إسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم» وحنينا في الذاكرة

نكاية في مسارها المهني، أُجبرتْ على تقديم برنامج ضد قناعاتها

 

نِكايَةٌ بنِكايةٍ، ربحتْ فيها الكاتبة والإعلامية المغربية إسمهان عمور اسمها وتاريخها المهني الذي بنته بصبر وأناة واجتهاد طيلة عقود. عقود من خدمة الثقافة الجادة والهادفة، عقود من الالتزام الثقافي بالتعريف برموز وضاءة في مغربنا الثقافي، رفقة جيل من الإعلاميين كان يعمل بتفان وبإيمان على رتق ثقوب وسط ثقافي كان الأجدر اليوم بأن يظل صامدا نكاية في التفاهة، وفي تسيد اللامعنى.
بعض من بوح مشوب بالحنين حينا، وبالمرارة أحيانا، ذاك الذي عبرت عنه الإعلامية إسمهان عمور في اللقاء الاحتفائي الذي نظمته جامعة المبدعين المغاربة يوم السبت21 دجنبر الجاري، والذي خصص لتقديم عملها الأول «نكاية في الألم»، وهو اللقاء الذي أدارته باحترافية وشاعرية الشاعرة والإعلامية والقاصة ليلى بارع، وشارك فيه بتقديم قراءات في هذا المنجز كل من الناقدين والشاعرين محمد علوط ومحمد عرش.
الشاعر والناقد محمد عرش عنون ورقته التقديمية بـ»»نكاية في الألم .. ليس إلا»، وفيها اعتبر أنه «عبر 79 مقالا تتنوع السياقات، لكن ما يجمعها هو ألم الكتابة وألم الفقد، ألم الحدث وألم الحنين إلى الطفولة، ألم الجسد».
وبالعودة إلى العنوان عتبة النص، اعتبر عرش أن العنوان» ليس إلا تشفٍّ وعدم انصياع للألم» رغم أن» الكتابة بدون ألم لا تستقيم ولا تؤثر».
من خلال برنامجها «حبر وقلم» واحتكاكها بالوسط الثقافي وتنوعه على صعيد الجغرافيا المغربية، فقد كونت إسمهان عمور «وعيا ثقافيا وإدراكا» أثرى رصيدها الثقافي وجعلها تدخل عالم الكتابة بعدة معرفية ووجدانية كانت جماع اختبارات في الحياة والمهنة، حتى أنها «احتفظت من خلال برنامجها «حبر وقلم» بالقلم، وفي الكتابة تحول حرف القاف إلى همزة «.
وأضاف محمد عرش أن الكتابة، عموما، تزدهر بالألم بدءا من الذات والغير.. ألم تختلف سياقاته وتتنوع مراثيه من مراثي الإنسان إلى مراثي المكان» حيث تتعدد الفواجع في هذا الكتاب «نكاية في الألم» لنجد أنفسنا أمام «شعرية الألم» التي تصير معها اللغة بلورية وشفافة تبكي نيابة عن العين، وتصير الكتابة ترياقا للألم».
وفي تفكيك طبقات المحكي في السيرة الذاتية لإسمهان عمور «نكاية في الألم»، توقف الناقد محمد علوط الذي عنون ورقته النقدية «نص الذات نص الذاكرة»، عند موضوعة الألم ، معتبرا أنه «نداء بدئي للحياة «، مضيفا أن « الألم هو العدو الغامض الذي ينهش قلوبها، وعلى دمنا المسفوح ينمو ويقوى. هذا الألم له حضور عارم في الأدب الكوني، وكل التجارب القوية في الإبداع تأسست على نوع من الإحساس العميق والاختبار المرير للألم».
إن «ألمنا وألم الآخرين ليس موضوعا، يقول علوط، بل اختبار حياة» ، ويتشكل هذا الاختبار في الأدب كصنو للمعاناة، ولا يمكن لأحد حياته لا تتشكل من هذا الاختبار، أن يتحدث عن الأدب، معتبرا في هذا السياق أن سيرة «نكاية في الألم» تندرج في إطار اختبار حياة ومعاناة، كما أن الألم في رمزيته الشاملة يقتضي التضحية.
من هذا المنطلق اعتبر علوط أن هذا الكتاب هو شهادة في المقام الأول حول التضحية، وعن معنى التضحية من أجل مسعى نبيل، من أجل حلم ورغبة إنسانية.
وتوقف محمد علوط عند الالتباس الحاصل بخصوص استعمال كلمة «يوميات»، مفضلا من الناحية النقدية وَسْمَ هذه السيرة «نكاية في الألم» بـ»المذكرات» لأن «المذكرات واليوميات، كأجناس أدبية تعبيرية، مختلفتان على مستوى تزامنية فعل السرد مع الذاكرة. فمسرود اليوميات يتم بشكل تزامني مع الأحداث، في حين أن المذكرات ترتبط بالذاكرة وليس بالوقائع».
علوط يرى، وفق هذه الاعتبارات السابقة، أن الكتاب ينتمي إلى أدب السيرة الذاتية، كما أن صياغته الأدبية تعتمد البناء المعماري الذي يقوم على تثبيت الالتحام المتمفصل بين نص الذات ونص الذاكرة لأنه «على طول الكتاب، هناك نصان يشتغلان: نص الذات ونص الذاكرة بدون مسافة بينهما، فهما متشابكان داخل مسار الحكي.
أما من حيث البناء الأسلوبي، فقد اعتبر علوط أن السرد في هذا الكتاب/ السيرة يقوم على المزاوجة بين تكنيك السرد الاستبطاني الذي يقرأ الدواخل، وتكنيك السرد التسجيلي، اعتبارا لأن حياة أسمهان كانت موزعة بين النظرة إلى الحياة والمحيط الخارجي والوقائع وبين النظرة إلى الشخصيات. لهذا جاءت لغة السيرة «مزيجا بين الأسلوبين: التسجيلي والاستبطاني، انتقلت بينهما إسمهان عمور بمرونة وسلاسة».
سلاسة تأتت من لحظة صفاء وتأمل، لأن جل النصوص كتبت فجرا، وبعد زمن استثنائي في تاريخ البشرية، زمن كورونا. حيث أن إسمهان لم تفكر قبلا في الكتابة ولم تخطط لها ، فالكتاب كما تقول « جاء زمن العزلة والخواء النفسي والتدبر والتأمل» تأمل في المصائر، واليقينيات التي تهاوت.
زمن كورونا الذي عاش الكل في ألمه الخاص وألمه العام، متمثلا في الفقد ، وهذا الألم هو ما تفجر في هذا الكتاب، خاصة في أول نص موسوم بـ «سامية « (ابن أخت الزوج الإعلامي حسين العمراني) التي فقدت الأب، فأيقظت في الروح جرح الأب الذي فقدته إسمهان وهي طفلة، فكان اقتسام الفقد واقتسام ألم الوداع، والبحث في صور الطفولة عمن ودعناهم.
ولأن الوداع لا ينسحب على الأشخاص والجوه التي قاسمتنا الفرح والتعب، فقد كان الارتحال من الأمكنة «أهرمومو، وجدة، إيموزار» ، إرباكا حقيقيا وعميقا للعلاقة بالمكان، بالروائح ، وبالأصوات، بالأهازيج ونايات الرعاة.
جرح الأمكنة، جرح الغياب، جرح القلب، أورام المهنة التي استفحلت… جراح غويرة سالت فكتبت نشيدها «نكايةَ في الألم».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 24/12/2024