إدريس لشكر رجل دولة وليس رجل سياسة فقط

 

هناك قصة فرنسية وجيزة وجديرة بالاهتمام بطلها رئيس الجمهورية الفرنسية رينيه كوتيه يقدم فيها تمييزا بين رجل السياسة ورجل الدولة، ففي إحدى المناسبات ذكر له أحد وزرائه اسم زعيم بارز من زعماء الحياة السياسية في فرنسا فاستخف به الرئيس الفرنسي وقال : «إنه ليس سوى رجل عادي بسيط من رجال السياسة «. فسأله أحد الحاضرين : ولكن يا حضرة الرئيس ما الفرق بين السياسي ورجل الدولة في رأيك ؟ فأجابه قائلا : الفرق بسيط جدا، رجل الدولة يريد أن يعمل شيئا من أجل بلاده، والرجل السياسي يريد من بلاده أن تفعل شيئا من أجله.
ومن خلال تتبعنا لأنشطة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي؛ استقبالات لزعماء وقادة أحزاب ورجال دولة في مختلف قارات العالم، نلاحظ أن الأستاذ إدريس لشكر يريد أن يفعل شيئا، بل أشياء من أجل بلاده، والثابت البنيوي في فكر وخطاب الكاتب الأول هو الانتصار للوحدة الترابية والوطنية . عندما يتعلق الأمر بالوطن فإدريس لشكر يضع الانتماء الحزبي بين قوسين لأن مبدأ الانتماء للحزب هو حقل لخدمة الوطن أولا وأخيرا .
مناسبة هذا الحديث هو تكريم ذ. إدريس لشكر من طرف مؤتمر الأممية الاشتراكية بمدريد، إنه تكريم للاتحاد الاشتراكي، وقبل هذا وذاك تكريم للمغرب، فشعار الحزب المغرب أولا، والاتحاد الاشتراكي هو صوت المغرب في الأممية الاشتراكية.
نحن في هذا الحزب يجمعنا حب وطن المغرب، وحب الأمة المغربية، وهو مسبق على الانتماء للحزب، ونحن نعلم أن هذا الحزب وطني في المسار والصيرورة.
الاتحاد الاشتراكي في النشأة والتأسيس، في السير والمسار …حزب وطني …رقم أساسي في ثورة الملك والشعب، ثورة التلاحم العضوي المتين بين الملك والشعب …ثورة ثابتة من حيث المبدأ ومتغيرة من حيث المهام بتغير الشروط التاريخية، التحولات المجتمعية والأسئلة الكونية…
الاتحاد الاشتراكي اليوم، كما بالأمس والغد وغد الغد، يضع المصالح الحزبية والهواجس الانتخابية بين قوسين مغلقين، ويتفرغ للمهمة الوجودية والمعركة المصيرية: الدفاع عن الوطن …تناغم حزب وطني مع ملك وطني، رمز السيادة والوجود ….من محمد الخامس والحسن الثاني إلى محمد السادس؛ الاتحاد الاشتراكي منخرط وفاعل في ثورة الملك والشعب؛ إنه حزب وطني وليس كائنا انتخابيا…
الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ذ. إدريس لشكر وفي للمبدأ والتاريخ …
نقولها بالصوت المغربي الواحد …لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .
نفخر بهذا الأمر أيما افتخار، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء إلا للمغرب. وهذه لوحدها تكفينا، اليوم، وغدا وفي باقي الأيام، إلى أن تنتهي كل الأيام…
لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن، والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ .

خولة لشكر نائبة رئيس الأممية الاشتراكية …المناضلة المناسبة
في المكان والزمان المناسبين

اقتحمت خولة لشكر الوجود بكثير من الارادة وبكثير من الأمل …تأتي في زمن مغربي صعب وعسير …تأتي لتبشر بعودة «السبع السمان»  منتصرة على «السبع العجاف»، لتملأ ارضنا خصبا، وبيادرنا حبا وحبا …تأتي لتهدي دفئا وجدانيا للاتحاد الاشتراكي …جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم، واحتفلنا بألحان أمازيغية سوس العالمة…رقصنا مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات، الاعتماد على النفس ، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود….قد يكون الميلاد حلوا …انما المستقبل أحلى …تأتي خولة لتكسر الصمت وتحطم المألوف ، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي ، لترفض الجهل والخنوع وتناضل للعدالة والكرامة …لتسمو عن دونية الحريم وخسة «العيالات والولايا» وتعانق شموخ الانسان وكبرياء المرأة…
لخولة حضور نضالي قوي ، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها ، بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مسار أكاديمي ومهني …هي أصلا في البدء تربت على كره الغدر والنفاق…
وهي طفلة، وهي تنمو ، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة …ضايقت الوصوليين والوصوليات وأزعجت تجار وتاجرات المناصب والمواقع …سقط القناع عن القناع …الكفاءة هي الفيصل بين خسة الإنتهازية ورفعة خولة …أنها استثناء في زمن الكائنات المتهافتة …مترفعة في زمن الهرولة …واثقة في زمن التيه …
لم تستثمر نضال والدها للتباهي وتضخيم الذات …مؤمنة بأن النجاح اجتهاد لا ريع …وأن النضال اختيار والتزام …تضحيات لا غنائم …
أسرة مناضلة نزعت من خولة للأبد الاحساس بالخوف والاستسلام …زرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها بكرامة وكبرياء ، والمضي قدما مهما صعبت المسالك …أسرة زرعت فيها الصمود والتحدي …تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة …تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن العطف والحب مرارا…
في البدء كانت الكلمة
منذ بداية البدايات عشقت الكلمة وداعبت القلم …عز عليها ان تسقط فتستجيب لطيور الظلام …عز عليها ان تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة …لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الدراسة مهما غضب السيد والجلاد …أصرت على ان تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وان كان الزمن زمن جهل ورداءة …اذن فلا خوف علينا اذا ادلهمت بنا الافاق من ان لا نجد مناضلة مقتدرة تنبهنا وتهدينا …فان خولة التي أطلقت في زمن الصمت صرخة ، قادرة على جعل الناس يعشقون الورد…
نقطة التقاطع بين الرياضيات والسياسة
خولة منتوج تربوي مغربي جيد …بنت المدرسة العمومية …حصلت على شهادة الباكالوريا مسلك العلوم الرياضية وبمعدل عالي جدا أهلها لولوج الأقسام التحضيرية لمدة سنتين ..
ومعلوم أن تلاميذ وتلميذات العلوم الرياضية يشكلون النخبة ، اجتهادا وذكاء ، سلوكا واخلاقا …انهم تلميذات و تلاميذ التميز والامتياز ، التفوق والتألق …ومعروف كذلك ، ان الأقسام التحضيرية لا تستقبل الا القليل منهم ، الا من احتل « ت « المراتب الأولى على مستوى نتائج الباكالوريا . وهكذا يمكن اعتبار تلميذات و تلاميذ الأقسام التحضيرية هم نخبة النخبة …وكذلك هي خولة لشكر …والاتي من الأيام سيكشف أهمية توظيف الرياضيات في الاقتصاد والسياسة …
خولة اذن صاحبة عقل علمي ومنطق رياضي ؛ وهذا تميز …لقد دخلت السياسة من باب الرياضيات، أساس كل المعارف والعلوم …هكذا تعلمت التفكير السليم: التماسك المنطقي بين المقدمات والنتائج …وتعلمت حل المشاكل الصعبة والمعادلات المعقدة …
ان تفوق خولة لشكر في الرياضيات أهلها للاتصاف بكل خصال الإطار الاقتصادي والسياسي التواق الى النجاح؛ بخصال نظرية وسلوكية كاليقظة العالية والاحتراز، والتقدم بخطوات محسوبة، دون تسرع ودون تهور، وتجنب السقوط في الاستفزاز ورد الفعل، ورفض الانسياق وراء العواطف والأهواء مهما كانت نبيلة، وتأهب دائم للمبادرة والفعل، مسلحة برؤية واضحة، وبمنهجية علمية، واقتراح حلول ومخارج ناجعة ، وامتلاك الحدس الذي يتجاوز ما هو كائن الى ما ينبغي أن يكون…
خولة عقلانية فكرا، براغماتية سلوكا، تمقت الانفعالات والانسياق وراء الشعارات  والوقوع سجينة الحماس الزائد..
من هنا كان النجاح في الدراسة وكان النجاح في الشغل …
ومعلوم أن خولة ، ومنذ البداية ، وهي تلميذة  زاوجت بين الرياضيات والسياسة ؛ فهي لم تعزل الرياضيات عن الواقع ، كما هو شأن الكثير من التلاميذ والتلميذات ، بل انها جسدت الرياضيات كعلوم عقلية مجردة في الواقع الميداني، بل انها وظفتها لفهم الحقل الاجتماعي والسياسي….
ان العلم عندما يقتحم السياسة يصبح اكثر فعالية ونجاعة …وكل من تكون تكوينا علميا مؤهل أكثر من غيره لمقاربة الواقع بمنهجية علمية ومفاهيم دقيقة…
ولقد تبين هذا التوظيف الرياضي والعلمي في اعداد البرنامج الاقتصادي للاتحاد الاشتراكي في استحقاقات 7 اكتوبر 2016 ، حيث لعبت خولة  دورا فاعلا ومحوريا في تحضيره …وكان برنامجا متميزا باعتراف الجميع …وفي لقاء لجمعية ضمير؛ جمع ممثلي مختلف الأحزاب لمناقشة برامجها الاقتصادية، تفوقت على الجميع منهجية ومضمونا …كانت تعي ما تقول …واستطاعت ان تترافع أمام أستاذ متخصص في الاقتصاد ؛ كان يسأل وهي تجيب ، فأقنعت وتألقت …
كفاءتها المتميزة تجلت للجميع عندما تجندت لعرض تصور الاتحاد الاشتراكي للنموذج التنموي الجديد على قنوات التلفزيون او في التجمعات الجماهيرية التي نظمتها الكتابات الاقليمية للاتحاد الاشتراكي بخريبكة ووجدة والدار البيضاء …..
مسار مهني ناجح
وبدأ المسار المهني وكان الالتحاق بالقطاع البنكي حيث اشتغلت خولة لدى ثلاث مؤسسات بالتتالي، وساهم هذا الاشتغال في اكسابها خبرة ميدانية اغنت بها رصيدها المعرفي فكرا وتطبيقا…ومنذ البداية ابانت عن كفاءة مهنية عالية مما أهلها  للارتقاء صعودا واعتلاء مناصب مختلفة؛ سنة 2004 مسؤولة عن الشركات الكبرى ببنك BNP Paribas  فرع المغرب ، وفي 2005 مسؤولة عن المشاريع ببنك المغرب (البنك المركزي المغربي)، سنة 2007 مديرة المخاطر بالبنك العربي فرع المغرب …سنة 2009 التحقت بمكتب الدراسات الاستراتيجية «ماكينزي» كاستشارية خبيرة …ومنذ 2012 وهي مديرة بصندوق الإيداع والتدبير ….
راكمت تجربة مهنية غنية، ونجاحا عمليا متميزا لتكون كفاءة للجذب والاستقطاب من طرف مؤسسات مختلفة: عضو مجلس إدارة لعدة شركات عقارية وسياحية…
ما أحوج المغرب الى اكثر من كفاءة من عيار خولة لشكر …حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون الطريق المؤدية إلى النتائج ….
أنها صاحبة اشكالية ملحاحة، وملحة في اقتراح الحلول لها …إشكالية بناء وتنمية المغرب ….تنبهنا إلى أن التنمية لا تتحقق بالثرثرة ولغو الكلام، ولا تتحقق بالنيات ولو كانت صادقة….
عقل سياسي
تعلمت لغة موليير ، ثقافة وفكرا ؛ ايمانا منها بوحدة اللغة والفكر …اللغة هي التجسيد المادي للفكر ….تشبعت خولة بالعقلانية الديكارتية ؛ هذه العقلانية التي ستتجلى في تفكيرها وتدبيرها ، في تسييرها وسلوكها …من هنا حرصها على الدقة والتدقيق والنفاذ الى العمق…ايمانها بأن الحقيقة هي انسجام الانسان مع فكره ، والصدق هو التماسك المنطقي بين المقدمات والنتائج …
ان ما حققته فرنسا على مستوى السياسة حققته انجلترا على مستوى الاقتصاد …واذا كانت فرنسا انتجت مفكرين وسياسيين فإن انجلترا انتجت رجال الأعمال والاقتصاد …من هنا نفهم بعض السمات التي تؤثث شخصية خولة التي زاوجت في مسارها بين السياسة والاقتصاد …
تمكنها من الفرنسية لغة وثقافة وقيما أهلها لتكون سياسية مناضلة من أجل كرامة الإنسان وعدالة المجتمع …وتمكنها من الانجليزية لغة وثقافة أهلها لتكون كفاءة مقتدرة في التسيير والتدبير …لقد جمعت بين عقلانية الفرنسيين وتجريبية الانجليز ، من هنا تجنبت السقوط في طوباوية الإشتراكية ونفعية البراغماتية …
امتلاكها المتفوق للغات ؛ عربية ، فرنسية، إنجليزية …قدرتها المدهشة على التواصل …الاعتراف بالاخر والايمان بالاختلاف . ..مؤهلات فرضتها عضوة سكرتارية العلاقات الخارجية لحزب الاتحاد الاشتراكي …
تابعتها منصتا في المؤتمر الوطني العاشر للحزب، وهي تستقبل الوفود الأجنبية فأعجبت باتقانها لفن التواصل …تتكلم لغة انجليزيةأنيقة ولغة فرنسية جميلة …والعينان تعبران بالابتسامة عن التفاؤل والطموح والحب اللامشروط لهذا الوطن رغم التشكيك لدى البعض والتيئيس لدى الآخرين …
وعي سياسي مبكر
تعطرت بوعي سياسي مبكر ، وضربت في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب ….
لقد وعت خولة على أسرة ترعرعت في مدرسة سياسية وطنية ومناضلة ، انها مدرسة الحركة الاتحادية التي اعطت للوطن أجمل واحسن التجارب النضالية…
هي خولة اذن، نجلة إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، والذي يشكل احد قادة الجيل المؤسس الشبيبة الاتحادية ، الجيل الذي رسم وما زال يرسم الى اليوم علامات وضاءة ليس من السهل أن يأتي الزمان بمثلها ، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه الحزب وحقق معه المغرب الشيء الكثير …
في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي السياسي والانخراط في الاختيار الصحيح …اختارت ان تكون اتحادية؛ اختيار النضال المؤسس على الإيمان بالمشروع الاشتراكي الديموقراطي الحداثي، والمؤسس على نكران الذات والانفتاح على العالم …انخرطت في العمل السياسي وهي طفلة (16 سنة)؛ والطفل عندما يعانق السياسة يصبح ثوريا بالضرورة ، وإذا عانقها في حزب يروم التحرر من الجمود والتخلف فإنه يبلغ سقف الالتزام المؤسس على جروح الوطن…
خولة منتوج اتحادي خالص ، ارتشفت السياسة في مدرسة الشبيبة الاتحادية، عانقت النضال وهي تلميذة، وهي طالبة ، وهي إطار مهني مقتدر…
منتصف التسعينيات شهد ميلاد مناضلة واعدة… شكلت وما زالت قيمة مضافة لحزب الاتحاد الاشتراكي …تحاصرها اسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة باختيارها …المناضلة صاحبة قضية ، وعلى خولة ان تواجه الامواج والاعصار …فهذه قناعتها وهذا واجبها….وهذه مهمتها..والا فليرحل من هذا العالم الذي هو في حاجة الى العواطف النبيلة وشيء من التضحية …هكذا نرى المناضلة خولة ترى الاشياء …وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه …فليخجل من انفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون ….شافاكم لله! لكم التين ولنا الزيتون، وبين التين والزيتون ، امنت خولة ان النضال ليس شعارا يرفع ولا صفة للتزيين ، ليس موضوعا للتوظيف الإيديولوجي والاستهلاك السياسوي ، بل إنه قناعة انطولوجية تشكل قناعة فكرية والتزاما سياسيا …هذا جوهر كينونتها وعنوان هويتها …التحدي هو سيد الميدان …وقفت خولة فوق خشبة الحياة وأعلنت رفضها للذل والمهانة …انها صاحبة اشكالية ملحاحة ، وملحة في اقتراح الحلول لها، اشكالية تنمية المغرب ودمقرطة مؤسساته….
تحمل اسم لشكر وهذا ما تعترف به وتعتز به، هي خولة اذن ،لم تسقط حسبا ونسبا على الاتحاد …بل فرضت حضورها وجودا ونضالا …
سليلة الشبيبة الاتحادية
وهي يافعة، وهي في عمر الزهور، وهي لم تتجاوز بعد السادسة عشرة من عمرها ، تعرف عليها الشباب الاتحادي بالرباط وتحديدا بفرع اليوسفية، ومما لفت انتباه الشباب آنذاك هدوءها ورزانتها …هادئة بقوتها …قوية في هدوئها …انخراطها الفعال في الجماعة …تكره الضجيج والصراخ …لا تغتر ولا تتعجرف …تضع انتماءها العائلي بين قوسين وتطلق العنان للنضال الجاد والهادف …هي من قال فيها الشاعر «كن ابن من شئت واكتسب أدبا…»
سنة 1999 كانت حاضرة ، مرفوقة بشقيقتها نوال ، مؤتمرة في المؤتمر الوطني الخامس الشبيبة الاتحادية …ومما يسجله التاريخ أن هذه المحطة كانت حارقة في مسار الشبيبة الاتحادية : جملة دالة وعميقة تلخص عمق الإشكالية ، جملة قالها إدريس لشكر مخاطبا محمد الساسي الذي كان قد عمر طويلا على رأس الشبيبة الاتحادية ، قال إدريس في لحظة انفجار وتوتر « لقد كنت معك في المكتب الوطني للشبية الاتحادية في 1975، وغادرت الشبيبة، وبعد أكثر من عقدين ، ها أنا اليوم أدمج نجلتي وقد أصبحت شابة يافعة وانت ما زلت مصرا على التربع على رأس الشبيبة الاتحادية وقد صرت كهلا !!! «
واستمرت الشابة خولة مناضلة في الشبيبة الاتحادية بهدوء وحكمة بالموازاة مع انكبابها الجدي على التحصيل العلمي ونيل اكبر الشهادات ….
شاركت في يوليوز 2002 بالمحمدية في مؤتمر الأمل الذي أعلن ميلادا جديدا للشبيبة الاتحادية، ولما انعقد المؤتمر الوطني الثامن الشبيبة الاتحادية وجدها اطارا حزبيا شابا….
ويشهد الشباب الاتحادي الذي خبرها عن قرب، أنها لم تنافس أحدا أبدا على مساحة أو تفاحة …ولم تتهافت يوما على موقع أو مسؤولية وطنية ، تقريرية أو تنفيذية ، في الشبيبة الاتحادية …
هذا سلوكها، هذه قناعتها ، هذه أخلاقها…ونفس النهج نهجته وهي إطار حزبي مقتدر وكفاءة علمية ناجحة ، والمؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الاشتراكي نموذجا …السمو عنوان خولة والرفعة هي الطريق…
الفضاء العقلي للحداثة
اعلنت انتماءها العضوي لقضايا الانسان …مناضلة فاعلة في المنظمة الإشتراكية للنساء الاتحاديات  ؛ مشاركتها في العديد من الندوات الفكرية والتوعوية تجسد المبدأ والرؤية …وحضورها في الميدان …في الفضاء …في المجتمع…يؤكد سمو الفكر ورفعة الاخلاق …انها ديموقراطية…انها حداثية …
والحداثة عندها ليست بالمعنى المبتذل ، اللاواعي واللامؤسس، بل الحداثة النابعة من فكر الانوار …الحداثة المؤسسة على العقل؛ عقلنة التفكير …عقلنة المجتمع …عقلنة السلوك …ألام المرحلة حاضرة في وعيها …
هي خولة، اذن، حداثية بموروث ثقافي …حداثية بموروث مغربي أصيل.. مناضلة بقناعاتها …وما اسهل تاقلمها في المجال اذا ارادت بمحض إرادتها، دون أن تخضع لأي أمر او قرار …تحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها …وتقول لا للوصاية والتوريث، لا لإعطاء الدروس بالمجان …لم تسقط سهوا على الاتحاد الاشتراكي … لم تسقط حسبا ونسبا …هي اتحادية ايمانا واختيارا …اكتسبت شرعية الانتماء بالقوة والفعل، وانتزعت الاعتراف والتقدير بالنضال والتضحية …انطلقت من القاعدة ….تدرجت صعودا في صفوف القوات الشعبية ،من الفرع الى الكتابة الإقليمية الى المجلس الوطني ..
مناضلة باستحقاق انساني
ومنذ طفولتها كانت خولة امراة ممسكة بزمام مسار حياتها، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك ، تشق مجراها بصبر وثبات…
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود، بالجدية وشيء من الشغب ،تصطحب ظلها لمواجهة المجهول…لمجابهة المثبطات، لعناق الامل، ودائما تحمل في كفها دفاتر وورودا، وفي ذهنها أفكار ومبادرات، وعلى كتفها مهام  وأحلام، فهي تكره الفراغ…ان الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه …وحين يكون الشعور هامدا والاحساس ثابتا، يكون الوعي متحركا …وعي بأن الحياة خير وشر ..مد وجزر…مجد وانحطاط …ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون المبادرة ويكون التحدي …تكون الطريق المؤدية إلى النتائج …وتقول خولة:» لا تهمني الحفر ولا اعيرها اي انتباه « …منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح، في التسيير والنضال، وتظل دائما ودوما متمسكة بطموح النجاح في الحقل الذي يؤثث مسارها؛ السياسة والاقتصاد…
تكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية …تكره الأسلوب المتشائم ولغة الياس والتيئيس …لا…هي امرأة جد  متفائلة، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل …وهذا الطموح …وهذا الحب اللامشروط للمغرب رغم الكابة في السماء والأسى لدى الاخرين …قد يكون الماضي حلوا إنما المستقبل احلى…
ارتشفت ثدي الاشتراكية الديموقراطية ونهلت من حليبها ، وتشبعت بمبادئها وقيمها الإنسانية …
ان اختيار خولة للنضال في صفوف لاتحاد الاشتراكي اختيار مبدئي، ومعلوم أن زمن التسعينيات كان زمنا مفصليا في تاريخ المغرب.
ما زال مقعدها شاغرا….هنا وهناك
الكل كان يتوقع صعودها الى المكتب السياسي في المؤتمر الوطني التاسع …طبعا لم يصدق التوقع …بكل بساطة لأنها لم تترشح …ولكم في المبررات ما تختارون …وجاء المؤتمر الوطني العاشر، وكانت خولة في الموعد ، حاضرة بقوة في التحضير والبناء ….وقال الجميع : هذه كفاءة ، هذه مناضلة، هذه قائدة …ومرة أخرى لم تترشح لعضوية المكتب السياسي ….ويبقى المقعد شاغرا …وفي المؤتمر 11 تم انتخابها عضوا في المكتب السياسي …وكل مؤتمر والاتحاديون والاتحاديات كانوا ينتظرون انصاف خولة ؛ انصافها من الأب، من الحزب ، من الدولة …وذلك حديث اخر …الحزب ، كما الدولة في حاجة إلى الكفاءات …وخولة لها من الشرعية النضالية والسياسية ما يؤهلها وبامتياز لتكون قائدة اتحادية …ولها من الكفاءة الأكاديمية والمهنية ما يؤهلها لخدمة الدولة والمجتمع…
لننتظر! فالمغرب في حاجة إلى الكفاءات، وهذه إرادة جلالة الملك الهادفة إلى اقلاع تنموي ناجع ومنتج…


الكاتب : عبد السلام المساوي 

  

بتاريخ : 28/11/2022