ناقشتها المناظرة الوطنية الأولى للصناعات الثقافية والإبداعية:
بهية العمراني: ضرورة العمل على تثمين الجانب الثقافي بوسائل الإعلام
في إطار أشغال المناظرة الأولى للصناعات الثقافية والإبداعية، المنظمة من طرف وزارة الثقافة والاتصال وفدرالية الصناعات الثقافية والإبداعيات التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، شهدت ردهات أحد فنادق مدينة الرباط طيلة يومي 4 و5 أكتوبر الجاري، انعقاد عدة ندوات من تقديم وتنشيط التهامي الغرفي،كان الغرض منها فتح نقاش حول سبل الوصول إلى آليات ترسيخ وتطوير صناعة ثقافية وإبداعية، وذلك بحضور عدة متدخلين مهنيين وممثلي هيئات سياسية وثقافية واقتصادية وحقوقية وغيرها.
وفي هذا السياق، ركزت الندوة التي تمحورت حول «غنى الهويات، رأسمال ثقافي وجب تثمينه»،فرصة لكل من محمد سكونتي،الأستاذ الباحث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وإليزابيث جيجو، رئيسة مؤسسة «أنا ليند»، وعبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، والكاتب والفنان التشكيلي ماحي بنبين،لتبادل الآراء حول مكانة الفنون والثقافة، كدعامة للتماسك الاجتماعي وعلاقة المواطن بالتعددية الثقافية واللغوية.
وقد تطرقت إليزابيث جيجو لأهمية دعم التنوع الثقافي والإبداع الفني، أما مداخلة عبد الله بوصوف فركزت على علاقة المواطن بالتعددية الثقافية واللغوية. بينما تحدث ماحي بنبين من جهته عن ولوج الشباب للفنون والثقافة، وعن دعم هذا الميدان للتماسك الاجتماعي، من خلال سرده لتجارب بصفته أحد مؤسسي المراكز الثقافية «النجوم».
ومما جاء في مداخلة سكونتي، تحديده لمفهومي الرأسمال اللامادي، والموروث الثقافي والتمييز بينهما، فالأول مفهومه أوسع ويتعلق بالغنى اللامادي لبلد ما، بينما الموروث الثقافي يتضمن مجموع التراث الثقافي الذي يعد جزءا من الثقافة، وأيضا تأكيده على أهمية تثمين القوانين المتواجدة وتشريع أخرى لحماية هذا التراث، مشيرا إلى ضرورة منح المسؤولية أكثر للجماعات المحلية.
هذا وخلال تصريح خص به الجريدة، أعرب هذا الأخير عن سعادته بهذا اللقاء الذي يعتبر على حد قوله فريدا من نوعه ومناسبة لجميع الفاعلين، لإدراك أن الثقافة ، رغم خصوصياتها، تشترك مع جميع المجالات الأخرى، في صياغة المشاريع وتطبيقها وتقييمها، مما يشكل حافزا لتشجيع الاستثمارات وخلق الثروة ومناصب شغل.
وقد تطرق زهير شرفي، الكاتب العام لوزارة الاقتصاد والمالية، خلال الندوة التي تمحورت حول» المنظومة الثقافية في بحث عن التطور»، لآليات دعم الثقافة، وعرض أثناء مداخلته عدة أرقام، مشيرا إلى ضرورة اعتماد آلية جبائية تراعي خصوصيات وحاجيات القطاع الثقافي.
كما أكد هشام عبقاري، نائب رئيس فدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية ومدير مسرح محمد السادس خلال مداخلته التي تمحورت حول «من الإدراك الخاطئ إلى ضرورة اعتماد حكامة جديدة»،على ضرورة العمل لاعتماد حكامة جديدة للمرافق الثقافية المتواجدة وتبسيط المساطر والقوانين المسيرة لهذه الأماكن، وفضاءات نشر وتوزيع الأعمال الفنية لتواجدها في صلب السلسلة المدرة للقيمة بالصناعات الثقافية والإبداعية.
من جهته خالد سفير، الوالي المدير العام للجماعات المحلية،ركز خلال تدخله حول «الجهات والجماعة الترابية في قلب السياسة الثقافية» على دور الجهات المحلية في تنزيل سياسة ثقافية مشتركة ما بين مجموع جهات المملكة. وأعرب في هذا الصدد إرادته بالعمل إلى جانب فدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية على بلورة خارطة طريق جهوية.
وخلال تطرقها لموضوع» الحماية الفكرية و حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، دعامات استراتيجية»، شرحت كارول.إ.كرويلا، االمتخصصة في حقوق الملكية الفكرية، ،أهمية الدعامة القانونية المهمة والحاسمة في التنمية السليمة لمختلف القنوات الثقافية، المدرة للقيمة والثروات. وعبرت عن استعداد المنظمة العالمية للملكية الفكرية الكامل لمواكبة المغرب في تطوير الإطار التشريعي الحالي في هذا المجال.
فريد بنسعيد، رئيس مجموعة طينور والرئيس المؤسس للأركسترا الفيلارمونية المغربية، أدلى ببعض من تجاربه بهذا المجال، والمبنية على رؤيته المزدوجة كمقاول وفنان في نفس الوقت.
بهية العمراني رئيسة الفدرالية المغربية لناشري الصحف، صرحت خلال الندوة التي نظمت حول «التآزرات و الاندماج كرافعات لرؤية استراتيجية جديدة للصحافة الثقافية أي دور وأي مستقبل» بأن الصحافة تلعب دورا جوهريا في الترويج للفنانين وأعمالهم. كما طالبت بضرورة العمل على تثمين الجانب الثقافي بالوسائل الإعلامية، انطلاقا من أهمية الموضوع وارتباطاته مع المجالات الفكرية، السياسية والاقتصادية.
من الناحية السياحية ، تطرق عثمان الشريف العلمي بصفته رئيسا لشركة «أطلس للأسفار» لموضوع «ما بين المقايسات الدولية والخصوصيات المغربية»، وأدلى برؤية نقدية للآليات المعتمدة لدعم الثقافة والمقتصرة على المنتوجات السياحية، مشيرا على الخصوص إلى المرجعيات الدولية في مجال المقايسات والممارسات الفضلى.
وقد تميزت الندوة بالحضور المكثف للفنانين والمخرجين والكتاب والمنتجين والموزعين والناشرين والمهنيين في جميع القطاعات المعنية بالحدث،فضلا عن العديد من ممثلي الوسائل والمنابر الإعلامية، جلهم عبروا عن آرائهم ومخاوفهم وآمالهم وتساؤلاتهم، كما عكستها بعض الأسئلة والمداخلات التي كانت خلال الندوات.
وفي هذا الصدد،لم يفت نائلة التازي، رئيسة فيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، أن تسطر خلال إجاباتها على بعض المعارضين لطريقة سير المناظرة وضرورة أخذ بعين الاعتبار المشاكل الفعلية للمهنيين قصد بلورة توصيات فعالة تخدم مصلحة هؤلاء، موضحة بأن هذه المناظرة لا تزال في دورتها الأولى وأن هدفها الأولي تجميع جميع المعطيات قصد تبادل الرأي حول آليات مثلى ترمي لبناء هاته الصناعات الثقافية والإبداعية بما يخدم الفنانين والمهنيين في هذا الحقل ، مؤكدة بأن الهدف من المناظرة، هو الإدراك الجماعي لكل هاته المشاكل التي تهم المهنيين في هذا القطاع، خاصة وأنها جمعت كل المؤسسات المعنية والتي يمكنها اقتراح حلول فعلية لهاته المشاكل قصد تقويمها من الناحية القانونية والمالية وغيرها.
وخلال حضور هاته التظاهرة، التقطت الجريدة ارتسامات وشهادات لعدة فعاليات ثقافية وفنية وسياسية من بينهم الشاعرة والسياسية المغربية مليكة العاصمي التي صرحت بأن هذه المناظرة مبادرة مهمة كان الكل في انتظارها ، وبأن أهميتها تعززت بالتحاق مؤسسة اقتصادية ،المتمثلة في اتحاد مقاولات المغرب، واسترسلت موضحة بأن الاعتقاد الذي ظل سائدا ولفترة طويلة أن الثقافة قطاع استهلاكي، لكن وخلال مداخلات السادة المسؤولين تبين بأن هؤلاء يدركون بأنه قطاع إنتاجي ومن أهم القطاعات المزودة للميزانيات، لأن الثقافة تحاور المال والصناعة والعديد من الميادين وهي محاورة بشكل كبير للاقتصاد المغربي لكن مجهولة ، وانطلاقا من ذلك يجب تقويم مساهمة الثقافة في الاقتصاد، والإدراك بأن المستثمر في الثقافة ليس خاسرا.
ادريس خروز، المدير السابق للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، صرح لنا من جهته بأن هذا الملتقى الأول حول الصناعات الثقافية والإبداع، مهم جدا بالنسبة إليه، لأنه جمع ما بين المؤسسة الرسمية المتمثلة في وزارة الثقافة وبين القطاع الخاص، وهي مبادرة سابقة بالمغرب، لأنها مناسبة ،على الأقل، لإدراك هؤلاء الفاعلين الثقافيين بأن هذا القطاع لن يتمكن من التطور بدون خضوعه لسوق العرض والطلب، وبدون احترام قوانين الملكية الثقافية والصناعية، فضلا ،بالطبع ، عن توفر مكونات أخرى مثل الإبداع والتكوين والخيال والاستمرارية، كما لن يتمكن المغرب من الانخراط في الصناعات المستقبلية مثل الصناعات الرقمية والذكاء الاصطناعي ، مما قد يفقده ولوج عالم اقتصاد المعرفة.