إصدار أكاديمي جماعي يعمق النقاش المغربي حول ممارسات المجتمع المدني ورهانات الفعل التنموي المحلي

في سياق علمي ومعرفي يتسم بتنامي الاهتمام بأدوار المجتمع المدني في مسارات التنمية، أعلنت جامعة السلطان مولاي سليمان وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بها، وبدعم من «فريق بحث الدراسات السوسيولوجية في التنمية والابتكار الاجتماعي»، عن إصدار كتاب جماعي موسع بعنوان «المجتمع المدني والتنمية المحلية: نقد الممارسات ورهانات الفعل»، وهو عمل علمي، عن منشورات ومطابع مركز أطلس، يمتد على 230 صفحة، ويقترح قراءة نقدية معمقة لانخراط المجتمع المدني في مشاريع التنمية المحلية بالمغرب، في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية الراهنة.
ينطلق هذا المؤلف الجماعي من مساءلة التحولات البنيوية التي أعادت تشكيل مسار الفعل الجمعوي، وانعكاساتها على أدواره ووظائفه، ساعيا إلى تجاوز المقاربات الوصفية نحو تحليل نقدي يضع فعالية المجتمع المدني واستقلاليته وقدرته على الإسهام في التنمية المستدامة في صلب النقاش، ويؤطر الكتاب رهاناته انطلاقًا من فرضية مركزية مفادها أن الدور الذي يضطلع به المجتمع المدني، رغم أهميته الرمزية والمؤسساتية، يظل محفوفًا بإشكالات بنيوية وثقافية وتنظيمية، تتعلق أساسا بعلاقات التبعية، وضعف المأسسة، وهشاشة الشراكات، وحدود الانتقال من منطق الوساطة إلى منطق الفعل التنموي المؤثر.
ويعتمد الكتاب بنية تحليلية موزعة على أربعة فصول كبرى مطلعها تأطير مفاهيم المجتمع المدني والعمل الجمعوي والتنمية المحلية، حيث يرصد محمد خالص في مساهمته المعنونة بـ «العمل الجمعوي في رحاب السوسيولوجيا المغربية: نماذج من الكتابات» تطور الاهتمام الأكاديمي بالجمعيات داخل الحقل السوسيولوجي المغربي، مؤكدا الحاجة إلى أدوات نظرية أكثر نجاعة لفهم تعقيدات الفعل الجمعوي، بينما يناقش فؤاد أعراب في دراسته «الأنثروبولوجيا التطبيقية والمجتمع المحلي: مساءلة المفاهيم وحدود التدخل» التوتر القائم بين الإرث الاستعماري للأنثروبولوجيا ووظيفتها النقدية الراهنة، داعيا إلى مقاربة تحررية تعيد الاعتبار لقدرات الفاعلين المحليين.
أما في الفصل الثاني الذي يتوقف عند الأبعاد الثقافية والتنظيمية المؤثرة في فاعلية العمل الجمعوي محليا، فيبرز فوزي بوخريص، ضمن مقاله «مسألة القيم في التنظيمات الجمعوية بالمغرب: نحو مقاربة سوسيولوجية»، الدور المركزي للمنظومات القيمية في تشكيل هوية الجمعيات، معتبرا أن العمل الجمعوي بات قيمة اجتماعية قائمة بذاتها، رغم ما قد يرافق ذلك من توترات داخلية، ومن جهته، يسلط محمد حدوي الضوء، في دراسته «العوائق التي تحد مشاركة المجتمع المدني في التنمية المحلية»، على ضعف استقلالية الجمعيات وتبعيتها للسلطات المحلية باعتبارهما عائقين بنيويين يتطلبان إصلاحات عميقة.
كما يكشف مصطفى المناصفي، من خلال ورقته «جمعيات المجتمع المدني وأزمة كوفيد-19 بالمغرب: حالة مقاطعة مراكش–كيليز»، هشاشة النسيج الجمعوي واستمرار أنماط النخبوية والهيمنة الذكورية، رغم مظاهر الانخراط في تدبير الأزمة، ومن خلال الفصل الثالث حول إشكالية المشاركة المجتمعية وبناء الشراكات المحلية المستدامة، يدعو زهير لخيار، في مساهمته «المقاربة التشاركية والمجتمع المدني: في ضرورة تقوية القدرة التفاوضية للنسيج الجمعوي»، إلى تعزيز قدرات الجمعيات واعتماد التخطيط الاستراتيجي والتقييم المؤسساتي كمدخلين أساسيين لنجاعة الفعل التشاركي.
وفي أفق سياسي-مجالي، يقترح ربيع أوطال، في دراسته «التمثلات الاجتماعية حول الحكم المحلي ودوره في حل الأزمات السياسية: مقاربة سوسيولوجية لجهة الساقية الحمراء ووادي الذهب»، تفعيل آليات الحكم الذاتي باعتبارها مدخلا للاستقرار، مع احترام الخصوصيات الثقافية المحلية، كما يبرز محمد الراضي، في بحثه «التنظيمات الجمعوية والفاعلة ودورها في تنمية الموارد الترابية: حالة جمعية مستعملي الماء بقطاع تادلة»، غياب التنسيق بين الجمعيات والمؤسسات العمومية باعتباره يظل من أبرز معيقات الفعل التشاركي في عدم تمكينه من الاضطلاع بدوره المحوري في صناعة تنمية مستدامة ذات أثر اجتماعي فعلي.
وفي السياق الحضري، تكشف مليكة موحتي، في دراستها «تنظيمات المجتمع المدني وحكامة إنتاج المدينة بالمغرب: المدينة الجديدة تامسنا نموذجا»، استمرار تهميش المجتمع المدني رغم تبني خطاب الحكامة التشاركية، وضمن الفصل الرابع، الذي يرصد دينامية الفعل الجمعوي داخل قطاعات اجتماعية حيوية، يتناول حوسى أزارو وعبد الهادي الحلحولي، في عملهما المشترك «المجتمع المدني وآليات تدبير الإعاقة بالمغرب: بين ثقافة الرعاية والمناولة الجمعوية للتنمية الاجتماعية»، تحول بعض جمعيات الإعاقة إلى منفذ لسياسات خارجية، بما يكرس منطق «المناولة» ويسهم في تسليع الإعاقة، داعيين إلى مقاربات حقوقية تصون الكرامة الإنسانية.
ومن خلال ذات الفصل، يبرز محمد الإدريسي، في دراسته «العمل الجمعوي والتجربة المدرسية: تدبير الفعل الجمعي المنظم على محك صناعة النجاح المدرسي، دروس من حالة مدينة الزمامرة»، كيف تسهم جمعيات آباء وأمهات التلاميذ، رغم خطابها التقدمي، في إعادة إنتاج التفاوتات التعليمية عبر تحالفها غير النقدي مع المدرسة التقليدية، ووفق ما تؤكده مقدمة الكتاب، فإن هذه المساهمات، بتعدد زواياها النظرية والميدانية، تجسد رؤية نقدية شاملة لدور المجتمع المدني في التنمية المحلية مقابل تجاوز التبعية والهشاشة التنظيمية والتفاوتات الثقافية عبر تعزيز الاستقلالية وبناء شراكات مؤسساتية متوازنة، واعتماد مقاربات تشاركية تراعي الخصوصيات المحلية.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 24/12/2025