حين قال العاهل المغربي محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، أمام بابا الفاتيكان فرانسيس، عند صومعة حسان بالرباط، أثناء الزيارة التاريخية الناجحة لقداسته إلى بلادنا: «لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين. فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية، وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب»، فإنه قد أعاد تذكير الجميع، بالدور التاريخي المحوري لمؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب، التي في معناها وأدوارها، ظلت دوما الضامن لحماية كل أتباع الديانات السماوية الثلاث، أي أن الجالس على العرش هو أمير لكل المؤمنين من الديانات تلك الذين يعيشون تحت سقف المغرب (الدولة والأرض والنظام).
وتفعيلا لذلك، يأتي القرار الهام لجلالته، بإعادة تنظيم انتخاب الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية المغربية، الذي أفاد بلاغ لوزارة الداخلية أن تعليمات صدرت لوزير الداخلية لتفعيل تنظيمها في القادم من الأيام. مع التسطير على أنها انتخابات «للجماعات اليهودية المغربية» وليس «للجماعات اليهودية بالمغرب»، بما يحيل عليه ذلك من سمو المواطنة المغربية ورسوخها عند المغاربة من الديانة اليهودية مثلهم مثل إخوتهم في المواطنة من المغاربة المسلمين. وهو القرار الملكي، الذي جاء ليضع نقطة النهاية لتعطيل تنظيم تلك الإنتخابات منذ سنة 1969، وأن يأمر بتنظيمها تأسيسا على الظهير الصادر في عهد جده الملك الوطني محمد الخامس (الصادر بالجريدة الرسمية عدد 1703، بتاريخ 15 يونيو 1945، والذي نسخ ظهيرا آخر صادرا حول نفس الموضوع يعود إلى 12 ماي 1918، حيث وقع الظهير الجديد بتاريخ 24 جمادى الأولى من سنة 1364، الموافق ل 7 ماي 1945). وهو الظهير المنظم لتلك الإنتخابات من خلال فصوله الثمانية، التي تحدد شكل تلك الإنتخابات ومن له حق المشاركة فيها من المغاربة اليهود، الممتلكين لحق المواطنة المغربية الراسخة والكاملة، الذين يصفهم ذلك الظهير ب «مغربيين الأصل».
إن الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية المغربية، ظلت دوما مؤسسة تنظيمية للأوقاف اليهودية بالمغرب (هقدش)، وأيضا لتنظيم رعاية الفقراء وحمايتهم ورعايتهم، التي تتلقى الهبات (ندابوت) الموجهة إلى صندوق خاص يحدد أدوراه وتسييره قانون خاص. مع تحديد أعضاء الهيئة في ما بين 8 و 20 حسب أهمية كل جماعة إسرائيلية مغربية، وأن تمتد ولايتهم على 4 سنوات، يعاد انتخاب نصفهم في منتصف الولاية. وتمول ميزانيتها من المتحصل من العطايا والصدقات ومن الأداءات الإسرائيلية المغربية، وإن اقتضى الحال من مداخيل الأوقاف الدينية اليهودية المغربية، مع إلزامية عرض تلك الميزانية للموافقة كل سنة على رئيس الحكومة (في النص الأصلي على الصدر الأعظم). مع ترسيم اجتماعات سنوية بالرباط تحت إشراف السلطة الإدارية الرسمية المخولة بذلك (الديوان الملكي عمليا، لأن النص يشير بالحرف إلى «مفوض من إدارة الأمور الشريفية ورياسته»).
تجدر الإشارة، إلى أن التنظيم المؤسساتي للمغاربة اليهود، قد ظل دوما قائما منذ قرون، وأنه عرف مراحل من التطور والنكوص، تبعا لقوة الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم الدولة المغربية، منذ الأدارسة إلى اليوم. وأن هناك بالتالي، تاريخا مرجعيا ثريا في هذا الباب، يعتمد عليه دوما في تحديد الأشكال التنظيمية لحياة المغاربة اليهود، على المستويات الدينية والقضائية والجمعوية والحقوقية والإجتماعية. مما جعل دوما من التجربة التنظيمية المغربية مرجعا متمايزا في كل التجارب التنظيمية الدينية والسياسية والقانونية والمجتمعية بالعالم العربي والإسلامي. وليس مستغربا أنه بسبب من ذلك، ظل عدد المغاربة اليهود دوما تاريخيا، هو الأكبر في كل المجتمعات العربية والإسلامية لقرون، ولا يزال.