتراكي ومرشحة فرنسا الأبية في الدور الثاني. ويقوم الوزير الشاب بمهمته بسلاسة، واعترافه مؤخرا بمثليته الجنسية أثار ضجيجا على مستوى الشبكات الاجتماعية بفرنسا ولم يتردد في الحديث عن الموضوع.
التقى ايمانييل ماكرون مع منير المحجوبي بفضل الرئيس السابق فرنسوا هولند،كان مونير المحجوبي رئيسا للمجلس الفرنسي لتكنولوجيا الرقمية، وهي هيئة استشارية، وهو المنصب الذي عينه به الرئيس السابق،في 3 فبراير 2016 ، حينها كان ايمانييل ماكرون وزيرا للاقتصاد في حكومة ايمانييل فالس قبل أن يؤسس في ابريل من سنة 2016 «حركة إلى الأمام». اما المحجوبي فقد التحق به في يناير 2017 بعد سنة من المسؤولية بمجلس التكنولوجية الرقمية ليكلفه ايمانييل ماكرون بالجانب الرقمي في حملته. وبالتالي كان بمثابة الذراع الرقمي لرئيس الجديد في حملته،خاصة ان الحرب الرقمية على الشبكة العنكبوتية كانت حامية الوطيس مع قراصنة روس كانت مهمتهم الإطاحة بماكرون الأوربي والليبرالي لصالح مرشح محافظ وهو فرنسوا فيون وبعده ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبين، وهي حرب سربت تفاصيلها بعض الصحف الامريكية والفرنسية. هذه الحرب التي لم تكشف بعد كل تفاصيلها ،لعب فيها منير المحجوبي دورا اساسيا بسبب موقعه وتجربته، وهي حرب شاركت فيها مصالح بلدان أخرى من باريس وواشنطن وموسكو، وهو ما جعله في موقع مكنه من متابعة أاحد أكبر الحروب الالكترونية بين قوى عظمى من أجل التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وقد كان الدعم الأمريكي لفرنسا جد مهم في هذا المجال، كما أن الرئيس الفرنسي السابق جند مجلس الدفاع في هذه المواجهة لحماية الديموقراطية الفرنسية. منير المحجوبي وفريقه تمكن من الفوز في هذه المعركة الرقمية التي انتصرت فيها فرنسا، حيث تمكنت من حماية انتخاباتها من التدخل الأجنبي ومن القراصنة الذين حاربوا المرشح ايمانييل ماكرون كدول او مؤسسات او حركات وهي المهمة التي لم تنجح فيها المؤسسات الامريكية، والتحقيقات الجارية اليوم بواشنطن، يمكن أن تكشف عما قريب جزءا من هذه الحرب، التي تقول وكالة الاستخبارات الامريكية «سي أي ايه» إن موسكو مورطة فيها، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الآخر ينفي هذه الاتهامات ولم يتردد في المواجهة مع مسؤوليين أمنيين من بلده حول الأمر.
منير المحجوبي ، ليس فقط مجرد خبير في الرقميات ،قاد إحدى أهم عمليات الدفاع الرقمي لحماية مرشح الجمهورية إلى الأمام وحماية الديموقراطية بفرنسا بل له مسار سياسي متميز، وفهم أنه في بلد ديمقراطي مثل فرنسا لا يكفي أن تكون خبيرا وتقنيا كبيرا بل لا بد من ممارسة العمل السياسي والديمقراطي لتأثير في مسار مؤسسات الجمهورية. في هذه الظروف التحق بحملة سيغولين روايال سنة 2007 من أاجل الانتخابات الرئاسية، حيث شارك في حملتها الرقمية وأبرز عن اهتمام كبير بالشأن العام،وسيعرف أكثر عندما التحق بالحملة الرقمية لفرنسوا هولند، الرئيس السابق للجمهورية الفرنسية الذي عينه فيما بعد رئيسا للمجلس الفرنسي لتكنولوجيا الرقمية، التي مكث بها سنة كاملة. لكنه رأى في مشروع ‹حركة إلى الامام› مشروعا سياسيا حقيقيا في الوقت الذي لم يكن أحد يراهن على هذه الحركة وقدرتها على لعب دور في الحياة السياسية بفرنسا. منير المحجوبي ترك منصبه ليساند ايمانييل ماكون وحركته بعد ان تعرفا على بعضهما في سنة 2016 ليأخذا معركة كانت ناجحة أفضت لاكتساح الحركة للحياة السياسية بفرنسا، والفوز بالانتخابات الرئاسية والحصول على الأغلبية بالبرلمان. واذا كان المحجوبي هو الذراع الرقمي لرئيس، فإنه اخذ أيضا معركة سياسة جريئة، من خلال مشاركته في حكومة ايدوارد فيليب التي عينه فيها الرئيس وزيرا لرقميات،ودخل معركة الانتخابات التشريعية،مثل جميع الوزراء في الحكومة الذين كان بقاؤهم بها رهينا بالفوز في الانتخابات التشريعية، ليكسب رهانه وكان كبيرا في معركة انتخابية قوية، تمكن خلالها من الفوز على الكاتب الأول للحزب الاشتراكي احد ديناصورات الحياة السياسية بفرنسا، وبالتالي رد الاعتبار لسياسيين من أصول مغاربية الذين اختار الحزب الاشتراكي دائما الحديث باسمهم دون ان يتيح لهم فرصة البروز او العمل في الواجهة السياسية للانتخابات وتقديمهم بدوائر انتخابية سهلة الفوز.
وبعد فوزه في هذه الانتخابات التشريعية، فإنه حقق الرهان، وهو تأكيد قوته كسياسي منتخب كباقي نظرائه في حكومة ايدوار فيليب و قادر على التجذر في الحياة السياسية للعاصمة باريس وبسكانها من أجل لعب أدوار أخرى خاصة أنه اليوم أصغر وزير بحكومة ايدوارد فيليب.
والمعركة لم تكن سهلة، وهي الدائرة الانتخابية 16 بباريس، وتمكن في الدور الأول من تحقيق انتصار كبير على الكاتب الأول للحزب الاشتراكي الفرنسي جون كريستوف كومبدليس، ليجد نفسه في الدور الثاني امام مرشحة حزب «فرنسا الأبية» سارة لوغران والتي تمكن من الفوز عليها بصعوبة كبيرة.
هذه المعركة التي اخذها منير المحجوبي في الانتخابات التشريعية كشفت عن قدرات السياسية، وخاض العديد من المعارك السياسية داخل الحزب الاشتراكي، ولم يكن يتردد في التعبير عن رأيه ويعارض بقوة المواقف التي لا تتلاءم مع مبادئه،وهو ما كان يثير حفيظة بعض الفيلة داخل الحزب.
ورغم انتمائه الى عائلة مغربية من ازيلال هاجرت الى فرنسا، حيث كان والده صباغا وأمه عاملة بالبيوت، فقد تمكن من الاستفادة من مصعد الجمهورية ومن مؤسساتها التعليمية، خاصة أنه اظهر شغفا كبيرا جدا بالمعلوميات منذ نعومة أظافره، ودرس بجامعة السوربون العريقة ومدرسة العلوم السياسية وله ليسانس في القانون وماستير في الاقتصاد والمعلوميات، وقضى سنة كباحث زائر بجامعة كلومبيا بمدينة نيويورك.وكان يقول دائما إنه تعلم «الصدق» و»حب العمل» من والديه، اللذين هاجرا إلى فرنسا في عقد السبعينات.لهذا يصرح دائما انه مدين لهما بنجاحه.
وعمل خلال مساره المهني في عدد من الوظائف مرتبطة بالانترنيت منذد سن 16 وساهم في تأسيس العديد من المقاولات في مجال الانترنيت « ستارتوب»،لكن اهم انجاز في حياته المهنية هو تعيينه من طرف الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولند رئيسا للمجلس الفرنسي الرقميات، وهي هيئة استشارية تعنى بالتطور الرقمي للمقاولات الصغرى المتوسطة وكذا الجامعات الفرنسية.
منذ أن اشترى منيرا حاسوبا بخمسة آلاف فرنك في سنة 1996 ،كما صرح لإحدى الجرائد،والتي ربحها في إحدى المسابقات المنظمة لصالح المخترعين الصغار، سيتغير مسار حياته، وكان يقضي اغلب وقته في البحث في هذا المجال والاطلاع على الجديد. في سن 13 كان يقضي اغلب وقته في الإبحار عبر الانترنيت وتعلم البرمجة، وهوما مكنه من إيجاد عمل في هذا المجال قبل ان يؤسس مقاولته الخاصة في هذا المجال والمشاركة في مقاولات اخرى تعنى بالرقميات والمعلوميات.
عالم الانترنيت، هو النافذة التي كان يطل منها منير المحجوبي على العالم، ونسج بفضلها علاقات منذ نعومة أظافره، والانترنيت كان وراء دخوله عالم السياسة، في البداية من أجل مساعدة سيغولين روايال التي راهنت على التكنولوجيات الجديدة، لكنها فشلت في حملتها امام نيكولا ساركوزي، بعدها كان الانترينت هو باب اللقاء مع مرشح جديد وهو فرنسوا هولوند الذي كان فرسا رابحا، وهو ما سيمكن المحجوبي من تحمل مسؤولية وطنية بفضل ثقة الرئيس في قدراته وكفاءته، قبل ان يترك هذه المهمة وينخرط في حركة الرئيس الحالي، ليصبح اليوم وزيرا في حكومته، وبعد أن قاد حربا دولية عبر الانترنيت لحماية مرشحه ربحها إلى جانب الرئيس الجديد لفرنسا.