إقليم سيدي سليمان: مؤهلات واعدة بين رهانات التنمية وإكراهات التدبير الجماعي

 

يشكل إقليم سيدي سليمان أحد الأقاليم ذات المؤهلات الطبيعية والبشرية المهمة بجهة الرباط–سلا–القنيطرة، غير أن مساره التنموي لا يزال يراوح مكانه بين إمكانيات غير مستثمرة بالكامل وإكراهات بنيوية حالت دون تحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي حقيقي، في ظل تدبير جماعي لم يرق في كثير من الأحيان إلى تطلعات الساكنة.
مؤهلات طبيعية وبشرية واعدة
يتوفر إقليم سيدي سليمان على موقع جغرافي استراتيجي يربطه بعدة أقطاب حضرية كبرى، إضافة إلى انتمائه لحوض فلاحي غني، بفضل الأراضي السهلية الخصبة وشبكة الري المرتبطة بسهل الغرب. وقد جعلت هذه المؤهلات من الفلاحة النشاط الاقتصادي الرئيسي، خاصة في مجالات زراعة الحبوب، الشمندر السكري، والأعلاف، إلى جانب تربية الماشية.
كما يزخر الإقليم بيد عاملة شابة تشكل رافعة حقيقية للتنمية، فضلاً عن مؤهلات ثقافية واجتماعية قادرة، لو أُحسن استثمارها، على خلق دينامية محلية قائمة على المبادرة والابتكار.
معيقات النمو وتحديات الإقلاع التنموي
رغم هذه الإمكانيات، يواجه الإقليم عدة معيقات تعرقل مسار التنمية، في مقدمتها ضعف تنويع النسيج الاقتصادي، واعتماده شبه الكلي على الفلاحة التقليدية، ما يجعله عرضة لتقلبات المناخ والجفاف. كما يبرز نقص الاستثمارات الصناعية والخدماتية، وغياب مناطق صناعية مهيأة تستقطب المقاولات وتوفر فرص الشغل.
وتعاني البنيات التحتية بدورها من اختلالات واضحة، سواء على مستوى الطرق القروية، أو شبكات التطهير السائل، أو المرافق الاجتماعية، إضافة إلى محدودية العرض الصحي والتعليمي، خاصة بالعالم القروي، ما يعمق الفوارق المجالية والاجتماعية.
التدبير الجماعي بين الانتظارات والواقع
يشكل التدبير الجماعي أحد أبرز مفاتيح التنمية المحلية، غير أن التجربة بإقليم سيدي سليمان أفرزت العديد من التساؤلات حول نجاعته وشفافيته. فقد سجلت فعاليات محلية ومدنية ضعف الرؤية الاستراتيجية لدى عدد من المجالس المنتخبة، وغياب التخطيط المبني على تشخيص دقيق لحاجيات الساكنة، فضلاً عن محدودية التنسيق بين الجماعات والفاعلين الترابيين.
كما ساهمت الإكراهات المالية، وضعف الكفاءات التدبيرية، وأحياناً الصراعات السياسية، في تعطيل مشاريع تنموية مهيكلة، وتحويل التدبير الجماعي إلى مجرد تسيير يومي، بعيد عن منطق التنمية المستدامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

نحو أفق تنموي جديد

إن تجاوز الوضع الراهن يقتضي تبني مقاربة تنموية شمولية، قوامها تثمين المؤهلات المحلية، وتنويع الاقتصاد، وتحسين مناخ الاستثمار، مع تعزيز الحكامة الجيدة في التدبير الجماعي، وإشراك حقيقي للمجتمع المدني والقطاع الخاص. وحده هذا المسار كفيل بجعل إقليم سيدي سليمان ينتقل من مجال تتنازعه الإمكانيات المعطلة إلى فضاء تنموي واعد يستجيب لتطلعات ساكنته.
إقليم سيدي سليمان اليوم يقف عند مفترق طرق: إما استثمار مؤهلاته والانخراط في تنمية حقيقية، أو الاستمرار في دوامة التعثر التي أنهكت آمال ساكنته لسنوات.


الكاتب : عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 20/12/2025