المعرض يتحول الى موسم لـ «حصاد انتخابي» مبكر؟
إذا كان ثمة حفل رسمي جدير بالذكر ضمن فعاليات الدورة السابعة عشرة للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، فهو دون شك المأدبة الملكية التي أقامها جلالة الملك محمد السادس، مساء الخميس 24 أبريل 2025، بمشور الستينية – صهريج السواني، على شرف الضيوف والمشاركين في هذا الحدث الدولي، والتي ترأسها رئيس الحكومة عزيز أخنوش في احترام تام للبروتوكول الرسمي وطبيعة المناسبة.
غير أن ما أثار الجدل في أروقة المعرض ولدى الرأي العام، هو مشاركة رئيس الحكومة لاحقا في مأدبة موازية نظمت على هامش التظاهرة من قبل جمعية مكثري الحبوب بالمغرب، حيث ظهر محاطا بعدد كبير من مناضلي حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يرأسه، إلى جانب مسؤولي جمعيات موالية وتنظيمات حزبية موازية، في مشهد بدا خارجا عن السياق المهني الخالص الذي يفترض أن يطبع مثل هذه التظاهرات الوطنية.
حضور رئيس الحكومة بهذه الكيفية، وإضفاء طابع حزبي فاقع على تظاهرة يفترض فيها الحياد المؤسساتي والتمثيل الجامع لكل الفاعلين الفلاحيين بمختلف انتماءاتهم، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى التزام رئيس السلطة التنفيذية بواجب التحفظ السياسي خلال المحطات الوطنية الكبرى، خصوصا حين تتحول فضاءات المعرض إلى منصات غير معلنة لاستعراض «المنجزات» الحكومية، أمام جمهور من الفلاحين والمهنيين والمؤسسات الوطنية، يفترض أنهم حضروا من أجل قضايا القطاع الزراعي وليس لمتابعة رسائل انتخابية مغلفة.
والأكثر إثارة للتساؤل أن الحملة الانتخابية، سواء كانت تشريعية أو جماعية، لا تزال بعيدة زمنيا، ما يجعل من توظيف تظاهرة من هذا الحجم كمنبر للدعاية السياسية المبكرة، خرقا سافرا لقواعد التنافس الديمقراطي النزيه، وضربا لمبدأ تكافؤ الفرص بين الفاعلين السياسيين، خاصة حين يتم ذلك بوسائل الدولة، وتحت غطاء مؤسسات عمومية.
وقد بدا هذا التوظيف الحزبي جليا في مختلف تفاصيل المعرض، من الحضور الكثيف لمناضلي «الحمامة» في أروقة المعرض، إلى مواكبتهم الميدانية لتحركات رئيس الحكومة والوزراء المنتمين لحزبه، بل وحتى خلال مراسم تسليم جوائز الجائزة الوطنية للصحافة الفلاحية والقروية، التي حضرها الوزير المنتدب مصطفى بايتاس، حيث لم يتردد بعض المشاركين في التعبير عن فخرهم بـ»التمثيلية الحزبية» القوية، عبر تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبة بصور توثق ما بدا وكأنه مؤتمر سياسي مموه أكثر منه معرضا مهنيا دوليا.
في المقابل، سجل غياب تام لأي نقاش موضوعي حول التحديات الحقيقية التي تواجه الفلاحة المغربية، وعلى رأسها الجفاف واستنزاف الموارد المائية، والتبعية المتزايدة لواردات المنتجات الغذائية الأساسية، كاللحوم وزيت الزيتون، في تناقض صارخ مع خطابات الاكتفاء الذاتي التي رافقت مخطط «المغرب الأخضر». كما تجنبت كلمات رئيس الحكومة التطرق إلى حصيلة عقد ونصف قضاه على رأس وزارة الفلاحة، مكتفيًا بالتنقل بين أجنحة مختارة، مثل جناح المكتب الشريف للفوسفاط والمجلس العام للتنمية الفلاحية، وقطب التعاونيات والمنتجات الفلاحية حيث اقتصر حضوره على التقاط الصور دون أي تفاعل حقيقي مع قضايا الفلاحين أو تقييم السياسات العمومية الزراعية.
وبدل مناقشة التحديات البنيوية والإكراهات المناخية والمالية التي تحاصر القطاع، فضل رئيس الحكومة التركيز في كلمته على برامج ذات طابع اجتماعي كالدعم المباشر والتغطية الصحية، وهي مبادرات تندرج في إطار الورش الملكي المتكامل للحماية الاجتماعية، ولا تدخل في صلب النقاش التقني للسياسات الفلاحية، ما زاد من الشكوك حول نوايا التوظيف السياسي للمناسبة.
لقد كان المنتظر من رئيس الحكومة، وهو يرأس لجنة قيادة «الجيل الأخضر»، أن يفتح النقاش حول مدى نجاعة الاستراتيجيات السابقة، وأن يقدم قراءة صريحة في واقع الفلاحة الوطنية، لا أن يحول المعرض إلى فضاء لتلميع صورة حزبه. بذلك، خرج المعرض الدولي للفلاحة عن حياده الأصلي، وتحول إلى واجهة دعائية تخدم أجندة سياسية ضيقة، في وقت كان فيه الفلاح المغربي في أمس الحاجة إلى إشارات قوية من الدولة تفيد بوجود وعي حقيقي بأزماته المتراكمة، وتعيد الاعتبار للبعد الوطني والمؤسساتي لمثل هذه التظاهرات الاستراتيجية.