أَنَا الْقُرْمُطِيُّ

 

(1)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
الضَّالِعُ فِي حَيْرَةِ التُّخُوم
الضَّلِيعُ فِي اغْتِيَالِ الْقُيُود
الْعَاشِقُ التَّحْلِيقَ خَارجَ الْأَقْفَاصِ
الْحَالِمُ بِوَدَائِعِ الشُّمُوس
يَدِي تُعَانِقُ الْفَجْرَ الْمُنْسَلَّ مِنْ عُنُقِ اللَّيْل
عَيْنَايَ ضَارِعَتَانِ فِي أُفُقٍ تُسَرْبِلُهُ الْغُيُوم
خَطَوَاتِي سَابِحَةٌ فِي طَرِيقٍ مُتْرَعٍ بِوَصَايَا أَبِي ذَرٍّ الْغَفَّارِي
تَحْملُ السَّيْفَ فِي وَجْهِ الْيَأْسَ
تَسْتَقِلُّ عَرَبَةَ الْأَمَل
وَتَسْخَرُ مِنْ لَيْلٍ يَرْتَدِي سَمَاءَ الْعَشِيرَة

(2)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
لَسْتُ نَبِيَّ هَذَا الْوَقْتِ الْمَعْدِنِيِّ
لَسْتُ غَرِيمَ الرِّيح
لَسْتُ صَانِعَ الْعَوَاصِف
لَسْتُ كَابِحَ السُّيُول
لَسْتُ نَقِيضَ الْحَيَاة
مُجَرَّدُ فَرَاشَةٍ تَعْشَقُ ضَوْءَ الْقِنْدِيلِ
يَمَامَةٍ تُحَلِّقُ فِي سَمَاءِ الْمَدَى
أُغْنِيَّةٍ عَامِرَةٍ بِنَشِيجِ الْقَصَب
وَنَحِيبِ الْأَصَابِع
(3)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
سَتَتْبَعُنِي خُيُولُ الشَّرْقِ مُزْدَانَةً بِالصَّهِيل
وَظِلَالُ الْأَنْدَلُسِ مُضَوَّعَةً بِصَبَابَةِ ابْنِ زَيْدُونَ
سَتُلَوِّحُ لِي وَلَّادَةُ بِمَنَادِيلِ الْعِشْقِ الدَّفِين
وَلُورْكَا يَبْتِسِمُ نِكَايَةً فِي قَاتِلِيه
وَيُسَلِّمُنِي مِشْعَلَ الطَّرِيق إِلَى السَّمَاء
أُضِيءُ عَتَمَاتِ الْمَغْرِبِ الْأَقْسَى
وَأَقْبِضُ لَعْنَةَ الْأَسْلَاف
هَذَا كِتَابِي فَاقْرَأُوه
(4)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
أَحْتَفِي بِالْعَصَافِير
أُغَرِّدُ عَالِيّاً بِلَا أَجْنِحَة
أُصَالِحُ الْأَرْضَ مَعَ خَطْوِي
أُبَايِعُ الْهَدِيلَ رَغْمَ النَّعِيب
أُتَاخِمُ حُدُودَ الْمُمْكِنُ
وَأَنْتَصِرُ لِلْمُحَال
هَذَا كِتَابِي فَاقْرأُوه
(5)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
أُجَنِّدُ خَلْفِي حُشُودَ الَّذِينَ نَسَوْا زَفْرَةَ أَنْفَاسِهِمْ
عَلَى أَبْوَابِ الْخَلِيفَةِ
أَحْلَامَهُمْ عَلَى أَسِرَّةِ الْقَمَر
رَتَابَةَ اللَّيْلِ عَلَى كَاهِلِ الْبُيُوت
غُلَالَةَ الْأَسَى مُعَلَّقَةً عَلَى رَأْسِ الْوَقْت
الطَّرِيقَ تَصْدَحُ بِأُغْنِيَاتِ الْمَوَالِي السَّابِحِينَ فِي الْأَغْلَال
وَاُعْلِنُ الْعِصْيَانَ ضِدَّ الْمَوْتَى الْمُقِيمِينَ فِي رَحَابَةِ الْحَيَاة
(6)
أَنَا الْقَرْمَطِيُّ
أُعَبِّدُ الطَّرِيقَ بِصَوْلَةِ الرِّيح
اُسَيِّجُ الْمَدَى بِعَوَاصِفِ النَّخِيل
هَذِي شَمْسِي تَمْتَطِي صَهْوَةَ الْآتِي
وَذَاكَ قَمَرِي يُضِيءُ مَسَالِكَ السَّالِكِينَ إِلَى الْغَيْم
تُطَوِّقُهُمْ تَرَاتِيلُ الْقَصَب
وَتَنْحَنِي لَهُمْ هَامَةُ الظِّلَال
وَأَشْرَعُ شُرُفَاتِ الْغِنَاءِ لِطُيُورِ الْأَبَدِيَّة
لِلْقَادِمِينَ مِنْ أَقَاصِي النِّسْيَان
(7)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
أَخْتَارُ صَفَّ الْيَاسَمِين
حَلِيفِي لَيْلَكٌ يَكْتُبُ تَارِيخَ الْغَيْم
مِسْكٌ يَكْنِسُ نَتَانَةَ الْأَرْض
سِنْدِيَانٌ يَقُودُنِي إِلَى طَرِيقِ الْأَعَالِي
وَنَخِيلٌ يُعَلِّمُنِي أَنَّ الصَّحْرَاءَ تَحِبُّ الظَّامِئِينَ
إِلَى فَجْرِ الرُّوح
(8)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
مُوقِنٌ أَنِّي لَنْ أَعْشَقَ غَيْرَ بَرَارِي الْوَرْدِ
أُطَرِّزُ الْحَيَاةَ بتَوَاضِعِ الْأَرِيج
أُوقِظُ فِي يَقْظَةِ الْأَدْغَالِ فَرَحَ الْعَصَافِير
انْحِنَاءَةَ الْأَشْجَارِ لِصَوْلَةِ الرِّيح
الْحَدَائِقَ المُتَضَرِّعَةَ لِغَيْمِ الْبَحْر
جَنَائِنَ الطُّفُولَةِ الَّتِي تَحِنُّ لِمَاءِ الْحَنِين
وَأُشْعِلُ الرَّقْصَ فِي قَوَائِمِ الْغُزْلَان
الْغُنْجَ فِي عُيُونِ الْبَيْلَسَان
وَالَّسَّوَاقِي خُضْرَةً تَرْتَدِي وَجَعَ الْأَرْض

(9)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
لَا سَقْفَ لِي
مُجَرَّدٌ مِنْ دِفْءِ الْجُدْرَان
عَارِي الصَّدْرِ
فَارِغَ الْقَلْبِ مِنَ الشِّتَاء
مُتْرَعُ بِرَمْلِ الْحَيَاة
نَدِيمُ الْفَرَاغِ بِكَأْسِ الْجَلَبَة
أَحُثُّ الْخُطَى إِلَيَّ لَا أَجِدُنِي
طَرِيدُ الْعَشِيرَةِ
(10)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
أًصُبُّ قَلَقِي عَلَى قُبَّرَاتٍ قَوَّضْنَ أَرْكَانِ عُزْلَتِي
وَأَقْبِضُ عَلَى الرِّيحِ فِي قِفَارِ التِّيه
(11)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
أَكْفُرُ بِتَعَالِيمِ الصَّحْرَاء
وَأُومِنُ بِوَاحَاتِ التِّيه وَهِيَ
تُظَلِّلُنِي بِفَاكِهَةِ الْعُزْلَة
تُصَادِقُنِي قَوَافِلُ الْهَارِبِينَ مِنَ الْجَلَبَة
إَلَى مَهَاوِي الْغُرْبَة
تُطَوِّقُنِي رَقْصَةُ الظِّبَاءِ
نَظْرَةُ الْوُعُولِ إِلَى تُخُومِ الْمَدَى
حَفِيفُ الْكُثْبَانِ السَّابِحُ رُفْقَةَ الرِّيح
تَلْوِيحَةُ الْهَوْدَجِ الْمُثْقَلِ بِرَوائِحِ الْآهَات
وَاُعَانِقُ صَمْتَ الْمَتَاه بِذَخِيرَةِ الرَّهْبَة
(12)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
أَشْرَعُ الْحَيَاةَ عَلَى نَثْرِ الْخَطَاطِيف
عَلَى إِيقَاعِ الْهَدِيل
وَبَحْرٍ بِلَا سَاحِل فِي الشِّعْر
أَخِيطُ شُقُوقَ الْجُدْرَانِ بِإِبَرِ الْأَنْفَاس
الشُّرُفَاتِ بِظِلَالِ الْغِنَاء
وَحُزْنَ الزِّحَافاتِ وَالْعِلَل بِشُمُوسِ
الأَسْلَافِ الضَّالِعِينَ فِي مَحَبَّةِ الْمُحَال
(13)
أَنَا الْقُرْمُطِيُّ
أَشْتُمُ الطَّرِيقَ بِفَرْدَتَيْ حِذَائِي
أَنْفُثُ سُمَّ الضَّجَرِ فِي أَوْرَدَةِ الْعَالَم
أَخْبِطُ عَلَى جِدَارِ الْعَبَث حَتَّى يَسْتَسْلِم
لِأَرْقُصَ عَلَى خَرَابِه
أَعْزِفَ لَحْناً عَسْكَرِيَّاً يَلِيقُ بِانْتِصَارَاتِي
أَقُودُ عَرَبَاتِ الْفَرَحِ إِلَى سَاحَةِ الْجُنْدِيِّ الْكَارِهِ عَلَمَ الْبِلَاد
وَأُغَنِّي سَمْفُونِيَةَ الْحَيَاةِ عَلَى كُورَالِ الْمَوْت
وَأُغْلِقُ الْأَبْوَابَ تَارِكاً الرِّيحَ تُصَفٍّرُ خَوَاء
لِأَحْضُنَ مَتَاهَاتِي


الكاتب :  صالح لبريني

  

بتاريخ : 22/12/2017