«الأطلس المتوسط: إكراهات الواقع وٱفاق التنمية»، شكل موضوع ندوة نظمت بخنيفرة، الأسبوع المنصرم، من طرف «جمعية أجدير إيزوران للثقافة الأمازيغية» ، في سياق تشخيص واقع المجال كمدخل أساسي للتنمية، ومقاربة مجموعة من التصورات والاكراهات المتصلة بالتاريخ والجغرافيا والبيئة والسياسة العامة بمناطق الأطلس المتوسط وحاجتها لتوزيع عادل للثروات والمخططات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال عروض ثلة من الباحثين: د. محمد ياسين، د. محمد جرير ود. لحسن جنان، بينما اختير د. امحمد أقبلي لتسيير أشغال الندوة.
وسجلت الندوة ، التي احتضنها المركز الثقافي أبو القاسم الزياني ، حضورا ملحوظا للفعاليات الثقافية، الجمعوية، التربوية، الاقتصادية، والإدارية، كما حضرها عامل الإقليم وبعض المنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية، وانتهت بتدخلات الحضور التي ساهمت في إغنائها بعدد من الأسئلة والمقترحات.
وقد افتتحت بكلمة د. امحمد أقبلي، التي أوضحت أن اللقاء يندرج في سياق «إغناء النقاش حول الإشكالات المطروحة على مستوى العدالة المجالية والاجتماعية»، وسبل التحكم في فوارقها وإكراهاتها، سيما أن كل المؤشرات ، تدل بالملموس على «ما يزخر به إقليم خنيفرة من طاقات ومؤهلات « ما يحث الجميع على مضاعفة الجهود وتقوية مهارات الترافع للنهوض بالفرص المتاحة، وإيجاد الحلول الممكنة للإشكاليات القائمة واكراهات الواقع بغاية تحقيق رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتثمين الخصوصيات الثقافية والبيئية والرأسمالين المادي واللامادي.
من جهته، انطلق د. محمد ياسين من الأفكار والتشخيصات التي ينبغي تمليكها للمساهمة في تنمية الأطلس المتوسط عموما، عبر «الخوض في ما يدخل ضمن السياسة العامة وما تسطره الجماعات الترابية ومكونات المجتمع المدني»، حيث لم يفته طرح سؤال عريض حول مفهوم «الأطلس المتوسط»؟، في علاقته بالمجال والإنسان، بناء على المقومات العلمية، والدراسات الجيولوجية والبيولوجية والنباتية، إذ «من دون مرتكزات علمية يصعب تحديد التصورات الممكن الوصول بها لتأهيل ما هو منتظر»، علما، يضيف « أننا لم نتمكن من بلورة تصور مندمج وشمولي في ما يتعلق بالتاريخ والجغرافيا والمجال»، وأيضا ب «الاكراهات الناتجة عن السياسات الممنهجة»، والتمفصلات الفارقة بين المناطق الجبلية وغيرها، والعوائق المعيقة للتنمية.
وذكر المتدخل ببعض الفصول الدستورية المتعلقة بالتنمية والجهوية والتدبير والحكامة، متطرقا للمقاربة الجهوية كفكرة قابلة للنقاش، وللتنمية البشرية على مستوى البرامج الوطنية والدولية، قبل الغوص في بعض الاختيارات التي أكد على ضرورة التفكير فيها، انطلاقا من بعض المرتكزات ضمنها التنوع النباتي والثقافي والمائي والمعدني والرأسمال المادي واللامادي، والنمو الديمغرافي المتسارع، والطاقات المحلية الحية التي يجب الاعتماد عليها في «ابتكار البرامج والمحددات الممكنة والأقطاب الواجب الإنصات إليها، فضلا عن ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمساءلة، وترتيب السياسة الحقيقية بين الدولة والأطلس المتوسط، وإحداث قنوات فاعلة بين المركزية واللامركزية على قاعدة سياسة القرب»، مع تجديد استراتيجيات الانتخابات المقبلة.
واختار د. محمد جرير التمهيد لمداخلته من باب تأكيده على أن «إشكالية التنمية ليست وليدة اليوم، بل هي مشكلة سياسية، اجتماعية»، مرتكزا على ثلاث إشكاليات من منظور جغرافي، ومنها أساسا إشكالية التنمية البيئية، نظرا لما يكتنزه الأطلس المتوسط من الثروات الطبيعية، المائية والغابوية التي ينبغي المحافظة عليها، ثم الإشكالية الوظيفية الجهوية باعتبار أن المنطقة لها خصوصيات تشكل وحدة متميزة ومتكاملة ومتجانسة، اقتصاديا وبشريا، إلى جانب إشكالية التنمية اللامركزية التي تحتاج لتنظيم جديد، معتبرا إشكالية التنمية بالمنطقة هي ثلاثية الأبعاد، مع تركيزه على أهمية البيئة كإشكالية أساسية على مستوى التنمية، من حيث «لا يمكن النهوض بأية إستراتيجية تنموية دون إستراتيجية بيئية».
وتناول المتحدث ، أيضا ، واقع وآفاق المجال الغابوي، إلى جانب البيئة في علاقتها بالثروات الطبيعية، ثم إشكالية «النمو الديمغرافي والتوسع العمراني وانعكاسهما السلبي على المجالات الرعوية والغابوية»، قبل التطرق ل «أهمية الرهان على حماية البيئة اعتمادا على التنمية البشرية، الاقتصادية والاجتماعية، والقوانين الواجب تطبيقها على أرض الواقع»، دون أن يفوته التعبير عن استغرابه حيال «غياب السياحة الجبلية وإغفال دورها في الرفع من وتيرة التنمية المحلية»، كما أشار ل «لمجالي الفلاحة والرعي التقليديين «، داعيا إلى ضرورة البحث عن «تموقع أفضل على الصعيد الوطني»، و»التنسيق مع المؤسسات المعنية من موقع قوة»، والاعتماد على «القدرة التنافسية التي يكتسيها الأطلس المتوسط»، في أفق تخطي حال الفقر والهشاشة وضعف خدمات الصحة والتعليم والبنيات التحتية.
وبدوره، انطلق د. لحسن جنان في مداخلته مما ميز الأطلس المتوسط على مدى التاريخ المغربي، إن على مستوى التجارة أو المقاومة، أو كملتقى جغرافي بين الجهات، أو القبائل التي قطنته، قبل وبعد الحماية، كما لم يفته تشخيص الحركية القبلية التي عرفها بأعرافها وتقاليدها وأنماط إنتاجها، وبحثها عن العيش والاستقرار، معتقدا، من منظور خبرته الجغرافية، أن غنى هذا الأطلس «لم يكن نعمة فقط، بل هو نقمة عليه أيضا حين كان مجالا مفتوحا ومشجعا على الاستعمار والأطماع»، وإقصائه من أية سياسة تعتبره من «أولى أولويات التوازنات المجالية كغيره من المناطق ذات البعد الاستراتيجي»، علاوة على عامل التقطيع الانتخابي الذي تم «بهواجس غريبة ساهمت في تجزيء مناطق الأطلس المتوسط» وجعلها غير منسجمة ولا متكاملة.
وتوقف العرض عند ميزة الاطلس المتوسط كخزان مائي وغابوي، مشيرا لما يعانيه من وعورة التضاريس وصعوبة ظروف الإنتاج وانعدام البنيات التحتية، وغياب التجهيزات الأساسية والتصاميم الخاصة، وغيرها من الأوضاع التي يصعب في ظلها تحقيق التنمية المنشودة وإحلال العدالة المجالية، داعيا إلى تجنيد الطاقات المحلية والعمل على إنشاء صندوق خاص لدعم المناطق الجبلية، وتشجيع الاستثمار في المجالات الحيوية، والحفاظ على الموارد المائية، وعقلنة الموارد الطبيعية وتثمين التراث الأمازيغي، وإشراك الساكنة الجبلية في المخططات والبرامج، و إلى تطبيق التشريعات لأجل استدراك التأخر الحاصل في سلم التنمية، وتقوية آليات التضامن مع المناطق الجبلية التي لم يفته التمييز بين مفهومها ومفهوم المناطق القروية.
«إكراهات الواقع وآفاق التنمية بالأطلس المتوسط»
الكاتب : أحمد بيضي
بتاريخ : 31/05/2019